عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Sep-2020

حديث الغربة*بسام ابو النصر

 الدستور

لا زلت متجافٍ مع نفسي، أبحث عما يستفزني للكتابة، لم تتبلور لدي مشاعر جديدة تجاه أي شيء، وربما لم تكن الأحداث ألتي تدور حولنا مغرية لدرجة استفزازي هذا الصباح، فكل شيء يذهب للأسوأ. 
 
واليوم قررت أن أكتب من خارج الحدود حيث تتعطل لغة الكلام وتصير المفردات عقيمة لا تأتي بشيء، ربما إننا وصلنا إلى حد اليأس في التعاطي مع الأحداث خاصة ونحن نرى أن الإحباط قد وصل حداً لا يمكن السكوت عليه، ولكننا لا نتحدث إلا في المجالس والدواوين وعلى قارعات الطرق وفي الحافلات وربما قليلاً في الجامعات والنقابات والأحزاب التي انسحبت من أدوارها، وصارت تبيع البيانات، وأعرف أن هناك الكثير من أبناء الوطن الصادقين لا يسكتون في كل الاتجاهات ضد الفساد والفاسدين وضد الترهل الإداري.
 
في الغربة لا تبدو هذه الأشياء هي ما يدعو الواحد منا للكتابة ولكنه الوطن بمجموعه وشموليته، الأردن أرض الطهر الذي اعتمر بساكنيه من الضفتين، وأعتمر بمحبيه من كل الطوائف التي أمت اليه ذات جمال ترغب في تجارة، او ليصلوا قرب بيت المقدس ألذي صار أرضَ المهاجرين والانصار، الأردن الوطن هو مهوى أفئدة محبيه من أبنائه الذين يتناثرون في كل اصقاع الارض حيث «لنا في كل بلاد الارض ريشةُ تفتش عن أختها» لأننا سئمنا التغرب والاغتراب، وسئمنا أن نكون عن منأى مع ابنائنا وبناتنا بحجة تامين لقمة العيش، وهم ربما أحوج الينا لنكون بقربهم قبيل سنوات الرحيل، أكتب عن وطني الذي يخصني وحدي دون عباد الله، ويخص أبنائي وبناتي لأني لا أحس بكرامة إلا فيه، ولا أحس بكينونتي إلا فيه، هو الذي أوهبني الدفء والبهجة وهو ألذي أعطاني لون عيوني وسحنة وجهي وأوهبني أن أكون متألقا حينما أعود إليه، وطني من سئمت العيش خارجه وبدونه سئمت أن ينادونني بإسم اخر وينعتونني بلقب اخر خارجه، صرت بدونه غريبا عاريا وبدونه أشعر بالبرد والمرض، أعود إلى وطنٍ يعرفني من أربع مقاطع ويعرف رقمي الوطني واسم أمي وتاريخ ميلادي واسم قريتي الصغيرة.
 
أكتب اليوم وأنا متغرب داخل الغربة، وأجلس الى منزلٍ فيه كل شيء الا وطن وأم واولاد، أحتاج الى لغة ولهجة وهوية في مرافيء الضياع، كل شيء حاضر في الغربة، بحر وسهول وصحراء وبشر, إلا وطناً يغيب عنا ونغيب عنه، يتنازل عنا دون ان نتنازل عنه، ويقسو علينا ونتشبث فيه، اليوم أرى في مراة منزلي شكلا اخر لوجهي وخطا اخر في خطوط يدي، أحتاجك ايها الوطن الذي باعدت بيني وبين بيتي، اليوم تجتاحني كل هذه الاسئلة وانا متوسدٌ صوراً انتمي اليها في ذاكرتي المتعبة وشتاءٌ قادم يغيب عني فيه المطر والثلج والجبال وقريتي الوادعة، والياسمين الذي يستعد ليرسم لوحته السحرية بين التلال وفي المرتفعات، اشتاقك يا وطني وأشتاق أحاديث الناس عن انتخابات البرلمان ورحيل الحكومة وموسم الزراعة القادم، أشتاقك وأرجو أن نتجاوز هذا الوباء الذي جعل من الذهاب اليك حلما صعب المنال.