عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Dec-2021

أرسلوا المهرجين

 الغد-نينا خروشيفا

 
موسكو- مثل العديد من الناس فإن المهرجين يجعلونني أشعر بالتوتر ولكن المنظر الذي يخيفني أكثر بكثير من منظر المهرج الملون – مثل أفلام الرعب -هو منظر مهرج حقيقي يتمتع بسلطة اجتماعية أو سياسية وهناك الكثير مما نخشاه وذلك من حركة كيوانون في الولايات المتحدة الأمريكية إلى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.
بينما كنت أعمل في وقت سابق من هذا الشهر على السيرة الذاتية لجدي الأكبر نيكيتا خروتشوف، وصلت الى أحد اللحظات الفارقة العديدة المتعلقة بقدرته على أن يسير على حبال الحياة المشدودة -تعاملاته مع الرئيس الأميركي جون ف كيندي- وعندئذ قررت مشاهدة الأخبار حيث تفاجأت برؤية المئات من أنصار حركة كيوانون يتجمعون في ديلي بلازا في دالاس والذي يطل على الموقع الذي تم فيه اغتيال جون ف كينيدي قبل 58 سنة.
وفقا لمعايير نصار حركة كيوانون المتعصبين – وكثير منهم اقتحموا مبنى الكابيتول الأميركي في 6 يناير – كان التجمع مقيدا إلى حد ما. ربما كان الأمر ليبدو طبيعيا، لولا ان المشهد كان يتخلله أعلام وقمصان “ترامب-كينيدي 2024” وفي واقع الأمر كان أولئك الذين تجمعوا على الربوة المعشبة ينتظرون أن يظهر ابن جون ف كينيدي مجددا وهو جون إف كينيدي الأبن والذي توفي في حادث تحطم طائرة في عام 1999. لقد تنبأت اللوحات التي تحمل رسائل كيوانون أن جون- جون، كما كان يُعرف، سيصل الى المكان الذي قُتل فيه والده، ليصبح نائب دونالد ترامب الذي سيدخل معه انتخابات عام 2024.
وحتى بدون وجود الشخص ذو الوجه الملون والذي يرتدي قبعة من الفرو “شامان كيوانون “ فإن وجود جمهور يوافق على مثل هذه النبوءة المحمومة كان كافيا ليجعل أي شخص مصاب برهاب المهرجين يعاني من الكوابيس.
ومثل جميع المؤمنين الحقيقيين، لم يرتدع مهرجو حركة كيوانون عندما لم يظهر جون-جون والبعض ذهب الى حفلة موسيقية متأملين أن يظهر هناك ، بينما حضر آخرون حفلة راقصة حيث تأنقت بعض النساء آملا في أن يصبحن عروس لكيندي بعد ان يظهر مجددا من بين الأموات ( ان موضوع إعادة احياء زوجته والتي ماتت معه في حادث تحطم الطائرة لم يتم طرحه من قبل حركة كيوانون).
ان من السهل وصف هذا السلوك على انه مجرد ضرب من الجنون فنظرية المؤامرة تلك على وجه التحديد تعتبر هامشية حتى بالنسبة لحركة كيوانون والتي ترتكز على الاعتقاد بإن الحكومة الأمريكية يتم التحكم بها من قبل المتحرشين بالأطفال من عبدة الشيطان ولكن حقيقة ان مئات الناس قد حضروا مثل هذا الحدث الغريب مع ارتباطهم الوثيق بحركة أكبر بكثير يثير القلق.
بالنسبة لمثل هذه التجمعات فإن من الواضح أن تعطيل “عدم الاقتناع “ الذي يميز المتعصبين من حركة كيوانون هو أمر بالغ الأهمية للنجاح السياسي للشعبوية. بالطبع يعتبر الإنكار والقاء اللوم على الاخرين من الممارسات المعتادة في السياسة حيث أشتهر رونالد ريغان بـلقب” رئيس التفلون” لأن الانتقادات الموجهة إليه نادراً ما كانت تلتصق في أذهان الناس. لقد كان بإمكان
رونالد ريغان دائما ان يتجاهل خطأ ما وأن يوجه أصابع الاتهام الى تابع أو الى ما هو أفضل من ذلك الى ديمقراطي.
لكن الشعبويين أشبه بمرآة المرح التي تشوه صورة الذي يقف أمامها وبينما قد تحاول شخصية مثل ترامب القاء اللوم بالنسبة لبعض أوجه الفشل على المعارضين، فإن الاحتمالية الأكثر ترجيحا هو ان يشوه الحقيقة وينكر انه يوجد فشل من الأساس علما ان أتباعه يصدقون كلامه، ويؤدون جميع أنواع الجمباز العقلي للدفاع عن تشوهاته.
أن مثل هذه التشوهات الكاذبة للواقع لا تدعو للابتسام ففي روسيا اليوم والتي يقودها “ الجوكر الكبير” فلاديمير بوتين، فإن أقدم منظمة لحقوق الانسان وأكثرها احتراما ميموريال والتي أسسها الحائز على جائزة نوبل للسلام اندريه ساخاروف تتعرض للاستهداف الان على أساس مزاعم انها تشكل “تهديداً للمجتمع “وفي هذا العالم الذي تنقلب فيه الموازين، فإن حفظة الذاكرة في روسيا هم من يشكلون “تهديدًا” من خلال تذكّر جرائم ستالين أو حقوق أولئك الذين يعانون في عهد بوتين والمزحة السخيفة هي أنهم يشكلون تهديدًا بالفعل: فهم من بين قلة من الشجعان الذين قد يهددون قدرة بوتين المطلقة المتزايدة على التلاعب بالواقع الروسي.
وهناك أيضا المهرج الذي يقيم حاليا في 10 داوننغ ستريت حيث يدين بوريس جونسون بالفضل لنجاحه المهني لقدرته التي شحذها طوال حياته على إنكار التاريخ وتجاهله ورفضه – وليس أقله تاريخه هو شخصيا. لقد وصف السود بأنهم “البيكانيون “الذين لديهم “ابتسامات البطيخ”، ووصف المثليين بـ “البومبويز”. أن هذا مجرد خطاب مبالغ به لصحفي أو ربما تهكم.
ان من الممكن رؤية مثل هذا الوقاحة في سجل جونسون الحافل بالتشهير بباراك أوباما أول رئيس أسود لأميركا. عندما تمت إزالة تمثال نصفي لونستون تشرشل من المكتب البيضاوي، أشار جونسون الى أن “ الجزء الكيني من أوباما” يحمل “كراهية مثل أسلافه للإمبراطورية البريطانية – والتي كان تشرشل مدافعا شرسا عنها”. (لقد كان من المقرر إعادة التمثال بشكل أكثر بساطة الى السفارة البريطانية في واشنطن).
ان سلوك جونسون الصحفي والبرلماني المضطرب كان فقط عبارة عن مقدمة لتوليه منصب رئاسة الوزراء ففي عام 2019 تم توبيخه من قبل المحكمة العليا في المملكة المتحدة لمحاولته تعليق عمل البرلمان في محاولة واضحة لتجنب المسائلة فيما يتعلق بخططه المتعلقة ببريكست كما خلُص تحقيق برلماني الى نتيجة مفادها أن حكومته ارتكبت أخطاء جسيمه في تعاملها المبكر مع أزمة فيروس كورونا.
مثل ترامب فلقد استخف جونسون بالبداية بكوفيد 19. أن الجانب الوحيد للأزمة الذي كان يبدو انه كان يهمه هو الفرصة التي أتاحتها الأزمة لتخصيص مبالغ طائلة من المال العام للمقربين والأنصار وطبقا لمنظمة الشفافية العالمية فإن ما قيمته 3.7 مليار جنيه إسترليني (4.9 مليار دولار) من العقود الحكومية المرتبطة بالجائحة أثارت بعض المحاذير المتعلقة بإمكانية حدوث فساد.
لقد زادت وقاحة جونسون بشكل كبير هذا الشهر نظرا لجهوده في حماية أوين باتيرسون وهو نائب عن حزب المحافظين انتهك قواعد الضغط والتأثير مرارا وتكرارا والى جانب محاولته إيقاف تعليق عضوية باتيرسون، تحرك جونسون من اجل تقويض النظام المستقل الذي تم وضعه لمكافحة الفساد في البرلمان.
وهنا تجاوز جونسون حدوده بشكل كبير فخلال 24 ساعة أضطر لتغيير موقفه وترك باترسون يستقيل بشكل مخزي. تشير ردة الفعل على خطابه الأخير الذي تحدث فيه بشكل غير
مفهوم عن حبه لمدينة الملاهي “ بيبا بيغ ورلد “ إلى ان الصبر على سلوكه التهريجي – وربما على الفساد والسخرية الكامنة تحته – قد بدأ ينفذ وفي حين أن الخطب الغريبة ليست شيئا جديدا على جونسون، إلا انها لا تقابل عادة بمثل هذا الرفض الحاد وحتى من زملائه من حزب المحافظين.
في سنة 2016 وهي سنة بريكست وانتخاب ترامب بمساعدة محتملة من بوتين توفي أوليغ بوبوف أقدم وأشهر “مهرج مرح” في روسيا، مما جعل الروس يعلقون بأن “المرح الجيد قد مات في البلاد” وفي نفس العام، كان الأمريكيون والبريطانيون مفتونين – ومذعورين – بسبب تقارير عن ظهور “مهرجين مخيفين” في مدن في طول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وعرضها حيث تبين أن الادعاء برؤية هولاء المهرجين المخيفين كان خدعة. أما الآن فنحن نعلم أن المهرجين المخيفين موجودون في الحقيقة وللأسف يتمتعون بالقوة والسلطة.
 
*نينا خروشيفا، أستاذة الشؤون الدولية في ذا نيو سكول وهي مؤلفة مشاركة مؤخرا (مع جيفري تايلر) لكتاب “على خطى بوتين: البحث عن روح الإمبراطورية عبر احدى عشرة منطقة زمنية في روسيا “. مطبعة سانت مارتن ،2019
حقوق النشر:بروجيكت سنديكت.