عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Jan-2020

حرائق استراليا وتداعياتها المؤلمة على الأطفال* لمياء المقدم

الإعلام كان له أيضا دور مهم في التخفيف من آلام الأطفال عبر تناقل صور الحيوانات الناجية قبل الهالكة

 
العرب - 
الحرائق التي اشتعلت في استراليا وخلفت نصف مليون حيوان قتيل لم تشتعل في أستراليا فقط، ولكن في اعتقادي أنها امتدت إلى كل بيت يوجد به أطفال. كان من الصعب جدا علينا نحن الآباء أن نخفف عن أبنائنا حجم الألم الذي شعروا به من جراء متابعتهم لصور الحيوانات المحترقة.
 
صور وقصص مؤلمة يصادفونها في كل مكان حتى وإن حاولنا حجب بعضها عنهم. الخوف الذي امتلأت به عيون الحيوانات الصغيرة كان مفزعا، ولم يكن بالإمكان إخفاؤه عن العالم بأي حال.
 
إحدى الصور المؤلمة كانت لكوالا صغير التهبت أطرافه ولم يكن قادرا على المشي اًو الهرب من النيران لكنه ظل هادئا يتنقل بين الكتل المشتعلة كأنه لا يستوعب تماما الخطر المحدق به.
 
ذكرتني هذه الصورة بالصورة الشهيرة للطفل عمران الذي أخرجوه مغبرا من تحت الأنقاض في سوريا ووضعوه على كرسي وكان ينظر ساهما ليديه المغبرتين ويمسح بهما على وجهه وعينيه محاولًا استيعاب ما يحدث. صورة أخرى لكوالا متفحم وملقى على وجهه تشبه إلى حد بعيد صورة الطفل السوري الملقب بـ”ألان الكردي” الذي غرق على سواحل تركيا. تبدو الذاكرة أحيانا كأنها كاميرا تنتقل بين الصور بشكل متواتر ومتداع. وليس القصد هنا تشبيه الحيوان بالإنسان، اًو العكس، رغم أنني لا أجد فرقا كبيرا بينهما، لكن الضحايا الأبرياء يتشابهون في كل مكان، ملامحهم واحدة، ألمهم واحد، ووقعهم على العالم واحد أيضا.
 
حاولت بكل جهدي أن أركز على الصور والفيديوهات المتفائلة التي تصور امرأة تجازف بحياتها لتنقذ -بمفردها- كوالا من بين النيران بعد أن نزعت ملابسها كاملة ولم تحتفظ إلا بحمالة صدرها، اًو حيوان كنغر يعانق امرأة في امتنان وشكر لما فعلته من أجله، اًو دب صغير يتمسك بالشخص الذي أنقذه ويرفض أن يتركه، ويلاحقه من مكان لمكان ويتشبث بقدميه.
 
ابتدعت فكرة لتخفيف ألم طفلي الصغير الذي كان يتابع أخبار الحرائق في أستراليا لحظة بلحظة، ويلاحق الصور والفيديوهات من موقع إلى موقع.
 
قلت له: لو أن أحدا طلب منك أن تطلق أسماء على هذه الحيوانات الناجية، ماذا ستسميها؟ وهكذا فقد سمَّيْنا الكوالا الناجي “وردة الشتاء” والكنغر العطوف “عناق” والدب الصغير “امتنان” وغيرها من الأسماء الكثيرة لحيوانات صادفناها في كل مكان. كما سمّيْنا طائرا محترقا اتهموه بأنه المتسبب في الحريق بـ”ريمي” وهو نفس اسم عصفور الباركيت الذي غادرنا منذ أعوام بعيدة ولم يعد، رغم أننا انتظرناه طويلا.
 
حدث ذلك عندما كان الطفل في عمر أربع أو خمس سنوات، ويومها خفت عليه من الحزن فقلت إن “ريمي” تعرف على عصفورة فائقة الجمال وأحبها، وأنه ذهب ليتزوجها ويقيم معها وينجبا أطفالا يملأون العالم زقزقة وصخبا.
 
الإعلام كان له أيضا دور مهم في التخفيف من آلام الأطفال عبر تناقل صور الحيوانات الناجية قبل الهالكة. تقريبا لم نر الحيوانات الميتة إلا فيما ندر وفي لقطات استثنائية سترسخ طويلا في أذهان البشر. صناعة الإعلام مرعبة طبعا وتعرف حجم ووقع ما يتم تناقله على العالم لذلك تختار الزاوية الأكثر تعبيرا. من ذلك أن صورة دمية بلاستيكية ملوثة بالدم تكفي للتدليل على ما حدث لصاحبتها دون الحاجة لنقل الكاميرا إلى جثة الطفلة الصغيرة التي ترقد بجانبها.
 
قضينا فترة عصيبة لا محالة، فالحديث لم يكن يدور إلا عن الحيوانات الميتة والمتفحمة حتى أثناء الأكل، اًو ربما تحديدا أثناء الأكل، الأمر الذي أدى إلى التفكير في التوقف نهائيا عن تناول اللحوم والانتقال إلى مرحلة نباتية بالكامل. من حسن الحظ أن النيران انتهت وظلت هذه الفكرة عالقة في مكانها.
 
بعض الأفكار الأخرى التي راودتنا وخففت عنا قليلا أن نذهب في زيارة إلى أستراليا عندما يبلغ الطفل سن الـ18 كهدية على بلوغه سن الرشد، أن نشترك في جمعية لحماية الحيوانات، وأن نقتني كلبًا إلى جانب القطة التي تعيش معنا منذ سنوات ونشاهد كل يوم المعارك الصغيرة التي ستحول البيت إلى ساحة قتال بينهما. لكن الفكرة الأهم حسب رأيي كانت في التحاقه بنادي السينما في مدرسته لصناعة أفلام قصيرة.