عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Nov-2020

الانتخابات.. نواب خارج الحصانة السينمائية

 الراي- زياد عساف

 
«في ساحة كلية الهندسة اشتعلت الأجواء واحتدم التنافس بين حسين وسهير حين تقابلا كخصمين في انتخابات اتحاد الطلبة وكانت نتيجة الفرز في النهاية قصة حب جمعت بين قلبيهما»، هذا واحد من المشاهد الجميلة من فيلم الخطايا الذي جمع بين عبد الحليم ونادية لطفي، وفي أوائل سبعينات القرن الماضي تكرر الموقف بصورة أخرى عبر أحداث فيلم (إمبراطورية ميم) عندما أعلنت الأم الأرملة (فاتن حمامة) لإبنائها عن رغبتها في الزواج، حينها قرر الأبناء إجراء إنتخابات داخل المنزل لتحديد من سيتابع شؤون الأسرة بعدها وانتصرت عاطفة الأمومة واكتسحت ست الحبايب جميع الأصوات حتى صوت الإبن الذي قرر أن ينافسها على هذا الموقع ماجعلها تعيد النظر بموقفها من الزواج.
 
هذه بعض مشاهد من (الإنتخابات السينمائية) الجميلة التي لم تبرح حقول الذاكرة، ولكن شتان ما بين حسابات الحقل والبيدر هذا فيما يخص الرؤية السينمائية للإنتخابات النيابية التشريعية والتي كان للفن السابع وجهة نظر مختلفة يلتقي معها كثيرون من أبناء المجتمع مع اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم.
 
الأفوكاتو مديحة..
 
حالة من الإستياء والشجب إنتابت العديد من النواب في بعض الدول عربية استنكاراً للصورة السلبية التي يُقدم بها النائب على الشاشة عملاً بالمثل الدارج (العيار إللي ما بيصيب بدوِش)، إذ أن هناك من يتسمون بنظافة اليد والإخلاص في أدائهم ولا يجوز وضع الجميع في نفس المركب رغم إقرارهم بأن الصورة السلبية تنطبق على نسبة كبيرة ممن هم تحت قبة البرلمان وهذا ما يؤكده كتَاب ومخرجون بأن المقصود في أعمالهم هم الغالبية العظمى،ويبقى الحل في مثل هذه الحالة بالتنوََع الدرامي المدروس في تناول نماذج مختلفة من ممثلي الشعب إلا أن الظاهر للعيان إخفاق السينما في تبني هذا الجانب باستثناء بعض الأعمال التي لاتتجاوز أصابع اليد الواحدة.
 
تطرقت السينما لشرائح مختلفة من المرشحين والنواب وعكست من خلالها أجواء الإنتخابات وما يدور خلف الكواليس عادة وتقديم النائب بصورة إيجابية كما سبق ظل محصوراً بأعمال قليلة ومنها فيلم (الأفوكاتو مديحة) إنتاج 1950 وعبر شخصية محمد أفندي (يوسف وهبي) الذي يعمل ناظراً للزراعة ويتسم بالنزاهة والأخلاق ويقرر خوض الإنتخابات كمنافس ل جابر باشا الذي فشل حتى في إدارة أمور بيته، وفي النهاية يقر الباشا بأهلية محمد لهذا المقعد وينسحب من هذه المنافسة لصالح محمد ليحقق الأخير الفوز في عضوية مجلس الشعب في النهاية.
 
موعد مع الرئيس..
 
الفنانة إلهام شاهين قدمت نموذجاً إيجابياً أيضاً للصورة التي يجب أن يكون عليها عضو مجلس الشعب عبر أحداث فيلم (موعد مع الرئيس) 1990 بتجسيدها لشخصية النائب ماجدة كامل التي تدافع عن قضايا أهل الدائرة الشعبية التي تمثلها وتتصدى للفساد وينتهي الفيلم بمقابلتها لرئيس الجمهورية لإطلاعه على ملف فساد المسؤولين الساعين لهدم حي شعبي تابع لدائرتها بهدف بناء أبراج سكينة.
 
الفنان نور الشريف قدم صورة النائب الفاسد بفيلم (الهروب الى القمة) 1996 الذي يصل لقبة البرلمان منتحلاً شخصية رجل الأعمال (وجدي الزيني) وفي النهاية يصحو ضميره ويعقد لقاءً صحفياً للكشف عن اسماء العديد من الفاسدين وما ارتكبوه من جرائم اختلاس ورشوة.
 
تجارب شخصية..
 
يعتبر الفنان هو أصدق من يعبر عن هذا النوع من القضايا، فكيف يكون الحال عندما يكون الممثل أو المخرج قد خاض تجربة العمل النيابي، فلا شك أنها تجربة يؤخذ بها رغم أن انطباعات هؤلاء كانت غير مبشره، الفنان حمدي أحمد كان اّخر ظهور له في السينما بفيلم (صرخة نملة) 2011 وقدم دور نائب فاسد، والمعلوم لكثيرين أن حمدي أحمد كان عضواً في مجلس الشعب المصري عن منطقة بولاق، وعن هذه التجربة يقول: «إن الفن لم يسيء للنواب ولم يقدم صورة مصر بشكل خاطىء ولكن للأسف هذا هو الواقع الذي عشناه».
 
الفنان الممثل أيمن زيدان خاض التجربة نفسها في مجلس الشعب السوري، وفي محاضرة جمعتنا به في مؤسسة عبد الحميد شومان قبل مايقارب سنة تطرق لهذه التجربة وعبر عن ذلك بمرارة بأنه كان كومبارساً في مجلس الشعب، وهو من أسوأ الأدوار التي مثلها في حياته!.
 
إنتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط..
 
ولعل شهادة حمدي أحمد وزيدان ترجح كفِّة تعميم الصورة السلبية لشخصية النائب أو المرشح في السينما وبالتالي كثرة عدد الأفلام التي تتبنى هذا الرأي وتقارب وجهات النظر مع طريقة تناول وتحليل الموضوع من وجهة نظر المؤلف والمخرج.
 
وبهذا الصدد تناولت السينما المخالفات القانونية والسقطات الإخلاقية وتأثيرها على سمعة المرشح وتقليلها بالتالي من فرص الفوز وتحايل الأخير على القانون لتجاوز هذا الموقف، من الأعمال التي تناولت هذه القضية فيلم (حب إلى الأبد) للمخرج يوسف شاهين إنتاج عام 1959، ويؤدي محمود المليجي دور المحامي الذي اعتزم الترشح للإنتخابات ثم يتلق الصدمة عندما يتورط شقيقه أشرف (أحمد رمزي) بجريمة قتل دفاعا عن فتاة ليل (نادية لطفي) كانت تربطه بها علاقة، هنا تظهر إنتهازية المحامي بتجاوزه للقانون فيلفق التهمة للفتاة لتبرئة شقيقة ليس حبا في الأخير ولكن كي لا تهز هذه الواقعة من سمعته ما يحول من استحواذه على المقعد النيابي دون الإهتمام بمصير الفتاة التي توفت نتيجة تصرفه هذا.
 
وفي سيناريو مشابه جرت أحداث فيلم (إنتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط) 1981، عندما يتورط أستاذ جامعة سليمان عبد الباسط (عادل إمام) في علاقة مع فتاة ليل أيضاً ويرصده عشيقها الذي يقتل على يد سليمان أثناء دفاع الأخير عن نفسه،ما يضطره وهو أستاذ القانون لارتكاب جريمة قتل أخرى لشخص كان شاهداً على مقتل العشيق لإخفاء دليل إدانته خاصة أنه في طريقه لدخول الإنتخابات بعد أن رشحه أهل قريته لهذا المنصب.
 
مسعود ابو السعد..
 
إنتخابات الرئاسة وحدها التي تعتبر خارج حدود النقد وتناول السينمائيون لهذا الموضوع يعتبر من المحاذير الرقابية، وقدمت هذه التجربة بعمل سينمائي وحيد وهو فيلم (ظاظا) إنتاج 2006 للفنان هاني رمزي مع مراعاة تعليمات الرقابة بهذا الشأن أما فيما يتعلق بالنواب فلم يكن لهم أي حصانة سينمائية كونها مناصب غير ثابتة ولا تؤثر كثيراً على السلطات العليا فالنائب بالنهاية وكما هو مفروض من اختيار الشعب وهو من عليه أن يتحمل نتيجة هذا الإختيار.
 
وفي الوقت نفسه يأت تناول هذه الشخصيات كتنفيس للمشاهد المحتقن جراء سوء الأوضاع الإقتصادية والسياسية، وبالنسبة للمخرجين والكتَّاب فهي فرصة لانتقاد الجهات السيادية العليا بصورة غير مباشرة من خلال رمزية السلطة التشريعية تجنباً لوقوع إشكاليات مع الرقابة على المصنفات الفنية، والتي يتفادوها عادة بتقديم صورة النائب بأسلوب ساخر وكوميدي باعتبار الكوميديا بحد ذاتها نوع من المبالغة وبعيدة عن الواقع، ولعل خير مثال على ذلك شخصية مسعود ابو السعد وقدمها فؤاد المهندس بفيلم (أرض النفاق) 1968 عندما يتناول حبوب النفاق قبل أن يطل على ناخبيه في مقره الإنتخابي ويوعدهم بالوهم والأكاذيب، ثم يخطىء بعد ذلك ويتناول واحدة من حبوب الصراحة ما يجعله يكشف حقيقته أمام الناس.
 
اللعب مع الكبار..
 
وكما سبق فإن سقوط الحصانة السينمائية عن النواب من خلال الدراما عموماً سلَّط الضوء على الكثير من التجاوزات التي يقومون بها رغم الحصانة النيابية التي يتمتعون بها في الواقع أما على الشاشة فلا، ومن الأمثلة على ذلك فيلم (اللعب مع الكبار) 1991 عندما استغل النائب (أحمد عقل) الحصانة النيابية وتم ضبطه في المطار متلبساً بتهمة تهريب مخدرات محتمياً بالحصانة النيابية التي تحول دون تفتيش الحقائب الخاصة لعضو مجلس الشعب.
 
وبفيلم الفرقة 12 يتعمد أحد المرشحين سامي أبو الوفا (علي حسنين) بإتمام صفقة هيروين بنفس اللحظة التي يتم بها إعلان نتيجة فوزه التي كان يضمنها في انتخابات مجلس الشعب، وعندما تم ضبطه احتمى بالحصانة النيابية التي اكتسبها من لحظة فوزة بالعضوية بحسب ما ينص عليه القانون.
 
وبهذا الصدد قدمت السينما المصرية العديد من الأعمال عن وصول نواب لمجلس الشعب من خلال تجارة المخدرات ومن هذه الأفلام: حتى لايطير الدخان 1984، عمارة يعقوبيان 2006 والجزيرة 2007.
 
بطولات وهمية..
 
اختلاق البطولات الوهمية واحدة من صور التحايل على الناخبين بغية احتلال مقعد تحت قبة البرلمان، سلطت السينما المصرية على هذا النوع من المرشحين، ولنا بفيلم (ليلة القبض على فاطمة) 1984 لسيدة الشاشة العربية مثالاً حياً على ذلك عندما تقوم فاطمة بتهريب السلاح للفدائيين بدلاً من شقيقها الإنتهازي جلال طاهر (محسن محيي الدين) أثناء العدوان الثلاثي على بور سعيد وتنسب البطولة لأخيها الذي يستغل هذا الموقف لصالحه ما يؤهله بالفوز بانتخابات الأمانة العامة للإتحاد القومي.
 
وبطريقة مشابهة تنسب بطولات زائفة للوزير رشدي الخيال (جميل راتب) عبر أحداث فيلم (طيور الظلام) 1995 فيقوم بتبرئة أحد المهربين ضمن دائرته الإنتخابية بالتنسيق مع أحد رجال الأمن ما يسهل له اكتساب أصوات أهالي الدائرة والقابعة في واحدة من قرى الأرياف، ومن مظاهر تقمص الوزير للطيبة والنبل بهدف تحقيق الفوز احتضانه وتقبيله مرغماً لشخص من نفس الدائرة يعاني من أمراض جلدية.
 
طلبات استجواب..
 
الفنان عادل إمام جسَّد شخصية عضو مجلس الشعب بأفلام عديدة لا بل كان صاحب النصيب الأكبر بتناول هذه الشخصية وتنوع القضايا التي يتضمنها كل فيلم، ومن أهم أعماله في هذا الجانب فيلم (بخيت وعديلة) الجزء الثاني مع الفنانة شيرين وتم تسليط الضوء على خبايا الأجواء الإنتخابية أيضاً وبشكل مفصل وساخر، ويترشح في البداية لانتخابات مجلس الشعب مع عديلة بهدف الحصول على شقة تجمعهما كزوجين، ويبرز بالفيلم المتاجرة بالظروف القاسية للناخبين في المناطق الشعبية واستخدام أساليب الترغيب والترهيب لإبعاد الخصوم المرشحين، وتنازل بعضهم للاّخر مقابل مبلغ خيالي بالإضافة لعمليات التزوير وتنافس القوى السياسية لاستقطاب بعض المرشحين.
 
وكيف يكون الحال عندما يحصل إنسان بسيط على عضوية النيابة وهو لا يجيد القراء والكتابة، هذا ما يجيب عليه فيلم (الواد محروس بتاع الوزير) 1999 عندما يقوم محروس (عادل إمام) بتقديم طلبات استجواب للمسؤولين بهدف مقايضتهم وابتزازهم، وكوجه اّخر من وجوه الفساد يتطرق فيلمه (مرجان أحمد مرجان) 2007 لظاهرة شراء الأصوات بغية الحصول على عضوية المجلس التشريعي.
 
لم تستثن السينما المصرية انتقاد النائب الذي يفتقده أبناء دائرته بعد الفوز وبأعمال منها: (الجواز بقرار جمهوري) 2001 و(عين شمس) 2009.
 
يوميات نائب في الأرياف..
 
ولايكتمل الحديث عن الأعمال التي تناولت موضوع الديمقراطية والإنتخابات دون التطرق لفيلم (يوميات نائب في الإرياف) 1968للكاتب توفيق الحكيم وإخراج توفيق صالح الذي واجه تعنت ورفض الرقابة لعرض الفيلم حتى تم عرضه بقرار من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد مشاهدته للعمل.
 
يتحدث الفيلم عن الحال السياسي والإجتماعي في مصر أواسط الثلاثينيات وبرع المخرج في التعبير عن وهم الديمقراطية اّنذاك عندما يتم اكتشاف جثة الفتاة الفلاحة ريم تطفو على نهر النيل بعد اختفائها الذي سبب قلقاً للجميع باعتبارها فتاة أحلام شباب القرية، وفي الوقت نفسه يعثر الشباب على صندوق الإقتراع الذي ألقى به المأمور في النهر وقام بإبداله باّخر ليفوز مرشح السلطة، عندها يقومون بوضع جثة ريم على صندوق الإقتراع كناية عن موت الديمقراطية ونهاية الحلم برحيل ريم والتي رثاها الشيخ عصفور في مشهد النهاية: «رمش عينها ياناس يفرش على الميَّة.. واحدة بياض شفتشي والتانية بلطية.. والتالتة من بدعها غرقها في الميَّة!».