الغد
ماري ديجيفسكي* - (الإندبندنت) 2025/9/3
في ظل تجاهل غربي ملحوظ، استضافت الصين قمة كبرى جمعت 25 زعيماً عالمياً يمثلون نصف سكان الكرة الأرضية، من بينهم قادة روسيا والهند وإيران وكوريا الشمالية، لمناقشة قضايا الأمن والاقتصاد. ويعكس هذا التجمع في "قمة شنغهاي للتعاون" تحولاً في موازين القوى العالمية، ويؤكد أن تحالفات جديدة تتشكل خارج الإطار الغربي التقليدي، بينما تنشغل الدول الغربية بأزماتها الداخلية وصراعاتها الإقليمية. وقد يتساءل المرء عن سبب قلة الاهتمام الذي أبداه الغرب تجاه الموضوع.
اجتمع زعماء أكثر من 25 دولة ورؤساء 10 منظمات دولية في مدينة تيانجين الساحلية في الصين للتباحث في قضايا الأمن والاقتصاد العالمي والشؤون الإقليمية. وضم الاجتماع، الذي استضافه الزعيم الصيني شي جينبينغ في الفترة بين 30 آب (أغسطس) و1 أيلول (سبتمبر) شخصيات، منها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي (في رحلته الأولى إلى الصين منذ سبع سنوات)؛ وزعماء إيران وإندونيسيا وتركيا. وتمثل دولهم مجتمعة ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي -وهي نسبة في تزايد- ونحو نصف سكان العالم. استعدوا للصورة الجماعية: إذا أردتم صورة تعبر عن جزء كبير من مستقبل العالم، فها هي ذي.
عقد هذا الاجتماع الذي استمر ثلاثة أيام في إطار القمة السنوية لـ"منظمة شنغهاي للتعاون". وقد تأسست المنظمة في تسعينيات القرن الماضي من أجل إدارة الخلافات الإقليمية التي ظهرت عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وأعيد إحياؤها في العام 2001 لتكون نداً للتكتل الغربي المتمثل بحلف "الناتو" والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع أن نفوذها الفعلي لم يطابق يوماً هذا الطموح. كما طغى تصاعد نفوذ مجموعة الـ"بريكس" عليها بعدما وسعت المجموعة نطاق تأثيرها بضم دول في جنوب أميركا إليها. ولكن، في ظل المشاركة القياسية في قمة شنغهاي لهذا العام، ربما تتغير الدينامية بين المجموعتين.
لا شك في أن الصين لم تختر عقد الاجتماع في تيانجين عبثاً. منذ قرن من الزمن، كانت هذه المدينة عبارة عن خليط من التنازلات الإقليمية الخارجية، وأصبحت اليوم مدينة ساحلية مهمة تستعرض فيها الصين تطورها. ولا ريب في أن الحضور سيلاحظ ذلك. وسوف تكون النقطة الثانية التي ستلفت انتباهه هي أن هذا الاجتماع يليه ملحق، حيث يشارك عدد كبير من الحضور عقب انتهاء الاجتماع في العرض الذي تقيمه بكين إحياءً لذكرى مرور 80 عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية. وهي لا تبدو ذكرى تستدعي إقامة احتفالات ضخمة في الصين، لأسباب أهمها أنها تعود إلى عهد حكَم فيه القوميون الصين.
لكن العرض العسكري الذي يشكل صلب الاحتفالات هو مؤشر على أن أحد أهداف الحدث هو توجيه رسالة إلى الغرب بأنه لا يحتكر وحده الفضل في انتصار دول الحلفاء في المحيط الهادئ، وبأن الصين هي أيضاً جزء من هذا المشهد، سواء كان ذلك في ذلك الوقت أو في الوقت الراهن. ومن الشخصيات التي تحضر الاستعراض زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي يقوم بزيارته العلنية الأولى إلى الصين منذ العام 2019 وفي أول مشاركة له على الإطلاق في تجمع دولي كبير إلى جانب قادة الصين وروسيا.
بالنظر إلى حجم الحدث ومستوى الحضور، سواء في قمة شنغهاي للتعاون أو احتفالات ذكرى الحرب العالمية الثانية، قد يتساءل المرء عن سبب قلة اهتمام -أو قلق- الغرب إزاء الموضوع نسبياً. أحد أسباب ذلك بالتأكيد هو ثقل الأحداث الأخرى التي من بينها الأزمات السياسية في بعض المناطق الأوروبية، والتوترات في المملكة المتحدة على خلفية موضوع فنادق طالبي اللجوء وأعمال العنف في غزة وحولها، ومحاولات دونالد ترمب المتعثرة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وقد أثارت الخسارة التي مني بها في المحكمة بشأن قضية التعرفة الجمركية فوضى جديدة، لا شك في أنها كانت محطة بارزة في محادثات تيانجين.
لكن تجاهل الغرب لأحداث الصين الأسبوع الماضي هو خطأ جسيم. فحتى لو كانت رمزية الحدث تطغى على جوهره، كان يجب إيلاء اهتمام كبير للرسائل المتعددة التي يرسلها. وبعض هذه الرسائل هي كالآتي:
في الشأن الروسي: ربما أنهت قمة ألاسكا التي عقدها ترامب عزلة بوتين في الغرب، لكن حجم تلك العزلة كان مبالغاً فيه. فقد ظل بوتين ضيفاً مرحباً به في معظم مناطق العالم، وسوف يحتل المكان المخصص له باعتباره زعيماً دولياً كبيراً في تيانجين.
في ما يخص روسيا والصين: يظهر شي وبوتين في العرض العسكري في بكين، لكنهما يفعلان إلى جانب آخرين. ويعني ذلك أن هذا التحالف ليس حصرياً، بل هو شراكة تحكمها المصالح الاقتصادية، وتنضوي في إطار إقليمي أوسع.
في ما يخص الصين والهند: سبقت اجتماع قمة شنغهاي للتعاون محادثات مكثفة بين رئيس الهند مودي والرئيس الصيني شي، مما يناقض، في الوقت الحالي على الأقل، الفكرة الشائعة بأن العالم لا يتسع لهما معاً.
وفي ما يخص روسيا والهند: يبدو أن ترامب قد راهن على تهديده بفرض رسوم جمركية خيالية لمنع الهند من شراء موارد الطاقة من روسيا، لكن الهند لم تكتف بتحدي هذا التهديد والوعيد، بل إن الرسوم الجمركية نفسها قد لا تصمد طويلاً.
وفي ما يخص آسيا الوسطى: يتحدى استمرار "منظمة شنغهاي للتعاون" وإعادة تنشيطها المحتملة الاعتقاد الغربي طويل الأمد بضرورة وجود منافسة مميتة على النفوذ في المنطقة بين روسيا والصين.
لا يعني كل ما سبق أن روسيا، مثلاً، لا تفضل إعادة توجيه تجارتها ونشاطها الدبلوماسي نحو الولايات المتحدة وأوروبا، وهو الموقع الذي تشعر بأنها تنتمي إليه. وهو لا ينفي أيضاً وجود توترات داخلية في مجموعة تعريفها فضفاض وتمتد على رقعة جغرافية واسعة مثل "منظمة شنغهاي للتعاون"، أو وجود عوامل تمس المصالح القومية قد تفككها عن بعضها بعضاً. لكن ما يعنيه هو أن زعماء يمثلون نصف البشرية تقريباً يتباحثون في مستقبلهم من دون الالتفات بصورة خاصة إلى الغرب -بل والأهم من ذلك، من دون الاعتماد عليه. وبذلك، ربما لم من الضروري أن يتوارى العالم القديم عن الأنظار قبل أن تظهر تباشير نظام جديد.
*ماري ديجيفسكي Mary Dejevsky: صحفية وكاتبة بريطانية بارزة، وكاتبة عمود في صحيفة "الإندبندنت" وعضو منتظم في "مجلس مراجعة الصحافة البريطانية". لها مساهمات في مؤسسات إعلامية عدة مثل "الغاديان" و"التايمز". عملت سابقاً مراسلة أجنبية لصحيفة "الإندبندنت" في موسكو وباريس وواشنطن، وكسبت بذلك خبرة واسعة في الشؤون الدولية، خصوصاً في السياسة الروسية والأوروبية والأميركية. عُرفت بتحليلاتها العميقة للعلاقات الدولية وبمواقفها النقدية تجاه السياسات الغربية، وهي أيضاً محاضِرة وكاتبة في قضايا السياسة الخارجية ووسائل الإعلام.