عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Feb-2025

العرب يتوحدون في مواجهة التهجير*د.عبدالله سرور الزعبي

 الغد

منذ الثلث الأخير من شهر كانون ثاني والعالم يعيش عاصفة من زلازل التصريحات الامريكية السياسية منها والاقتصادية، والتي تهدف الى إعادة تشكيل العالم والشرق الأوسط بشكل خاص، تلتها التصريحات الإسرائيلية والتي ضرب التسونامي الناتج عنها دول الشرق الاوسط بالكامل، حيث تعدت الأمواج الأراضي الفلسطينية لتصل الى كل من الاردن ومصر والسعودية وقد تصل دول عربية اخرى، بالإضافة الى إيران والتي لن تكون محور حديثنا.
 
 
 
انه لمن الطبيعي ان يكون لمثل هذه العواصف من التصريحات ما يعادلها من القوة لاحتواها والسيطرة عليها قبل ان تلحق الخطر بالأمن الوطني والقومي لهذه البلدان. ان مثل هذه التصريحات تقرأها دول المنطقة باعتباره تصعيداً من قبل الولايات المتحدة الامريكية في منطقة تمر في أخطر تحداً لها، وهو الامر الذي رتب ردود افعال اردنية ومصرية مباشرة، تبعها البيان السعودي، والذي يسمى ببيان الفجر، مدعومة بردود عربية لا تقل قوة ومشكلة اتجاه واحد لكافة القوى العربية، وهو الاجماع الذي لم يتوفر بهذه الشكل منذ أكثر من نصف قرن، يضاف اليه ردة فعل الدول الإسلامية والعالمية بالكامل.
 
 
ان التصريحات الرئاسية الامريكية والتي تجاوزت الطموحات الإسرائيلية، جاءت لإنقاذ الحكومة الإسرائيلية التي تمر في ازمة داخلية وعالمية كنتيجة للحرب التدميرية التي قامت بها في غزة، لتحقيق اهداف لم تتمكن من تحقيقها وهي شبيه بخطة الإنقاذ الامريكية التي نفذت في عام 1973، حيث انتهج فها كسينجر فن الدبلوماسية  المكوكية منتقلاً الى الواقعية السياسية (وهو من خطّط لحفظ امن إسرائيل على المدى البعيد، حيث عمل على تقسيم الجبهة العربية ومراعياً فيها الالويّات إسرائيلية، وكان مؤمناً الى ان المقاومة الفلسطينية وحدها لا تهدد أمن إسرائيل بشكل جدي) والتي اسفرت عن توقيع اتفاقية كامب ديفيد والتي باتت مهددة اليوم، تبعها اتفاقية اوسلوا (والشبه منتهية) ووادي عربه المهددة ايضاً اذا ما تم تنفيذ مشروع التهجير.
 
 
 
ان الفارق بين خطة 1973 وخطة 2025 ان وزير خارجية أمريكا كسينجر هو من تولى العملية، بينما اليوم يتبناه ويهيمن عليها الرئيس، وهذا يعود الى قناعته بانه الأفضل في التفاوض وعقد الصفقات. كما قد تعود خطة ترامب لأنهاء الصراع في الشرق الأوسط وبهذه الطريقة لتخليص أمريكا من عبء الدعم المالي الذي تقدمه لإسرائيل وتحميل الدول العربية مسؤولية إعادة الاعمار لصالح الشركات الامريكية. الا انه أغفل او تغافل بان انهاء الصراع في المنطقة يحتاج الى رؤية شمولية واسعة تؤخذ فيها مصالح كافة دول المنطقة لا مصلحة إسرائيل لوحدها دون غيرها، وان حلول القوة العسكرية هي حلول مؤقته بالتأكيد.
 
 
ان تصريحات الرئيس الأمريكي المتتالية من تهجير سكان غزه وتحويلها الى ريفييرا ستعرض للبيع وضم أراضي الضفة الغربية (في إجابة للرئيس ترامب عن مسألة ضم إسرائيل لأراضي في الضفة الغربية، قائل "أعتقد أن هذا سينجح"، وأنا أفهم المجال العقاري)، وإقامة دولة للفلسطينيين في السعودية (تصريح نتنياهو، والذي يعتبر اعتداء صارخ على سيادة السعودية وهي التي لم تستعمر قط) ما هو الا مقدمة ان نجحت سيتم بعدها الهيمنة على الدول العربية والاستحواذ بثرواتها بالكامل (هذا استنتاج من التصريحات المتعلقة بكندا وغرينلاند وأخيرا الطلب من أوكرانيا بالتنازل عن مكامن ثرواتها الطبيعية).
 
 
ومع كل ذلك نأمل بان يكون كل هذا عبارة عن تصريحات لا استراتيجية أمريكية اتخذت، لأنها في مثل هذه الحالة لا محالة ستلحق الضرر في الولايات الامريكية ومكانتها العالمية وتعمق عملية البحث عن تحالفات دولية بديلة تكون أكثر ثقة واستقراراً، وتسرع في ظهور النظام العالمي الجديد متعدد القطبية.
 
 
 
وهنا لا بد من الإشارة الى ان فكرة المقاومة اصبحت فكرة متجذرة في فكر الشعب الفلسطيني، وخاصة بعد الدمار الذي لحق بغزة، وهم متمسكون بأرضهم، وبالتالي فان مثل هذه الخطط الصادرة عن الادارة الامريكية والتي اعتبرتها إسرائيل خطة عظيمة ستأخذ المنطقة الى حالة من الاستعصاء لكافة اشكال الحلول، باستثناء الحل التفاوضي الذي أنهي كافة الحروب بين الدول وعبر التاريخ (وهذه نظرية كيسنجر، حيث يقول "لا يمكن حل القضايا الدولية بالقوة الا بالتفاوض، حيث القوة تستخدم لتحسين موقع المفاوض ولا يجوز كسر أحد الأطراف").
 
 
يرى الخبراء بان اهداف الاستراتيجية الإسرائيلية من الحرب على غزة لم تتحقق، وبالتالي فان التهديدات الإسرائيلية والأمريكية بالعودة الى الحرب هي تهديدات واقعية، ومن المرجح  وبقوة ان تعود إسرائيل للحرب وتوجيه الضربات المستمرة لغزة والضفة ( والتي قد تكون مؤلمة اكثر من السابق) وبتكتيك اخر للمباشرة بمرحلة التطهير مدعومة وبقوة من الادارة الامريكية التي لم تخف ذلك (لإنجاح خطة الرئيس ترامب)، لتقنع الجميع بانها حققت أهدافها، لتحسين شروط التفاوض وبقدر ما تستطيع من فرض الهيمنة دون العودة الى قرارات الشرعية الدولية و التي يتمسك بها الاردن.
 
 
 اما نحن في الأردن، وبكل تأكيد فقد استطاع الملك بكل ما لديه من حكمة وخبرة وحنكة سياسية من احداث اختراق سياسي، وتجنب المواجهة، وإعادة ملف التهجير والدولة الفلسطينية الى الحضن العربي، ليكون قراراً عربياً بامتياز (والذي تلعب مصر والسعودية فيه دوراً في غاية الأهمية، مشكلة مع الأردن المثلث العربي لتوحيد الجهود العربية والإسلامية والدولية)، وهو المتيقن بان القادة والشعوب العربية قاطبة قد إعادة حساباتها خلال اخر سنتين، معتبرة ان القضية الفلسطينية هي القضية المركزية ومفتاح الاستقرار في المنطقة، وهو موقف الأردن الثابت والذي لم يتغير عبر تاريخ الصراع. كما ان الملك لدية القناعة التامة بان الامة العربية لن تقبل بعملية التهجير وضم أراضي الضفة، ولن تقبل دون إقامة الدولة الفلسطينية وان الصراع القائم لن يحسم عسكرياً.
 
 
 
وعلى الرغم من موقف الأردن الواضح والثابت من القضية الفلسطينية وقضية التهجير، الا ان البعض ذهب في تفسيرات واجتهادات للتصريحات المقتضبة بعد اجتماع الملك بالرئيس ترامب، لا تمت الى الواقع بصله، لا بل تنم عن عدم دراية وجهل سياسي في الواقع الإقليمي المسيطر عليه امريكياً.  فالملك نجح في الاختراق السياسي واستطاع من خفض التوترات بهدف المحافظة على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، مؤكداً بان مصلحة الأردن هي الأولوية القصوى لديه في أي قرار سيتم اتخاذه بخصوص الطروحات الأميركية (وهنا مصلحة الأردن الكبرى، عدم حدوث أي تهجير مهما كان حماية للأمن الوطني)، مؤكداً بان الامن والاستقرار هي مسؤولية جماعية، وان هناك خطة مصرية سيتم بلورتها عربية ليتم مناقشتها مع الإدارة الامريكية. اما فيما يخص تصريح الملك في استقبال 2000 طفل لتلقي العلاج في الأردن، فهو جزء لا يتجزأ من العمليات والمساعدات الإنسانية التي يقدمها الأردن للأهل في فلسطين وخاصة غزه للتخفيف من معاناة أهلها، وعلينا ان نتذكر بان الأردن كان اول من فك الحصار بتقدم المساعدات الطبية والغذائية وانشاء المستشفيات.
 
 
اننا في الأردن نؤمن بقيادة الملك، وهو فعلاً كما وصفه الرئيس ترامب بانه رجل عظيم، وأبدع بحنكته ودبلوماسيته بإعادة الملف الى الخطة التي تعمل عليها مصر لرسم مستقبل قطاع غزه، وتمنع التهجير وتحافظ على وقف إطلاق النار وتعيد عملة الاعمار فيه، والتي ستحصل على الاجماع العربي في الاجتماع الذي دعت اليه السعودية في نهاية هذا الشهر، وخاصة ان الدول العربية قاطبة وصلتها الرسائل الامريكية والإسرائيلية، وهي اليوم موحدة دون شك لحماية امنها على المستوى الوطني والقومي.