عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Jul-2025

إطلاق الاحتلال نيرانه على دمشق.. هل يفتح باب المجهول في سورية أم ينبش ملف الأقليات؟

 الغد-محمد الكيالي

 ترتفع وتيرة طرح التساؤلات في أوساط سياسية وإعلامية، حول مستقبل سورية، في ظل المستجدات الأمنية المتسارعة، خصوصا بعد غارات الاحتلال الصهيوني التي استهدفت محيط العاصمة السورية دمشق أول من أمس، وكانت الحصيلة الأبرز تدمير وزارة الدفاع السورية، وما تلاها من اشتباكات متقطعة في الجنوب السوري، مع مجموعات مسلحة تنتمي إلى الطائفة الدرزية. 
 
 
هذه التطورات أعادت فتح ملف "تقسيم سورية" على أسس طائفية وإثنية إلى التداول في أوساط إقليمية ودولية، تذهب في أطروحاتها إلى خلق ترتيبات، تهدف لإعادة صياغة المشهد الداخلي في دمشق، وفق ما يخدم مصالحها؛ وعلى رأسها الكيان الصهيوني.
 
فما الذي يريده الاحتلال؟.. هذا هو السؤال الجوهري الذي يطرحه خبراء سياسيون، في ظل تكرار الضربات الجوية  لأنحاء عديدة من سورية، وأبرزها دمشق، وتزايد المؤشرات على دعم غير مباشر تقدمه أقليات تنزع نحو الانفصال تحت ذريعة "الحماية الذاتية"، بينما الهدف الحقيقي من وراء ذلك، كما يرى الخبراء، هو ترسيخ واقع انفصالي، يضعف مركز الدولة السورية، ويخلق بيئات رخوة تمكن الاحتلال الصهيوني من توسيع نفوذه الأمني والسياسي، من دون الدخول في مواجهة مباشرة من السوريين.
وتكمن الإجابة بحسب خبراء تحدّثوا لـ"الغد"، في ضرورة بلورة مشروع وطني جامع يعيد توحيد المكونات السورية، تحت سقف الدولة الواحدة، ويقطع الطريق على ما يطرح من سيناريوهات ترسم خريطة جديدة لسورية فحواها تفكيكها، لذا فإن صدها يتطلب حوارا بين مكونات الشعب السوري، يضمن وحدة بلادهم، ويمنح هامشا من اللامركزية الإدارية، يحقق تمثيلا لهذه المكونات، للنأي بسورية عن الانزلاق إلى مشاريع انفصالية تخدم أطرافا خارجية.
تقسيم سورية عبر الأقليات 
رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، بين أن الاحتلال الصهيوني يعمل على تكريس الانقسام في سورية، مستغلا تعقيدات المشهد الطائفي والإثني، بخاصة في مناطق الجنوب، في محاولة منه لإعادة صياغة قواعد الاشتباك، وفرض واقع إستراتيجي يخدم مصالحه. مشيرا إلى أن الكيان المحتل يسعى لدعم أقليات، كالدروز والأكراد بذريعة "حمايتهم"، معتبرا أن الكيان يرى بأن هذا الدعم درعا واقيا لها في مواجهة الأغلبية السورية، ويتيح له هامش مناورة أوسع في إدارة صراعه مع سورية ومكونها الغالب. 
وأضاف أن سياسة الاحتلال هذه، التي تتمسح بقاعدة "فرق تسد" الاستعمارية، ليست جديدة بل يعود جذرها إلى بدايات الثورة السورية قبل 14 عاما، حين سعى الاحتلال لخلق حالة يملأ فيها الفراغ السياسي والأمني في سورية، بعد تراجع سلطة الدولة، وسعى حينها لإعادة تعريف المشهد السوري، بما ينسجم مع مصالحه الأمنية.
وشدد شنيكات، على أن منطلق رؤية الكيان في هذا النطاق،  يتمثل في السعي لتفكيك الدولة السورية، إذ يرى أن تقسيم سورية، الفعل الأمثل لتحجيم خصمها التقليدي، وإضعاف مركز قرارها، مشيرا إلى وجود تيارات للاحتلال لا تعترف أصلا باتفاقية "سايكس وبيكو" التي وضعها الفرنسيون والبريطانيون إبّان استعمارهم للمنطقة لتقاسمها بعد تقسيمها في العام 1916، وتدعو لإعادة رسم خرائط المنطقة على نحو يخدم مصالح الاحتلال.
وفي السياق ذاته، حذر شنيكات من أن استمرار التدخلات الخارجية في سورية، يفاقم التعقيدات فيها، ويصعب السير نحو بنائها بعد 14 عاما من الصراعات الداخلية، الى جانب حرمان السوريين من إعادة ترميم نسيجهم الاجتماعي، خصوصا في ظل تنامي خطابات أقلوية، تتطلع لخلق واقع جديد في البلاد بذريعة "الاستقلال الذاتي". لافتا إلى أن الطائفة الدرزية السورية لا تزيد على 750 ألف نسمة، ما يجعل مطالبهم بكيان مستقل غير واقعي، بخاصة في ظل غياب أي مقومات جغرافية أو اقتصادية أو منافذ بحرية في منطقة انتشارهم، ومحدودية إمكاناتهم.
وخلص شنيكات، لتأكيد ضرورة إطلاق حوار وطني شامل، بين مكونات الشعب السوري، يضمن وحدة أراضي بلادهم ويحفظ سيادتها واستقلالها، مع إمكانية منح هامش من اللامركزية الإدارية يتيح للمكونات المختلفة - كالدروز والأكراد- المساهمة الفاعلة بتنمية مناطقهم، في إطار الدولة الواحدة. 
وحذر من أن غياب هذا المسار الوطني، قد يفسح المجال أمام أجندة الاحتلال، ما قد يؤدي لإضعاف الحكومة المركزية، في دمشق ويفرض واقعا تقسيميا على الأرض.
فوضى لضمان أمن الاحتلال 
بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية د. بدر الماضي، أن المؤشرات باتت واضحة على أن الاحتلال لا يسعى حاليا لتسوية نهائية في الجنوب السوري، بل لترسيخ وضع مضطرب يمكنه عبره تأمين مصالحه، وفرض وقائع ميدانية جديدة تخدم أمنه الإستراتيجي.
وأوضح الماضي، أن الكيان الصهيوني يعمل على تحويل حالة الاضطراب في الجنوب السوري لأداة دائمة للتأثير السياسي والعسكري، إذ تبقى الأوضاع مفتوحة على تدخلات غير مباشرة، ينفذها عبر فصائل محلية أو عبر ضربات محدودة، دون التورط في صدام مباشر واسع، مشيرا إلى أن هذا النهج يضمن له استمرار النفوذ دون تكلفة باهظة.
وأضاف أن تقديرات الاحتلال، تستند إلى أن إبقاء الجنوب السوري منطقة رخوة سيمنح للكيان، مساحة مناورة كافية للضغط على النظام السوري من جهة، وللحد من تمدد المجموعات المدعومة من إيران من جهة أخرى، كما أن هذه السياسة لا تنفصل عن التنسيق مع أطراف دولية وإقليمية، أبرزها الأردن الذي يراقب التطورات عن كثب.
وتابع الماضي، أن هناك تقارير متواترة من محافظة السويداء، تشير لتصاعد أنشطة جماعات متطرفة، تتبنى خطابا يرفض الدولة السورية، وتسعى لفرض نفوذها بالعنف، مستغلة حالة الفوضى وغياب الدولة. محذرا من أن بعض هذه الجماعات، باتت تفرض واقعا جديدا يهدد المدنيين ويعطل الخدمات، ما ينذر بمرحلة أكثر خطورة إذا ما تركت الأمور على حالها.
وأشار إلى أن ما يجري في السويداء، لا يمكن فصله عن سياق أوسع من عمليات اختراق خارجي للمجتمع المحلي، سواء بالدعم المالي أو اللوجستي، أو بتحريك خلايا هدفها خلق صدامات داخلية تنهك الدولة والمجتمع.
وشدد الماضي، على أن المرحلة المقبلة قد تشهد مزيدا من التدهور، ما لم يجر التحرك الجاد لإعادة ضبط الأوضاع ومواجهة الاختراقات الإقليمية والدولية، محذرا من أن استمرار هذا المسار، سيترك الباب مفتوحا أمام مزيد من التصعيد والانفجار في الجنوب السوري، مع ما يحمله من تداعيات على دول الجوار، وفي مقدمتها الأردن.