عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Feb-2020

بعد انتشار الأمراض.. هل السلوكيات الصحية الوقائية “غائبة” عن المجتمع؟!

 

تغريد السعايدة
 
عمان- الغد- الخجل الاجتماعي كان السبب وراء رفض نسرين أبو حمد وضع “الكمامة” على فمها وأنفها في سبيل حماية نفسها من الفيروسات المعدية التي تنتقل هذه الفترة بين الناس، بالرغم من أن مناعتها ضعيفة، ويتطلب الأمر استخدامها.
تخشى نسرين الأمراض المعدية كباقي أفراد المجتمع، تحديدا بعد كثرة الحديث عن انتشار الفيروسات “المميتة” في العالم أجمع. وهي تعاني من فوبيا الأمراض المعدية حتى وإن كانت مجرد “انفلونزا بسيطة”، وتفضل وضع الكمامة على الوجه، والامتناع عن السلام الذي يتضمن التقبيل من الآخرين، غير أن خشيتها من “غضب المحيطين والاستهزاء منها عند ارتداء الكمامة”، تعرضها للحرج سواء ضمن إطار العائلة أو العمل.
وتتساءل نسرين “في ظل هذه الظروف الراهنة والحديث عن فيروسات معدية، أبرزها “الكورونا” الذي بات شبحاً يهدد العالم أجمع، لماذا لا تنتشر فيما بيننا ثقافة الحماية من العدوى ونشر المرض للآخرين عن طريق سلوكيات وقائية تحمي من الأمراض التي قد تؤثر على الأطفال أو من كبار السن ضعيفي المناعة”.
وبالرغم من الحرج الذي تشعر به كذلك كفاح أحمد، كونها تعمل في إحدى العيادات الطبية، إلا أنه لا تتوانى عن ارتداء كمامة على الوجه في هذه الفترة تحديداً، كونها تستقبل العشرات من المرضى يومياً، وليس بالضرورة أن يكون مرضا خطيرا، ولكن كما تقول “ما الضير من حماية أنفسنا من المرض بدون الخوف من نظرة الآخرين حتى وإن كنا نعمل في المجال الطبي؟”.
ومن خلال عملها اليومي، تطلب كفاح من بعض المرضى ارتداء الكمامة ليس فقط لحماية أنفسهم، بل لأن الكمامة هي وسيلة حماية للآخرين، فهي تمنع وصول الفيروسات التي تتواجد عند المريض وتنتقل من خلال التنفس أو العطس، أو حتى تبادل القبلات كما يحدث في المجتمع بشكل كبير وواضح.
وعلى الرغم من الدعوات التي تطلقها الجهات الصحية ما بين الحين والآخر، بضرورة الحد من السلوكيات المجتمعية التي يمكن أن تؤدي إلى انتشار الأمراض وحدوث العدوى بين أفراد المجتمع، إلا أنها ما تزال حاضرة وتتضمن المصافحة والتقبيل، واستخدام أدوات الآخرين، سواء المناشف أو الأكواب في مكان العمل، وتقبيل المواليد الجدد، الذين لا يتمتعون بمناعة كافية، والتدخين داخل الغرف بالزيارات العائلية، وسلوكيات أخرى يمكن أن تؤدي إلى حدوث الأمراض.
تم الحديث في الفترة الأخيرة عن فيروس “كورونا”، وقبله عن انفلونزا الطيور، الذي ينتشر في الأجواء ما بين الحين والآخر، الذي كما يراه أخصائي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع “يعد سبباً في بث الرعب والحذر والخوف في نفوس الأفراد”، غير أن ذلك قد يكون سببا في تغيير بعض السلوكيات المجتمعية بشكل مؤقت، كثقافة وقائية ولكنها آنية فقط.
ويعتقد جريبيع أن انتشار الأخبار في الحديث عن الأمراض يرافقه الخوف من انتشارها، لذا، يسارع الناس إلى الأطباء للحصول على العلاج عند حدوث أي عارض مرضي بسيط، ولكن “للأسف، لا يرافق هذا الحذر تغيير دائم بالسلوكيات بشكل وقائي من الأمراض”، بل هي “حالة خجولة ومؤقتة”.
وهو ما يؤكده إبراهيم عبد الرحمن، الطالب الجامعي؛ إذ يحاول عبثاً أن يرتدي “الكمامة” خلال حضوره المحاضرات في الجامعة، ليصطدم ببعض عبارات السخرية والضحك من زملائه في الجامعة بأنه “يخاف المرض ويجب عليه الابتعاد عن أصدقائه بل يطلب منه البعض أن يغيب عن المحاضرات عله يتجاوز هذا الخوف”.
هذه العبارات الممزوجة بالسخرية والرفض لسلوك وقائي صحي، دفعت إبراهيم إلى التخلي عن لبس الكمامة، وهو الذي يعاني بالفعل من فوبيا انتقال الأمراض من الآخرين، بل ويعتقد أن ارتداءه الكمامة هي حماية للآخرين أيضاً في حال إصابته بأي أمراض فيروسية معدية من الانفلونزا الموسمية التي تصيب أي فرد.
وفي دول العالم، يقبل الكثير من الناس على ارتداء الكمامات الوقائية خلال هذه الفترة التي تأتي بالتزامن من التحذيرات العالمية من الأمراض الفيروسية، وعلى رأسها مرض “كورونا” وينتشر في الصين تحديداً، وهو مرض عدوى فيروسية يتعرض لها المصاب ولها تأثير مباشر على الجهاز التنفسي العلوي تسبب أعراضاً مرضية متراوحة الشدة، ولها ستة أنواع، قد تؤدي إلى “الوفاة” في بعض الأحيان.
النصائح العالمية التي تناقلتها وسائل الإعلام للحديث عن طرق الوقائية من “كورونا” والأمراض الفيروسية، أثبتت أن “الكمامة لم تعد لحماية الإنسان من العدوى، بل يراد منها في الأصل أن تمنع وصول قطرات معدية من الجهاز التنفسي للجراحين إلى منطقة الجراحة، وأن القناع يكون مجديا ومفيدا عندما يرتديه المصاب بالانفلونزا لحماية الآخرين من نقل العدوى إليهم، ولكنه لا يحمي كثيرا من يرتديه من نقل العدوى إليه من آخرين”.
ويردف جريبيع بالقول “إن على المجتمع أن يراعي السلوكيات الوقائية الطبية لتكون جزءا من الثقافة الاجتماعية وتتساوى مع الأعراف والتقاليد، بيد أن أفراد المجتمع قد يبتعدون ويتخلون عن الوقاية المرتبطة بسلوكيات محددة مثل التقبيل في المناسبات العامة أو ارتداء الكمامة على الوجه في سبيل التخلص من النظرات المجتمعية كون الشخص الذي يرتدي الكمامة في مناسبة عامة، مثلاً، يشكك المجتمع بأنه إنسان مريض أو “متعجرف”، ويتعرض للهجوم اللفظي أو النظرات الاستفزازية”.
وهنا، بحسب جريبيع، يقع المرء في حيرة من أمره، هل يراعي السلوكيات الوقائية أم المجتمعية، لذا، يجب العمل على ترسيخ مبدأ الثقافة الوقائية من الأمراض، في ظل الظروف العالمية الراهنة، وذلك من خلال العمل على تعليم تلك السلوكيات للأطفال وطلبة المدراس، وتشجيعهم من قبل المؤسسات التعليمية والثقافية والتأهيلية، التي تلعب دوراً كبيراً في تغيير السلوكيات والحماية من الأمراض.
ويشدد جريبيع على أهمية الابتعاد عن سلوكيات التقبيل والاقتراب الكبير من الآخرين، والاكتفاء بالمصافحة مثلاً، والكلمات المعبرة عن المحبة والاحترام بين الأفراد، والتأسيس لثقافة صحية، وعدم الخجل من استخدام الأدوات الوقائية الصحية، وليس بشكل “آني” ولحظي، بل يجب أن يكون سلوكا دائما من دون الالتفات لوجهات نظر غير واعية بأهمية الوقاية الصحية.
أخصائي الطب العام وطب الأسرة، الدكتور زياد النسور، يرى أن استخدام الكمامة لوقت طويل هو أمر غير مقبول “صحياً”؛ إذ إن الكمامة تحتوي على طبقات عدة تمنع مرور الهواء النقي لفترة طويلة، عدا عن أنها تمنع خروج الفيروسات والبكتيريا وإبقاءها لفترة طويلة بمحاذاة الفم والأنف، لذا، من الأفضل ألا يرتديها الفرد أكثر من 6 ساعات في اليوم على أبعد تقدير.
بيد أن النسور يشدد في الوقت ذاته على أهمية أن يتبع الشخص إجراءات وقائية بسبطة يمكن أن تحمي من الأمراض الفيروسية التي تنتقل بسهولة، ومن ذلك اتباع عادات صحية، وعدم التقبيل في المناسبات العامة، وخاصة في أجواء انتشار الأمراض المعدية، والابتعاد عن استخدام الأدوات والأكواب بعد شرب أحدهم بها؛ إذ إن من العادات الجيدة التي بدأت بالانتشار، بحسب النسور، استخدام “فنجان القهوة الكرتوني” الذي يستخدم لمرة واحدة في المناسبات العامة. كما ينصح النسور أنه في حال ارتداء الكمامة، يجب أن يرتديها الشخص المريض، حتى لا ينقل المرض للآخرين، وخاصة ممن يعانون من مناعة ضعيفة لوجود أمراض معينة لديهم، كما يمكن للشخص ارتداء الكمامة في المواصلات العامة، على سبيل المثال، والمناسبات التي يوجد فيها أعداد كبيرة من الناس، بالإضافة إلى غسل اليدين بشكل متكرر.