الكتابة عن اليهود - د. محمد عبدالله القواسمة
الدستور- تشهد الثقافة العربية اهتمامًا متزايدًا بالكتابة عن اليهود، فنلاحظ أن كثيرًا من الدراسات والمقالات والروايات حملت في عناوينها ما يدل على هذا الاهتمام، فعلى سبيل المثال من الدراسات « اليهود في الرواية العربية: جدل الذات والآخر» لعادل الأسطة، ومن المقالات، مقال « ما دلالات إفراد الجمحي طبقة خاصة بالشعراء اليهود في العصر الجاهلي؟» لغسان عبد الخالق، (حفريان 6/2/ 2020) ومن الروايات:»يهود الإسكندرية» لمصطفى نصر، و»مصائر : كونشرتو الهولوكوست والنكبة» لربعي المدهون. كما خصصت مجلة الجديد الإلكترونية في عددها التاسع والخمسين ملفًا عن «صورة اليهودي في الرواية العربية».
لا غرابة في هذا الاهتمام بالكتابة عن اليهود، حتى إن روايتي «الحب ينتهي في إيلات» كانت تنبع من هذا الاهتمام؛ فدولة الاحتلال الصهيوني لفلسطين تُقدم نفسها بأنها الدولة القومية الخاصة باليهود وحدهم، وهي ما زالت تقضم الأرض العربية التي أقرتها المواثيق الدولية، وانتهت بها الحال إلى جعل القدس عاصمتها الأبدية، وكذلك ضم غور الأرض، وإلغاء حل الدولتين، ومنع عودة اللاجئين، في محاولة لطمس الهوية والقضية الفلسطينية بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يعرف بصفقة القرن.
من الملاحظ أن للكتابة عن اليهود اتجهت اتجاهات مختلفة؛ فبعضها كان يهدف إلى إبراز دورهم في الحضارة العربية، والتغزل بنظام دولتهم الديموقراطي، وتفضيلهم على العالمين، وإظهار شعوب المنطقة بأنها متخلفة لا تحتاج إلا إلى عبقرية اليهود لتتقدم وتتطور. وبعض الاتجاهات هدفت إلى التفليل من شأن اليهود ببيان دورهم في بث روح الفرقة بين الشعوب، وإثارة الحروب والفتن بين الدول، وبإظهار الصورة النمطية التي عرفوا بها بأنهم مرابون ومحتالون، كما ظهرت سابقًا في كتابات شكسبير وهيجو وديستويفسكي وغيرهم. وقليل من الكتابات اتجهت إلى التمييز بين اليهود الصهاينة واليهود غير الصهاينة،وإظهار الأخيرين بأنهم بشر يصيبون ويخطئون، ويحبون ويكرهون.
لا شك في أن الكتابة عن اليهود في الاتجاهات كافة (كما أرى) ليست بريئة كل البرء عما يحدث للقضية الفلسطينية، والموقف من الصراع العربي الإسرائيلي، إنها كتابة تحمل موقفًا مما يجري على الأرض المقدسة. فهي إما مؤيدة لما يجري من تهويد للأرض، وسلب الحقوق، وطمس الإنسان الفلسطيني، وإما مناهضة لهذا العدو المحتل،وتتحرى العدل، ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني،وإما هي،على الأقل، كتابة مرتجفة مترددة تحاول أن تهادن الواقع أو تلمعه؛فتخفي موقفها في ثنايا النصوص ومتاهاتها.إننا نرى في هذه المرحلة حتى في الأعمال التخييلية والنقدية التي تتحدث عن اليهود في أي عصر من العصور، وإن يدعي أصحابها الموضوعية، ويصدروا عن رغبة في البحث والمعرفة، بأنها كتابات تتخذ موقفًا لصيقًا بما يجرى،لا يخرج عن أحد المواقف السابقة.
إن ما يبعث العجب، ويثير الاستهجان في هذه الايام التي تتنادى فيها إسرائيل بأنها دولة عنصرية لليهود فقط، وتدعو إلى طرد كل ما تسميهم الأغيار منها، هي تلك الكتابات التي تبحث عن دور اليهود في التراث العربي والحضارة العربيةبوصفهم طبقة، أو جماعة متميزة، أو أنهم شعب الله المختار، من أجل أهداف لا تخفى على ذي لب من تلميع صورة اليهود الصهاينة أمام العالم، وتسويغ أعمالهم على أرض فلسطين، وبيان حقهم في احتلال الأرض، وطرد أهلها منها. إنها كتابات تنطوي على تزييف الواقع، وطمس الحق، والمساواة بين الجلاد والضحية، وتشجيع التقرب من العدو، والتطبيع معه.
لعل على الكاتب الذي يتصدى في هذه المرحلة للكتابة في هذا الموضوع الحساس، الذي يتصل باليهود واليهودية أن يكون يقظًا في اتخاذ الموقف السليم مما يجري،دون مواربة، أو محاولة خلط الأوراق، وأن يوجه كتاباته إلى فضح الظلم، وبيان عنصرية هذا المحتل وإدانة ممارساته وصفقاته.
لعمري إن مهمة كل كاتب حر أن يكون مع المظلوم في مواجهة الظالم، ومع الحرية والديمقراطية في مواجهة المستبدين والطغاة.