عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Jul-2021

الملك في أميركا من زاوية أخرى*غيث الطراونة

 عمون

كثيرة هي المشاهد التي لا تظهر في الإعلام في تغطيته للقاءات والاجتماعات التي يعقدها جلالة الملك عبدالله الثاني مع الإدارة الأميركية وأركانها ولجان الكونغرس بشقيه النواب والشيوخ، وهذا ليس تقصيرا، بل بعض المشاهد والانطباعات لا تلتقطها عدسة الكاميرا ولا البيانات الصحفية.
 
في كثير من الأحيان عليك أن تكون متواجدا في موقع الحدث لترصد الأجزاء الصغيرة والطاقة الإيجابية، التي تمكنك من الحكم على طبيعة اللقاء وشكله ومحتواه، وبالتالي الوصول إلى استنتاجات بخصوص تحقيقه للنتائج المرجوة منه.
 
لقد حظيت بشرف حضور عشرات اللقاءات مع قادة العالم بمعية جلالة الملك بحكم عملي خلال السنوات الماضية، وتحديدا في الولايات المتحدة، وخصوصا مع لجان الكونغرس (النواب والشيوخ)، ولن أذيع سرا إن قلت إن البيانات الصحفية التي كنا ننشرها، صحيح أنها كانت تعبر عن المواقف الأردنية تجاه مختلف القضايا المحلية والإقليمة وحتى الدولية، ولكنها لم تكن قادرة بحكم الكثير من المعايير عن الإجابة عن سؤال كيف كانت أجواء اللقاء؟ كيف استقبل الطرف الآخر الأدوات والمفردات والطريقة التي استخدمها الملك في التعبير عن الموقف الأردني؟ كيف تفاعل الطرف الآخر مع الفهم العميق لمختلف الملفات السياسية الإقليمية والدولية؟
 
علينا جميعا أن ندرك حقيقة أن امتلاك القدرة على مخاطبة الطرف الآخر يساوي إلى حد كبير في أهميته ما تمتلك من رؤى وقراءة دقيقة للمشهد، لأن الكثير من الرسائل تضيع أحيانا عندما نعجز عن إيصالها بشكل واضح للمتلقي.
 
ولن أبالغ إن قلت بأنني كنت في هذه اللقاءات، التي كانت تزيد مدة الواحد منها، وهي كثيرة، عن ساعة في بعض الأحيان، أرصد ردود أفعال أعضاء اللجان عندما يتحدث الملك، وما كنت أراه هو تعابير الود والثقة.
 
هذه الالتقاطة بحاجة فقط إلى أن تكون موجودا في موقع الحدث، ومهتم برصد وفهم حالة التفاعل الموجودة خلال الاجتماع، وهنا تظهر قدرات الملك في امتلاك أدوات لغة المتلقي واستخدام مفردات وأمثال شعبية رائجة في بعض الأحيان، ولكم أن تتخيلوا حجم التفاعل والفهم من الطرف الآخر عندما يسمعوا ما يساعدهم على الفهم وبالتالي اتخاذ القرار الصائب.
 
ولكم أن تتخيلوا أيضا ردة فعل عضو في الكونغرس يلتقي الملك لأول مرة وموقفه محايد، عندما يناديه الملك بأسمه ويسأله عن موقع مشهور في ولايته، أؤكد لكم بأن هذا العضو انتقل من حالة الحياد إلى الدعم.
 
الملك بالنسبة لهم يمثل صوتا للمنطق والعقل، فعندما يتحدث الملك كما قال عضو مجلس الشيوخ الأمريكي ليندسي غراهام فإن أمريكا تنصت له، أو كما قال بوب كروكر في مقابلة تلفزيونية، بأنهم دائما وكلما التقوا مع جلالته يتعلمون النهج الأفضل في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط.
 
ما أقصده هنا أن جلالة الملك وما يمتلكه من فهم واضح ودقيق وعميق للملفات الإقليمية والدولية، وكذلك للمتغيرات المتسارعة فيها، المترافقة مع رؤى إستشرافية واضحة ومتفائلة، ومصداقية يشهد بها القاصي والداني، فما يقال خلف الأبواب المغلقة هو ذاته ما ينشر للناس، هو ما مكن الأردن من أن يكون مجموعة من الأصدقاء في الكونغرس الذي يمارس نفوذا حاسما في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فالمادة الأولى من دستور الولايات المتحدة الأمريكية تنص على أن "جميع السلطات التشريعية الممنوحة في الدستور تُخَول لكونغرس الولايات المتحدة الذي يتألف من مجلس للنواب وآخر للشيوخ".
 
الملك كما جرت العادة يمضي يومي عمل في الكونغرس بشقيه الشيوخ والنواب يتحرك في أروقته متنقلا من اجتماع مع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ إلى اللجنة الفرعية لمخصصات وزارة الخارجية والعمليات الخارجية في مجلس النواب مثلا، ليشكل بذلك حالة إيجابية من الدعم للأردن ومواقفه المرتبطة بالشأن الاقليمي وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
 
ختاما، ندرك أن جلالة الملك اختط نهجا سياسيا فيه الكثير من التجديد الذي يعبر عن شخصيته الصادقة والمتفائلة، فالملك بدأ منذ عقدين دبلوماسية جديدة فيما يتعلق بعلاقة الأردن الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، كما وأطلق لغة مختلفة في مخاطبة العالم، حيث كانت استجابة الأردن للتحديات الكبرى المتمثلة في الحرب على الأرهاب، والدفاع عن صورة الإسلام ، والانتباه مبكرا لحركة التغيير في السياسة الدولية، موضع احترام العالم وتقديره.
 
إن أبرز ما يميز دبلوماسية الملك أنها مدركة بعمق لقضايا الشرق الاوسط وجذور الأزمات وخلفياتها.
 
نعم لقد حاولت في هذا المقال أن أتناول بشكل مختلف ولو قليلا ما يبذله جلالة الملك من جهود وما يمتلك من رؤى عميقة ومتفائلة تتجاوز الحدود المحلية إلى الإقليمية والدولية، قادت إلى رغبة عالمية بالاستماع لجلالته وبناء مواقف بلدانهم وسياساتها تجاه المنطقة.