عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Nov-2019

هل يمثل راشد الغنوشي خطرا على الديمقراطية؟ - الصبحي الماجري
 
الجزيرة - إن المتأمل في الأحداث الأخيرة في تونس وخاصة بعد نشر أحد الأمنيين رسالة مرئية يتهم فيها أحد أهم الرجال المأثرين في تونس بالتخطيط لعمليات إرهابية تهدد الاستقرار في تونس. المتهم هو الرجل الذي يعتبره المحللين والملاحظين في تونس صانع الرؤساء والرجل القوى وراء كل الحكومات التي أعقبت الثورة منذ لحظة بدايتها وإلى اليوم. وهو أيضا وراء كل القنوات النافذة والمأثرة في تونس التي يسيرها ويملكها بارونات الإعلام والفساد في تونس.
 
إن هذا الاتهام الخطير والمتزامن مع انطلاق المجلس التشريعي الجديد والاستعداد لانتخاب رئيس جديد له يدفع لطرح العديد من الأسئلة حول مستقبل المسار السياسي في تونس والتغيرات المنتظرة في قمة الدولة العميقة التي زُلزلت الأرض تحت أقدامها خاصة بعد الانتخابات الأخيرة والفشل الذريع لكل أعوانها في التشريعية والرئاسية. ويدعو للنظر في الحدث بمنظار أخر يفترض أن الصراع ليس بين المنظومة والثورة وإنما هو صراع داخل المنظومة ذاتها وتحول في نظرتها لأدوات وآليات السيطرة وتكييفها حسب المستجدات الجديدة. مما يجعل التضحية بهذا الرجل النافذ سبيل للإبقاء على نفوذ الدولة العميقة وحماية لمصالحها ولو أدى الأمر لتحولها لجزء من الحرب التي أعلنها الرئيس على الفساد. وأن يكون ممثلوها رأس حربة لتلك الحرب مثلما يفعل ذلك اليوم رئيس حكومة تسيير الأعمال يوسف الشاهد. فالتضحية ببعض من فاحت روائح فسادهم لا تساوى شيئا أمام الحفاظ على بقاء الدولة العميقة ورجالها في قلب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في تونس.
 
وفي هذا الإطار قد يتنزل تصويت بعض أدوات تلك المنظومة في مجلس النواب للأستاذ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة رئيسا لمجلس النواب باعتبار أن هذا الرجل ذو علاقات دولية وإقليمية ومحلية واسعة قد تساعد على إعادة إدماج رموز الدولة العميقة الجدد في الرؤية التي تشكلت بعد انتخابات 2019 حول تونس الغد. تلك الرؤية التي تقوم أساسا على محاربة الفساد والتركيز على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية التي هي مثار اهتمام الناخب التونسي وخاصة الشباب.
 
تونس قادمة على تغييرات عميقة في أسس النظام السياسي ينتظر الرئيس الوقت المناسب لإعلانها بعد التأكد من الفشل الذريع للمنظومة الحالية
إن ظاهرة الفساد في تونس اقترنت لدى عموم الناس برموز الدولة العميقة من سياسيين وإعلاميين وأصبح من اللزوم بالنسبة لها حتى لا تفقد نفوذها الكامل في السيطرة على التوجهات العامة للدولة أن تتخلص من تلك الرموز وأن تضحى بهم حتى تضمن لها البقاء أمام عاصفة تجدد الثورة التي تهدد باقتلاعها من جذورها. إن ما يحصل ليس إلا انحاء من الدولة العميقة أمام عاصفة الثورة الجديدة الهادرة. وما التحالف المنتظر مع حركة النهضة وإن من وراء الستار إلا جزء من تلك الانحناءة التي فرضها الواقع الجديد.
فهل يمثل راشد الغنوشي خطرا على الديمقراطية؟
سؤال يفرضه التحالف الخفي بين بعض رموز الدولة العميقة الجدد وحركة النهضة وهو سؤال يطرحه أنصارها قبل أعدائها. فالكل يعلم أن هناك تيار كامل داخل الحركة يرفض كل الخيارات الجديدة التي تتبناها الحركة وتنسب كلها لرئيسها ويَنظر إليها كإرضاء لرئيس الحركة على حساب مصالح الحركة ذاتها. وقد تجلى هذا الأمر في القرارات الصادرة عن الاجتماع الأخير لمجلس شورى الحركة والتي حولت الأهمية من منصب رئيس الحكومة إلى منصب رئيس البرلمان والذي كان يبدو منذ لحظة ترشيح رئيس الحركة للبرلمان أنه الهدف الحقيقي للحركة وليس رئاسة الحكومة.
 
التيار الإصلاحي داخل الحركة يعتبر قرارات مجلس الشورى مجرد إرضاء لطموحات رئيس الحركة ولو على حساب مصالحها ودعوات أنصارها لأن تتحمل المسؤولية الكاملة في الحكم وألا تخضع لأي ابتزاز أو أن تقيم تحالف خفيّ أو معلن مع الدولة العميقة. بل وصل الأمر لاعتبار رئيس الحركة من قبل بعض القيادات كخطر يهدد الديمقراطية ليس فقط في قرارات مجلس الشورى بل في دعوات بعض القيادات المحسوبة عليه لتغيير النظام الداخلي للحركة حتى تتواصل رئاسته لها والتي تنتهي مع انطلاق المؤتمر القادم في 2020 وهو ما يعتبره التيار الإصلاحي ضرب لكل الأسس الديمقراطية التي التزمت بها الحركة حتى في سنوات الجمر.
 
إن تونس قادمة على تغييرات عميقة في أسس النظام السياسي ينتظر الرئيس الوقت المناسب لإعلانها بعد التأكد من الفشل الذريع للمنظومة الحالية. ولعل عجز القوى السياسية التي انتصرت في الانتخابات الأخيرة على أساس أنها قوى تمثل الثورة عن تشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة وغلبة الطابع الأيديولوجي والمحاصصة الحزبية على خلافاتها حول تشكيل الحكومة وتغليب مصلحة الزعامات على مصلحة الوطن هو الإسفين الذي سيقوض المنظومة الحالية ويعطى الشرعية للمنظومات الجديدة التي يعمل الرئيس وفريقه منذ سنوات على اقناع الشباب بها. وهذه المنظومة الجديدة قد نضجت وتنتظر فقط سقوط ثمرة المنظومة الحالية التي بدأ ينخرها التآكل بسبب ضيق رؤى الأحزاب المحسوبة على الثورة وعدم قدرة زعاماتها على ممارسة السياسة الناضجة والبقاء في حدود سياسية صبيانية مكنت سابقا الدولة العميقة من الهيمنة على الدولة والثورة وستمكن اليوم الرئيس وفريقه من السيطرة على كامل الدولة باسم الانتصار للثورة وقيمها ولعل ما نخشاه جميعا أن يكون ذلك مدخلا لعودة الاستبداد باسم الشعب يريد.
 
ماذا يرد الشعب حقا؟
إن الشعب يريد دولة ديمقراطية تضمن الحرية والكرامة وتحقق الأمن وتنسف الفساد من جذوره وتنهض بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية وتصلح المنظومة التربوية والصحية وتعيد بناء البنية التحتية من طرقات وموانئ ومطارات، الشعب يريد دولة في خدمته لا في خدمة مصالح القوى النافذة والمافيات الفاسدة مهما كانت طبيعتها ومهما كان من يقف خلفها من قوى عالمية أو إقليمية، والشعب لا يريد عودة الاستبداد مهما كانت شخصية المستبد ومهما كانت المبررات التي تبرر تلك العودة ومهما غلفت بطابع إرادة الشعب.