عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Dec-2020

د. موفق خزنة كاتبي وتدريس الطب بالعربية

 الراي- وليد سليمان

 
منذ العام 1973وحتى الآن يتم الإحتفال عربياً وعالمياً بيوم للغة العربية بتاريخ 18 كانون الأول من كل عام.
 
فاليوم العالمي للغة العربية يُعَدٌّ أحد أهم مظاهر الاحتفاء باللغة العربية.. تلك اللغة التي تحمل الكثير من عناصر الجمال والمصطلحات والحروف والإبداع؛ ما لا يُمكن العثور عليه في أيَّة لغة أخرى.
 
هذا باعتبار اللغة العربية واحدة من أهم صور التنوع الثقافي وينطق بها «كلغَة أم» عدد كبير من الناس, يفوق الـ 400 مليون شخص تقريبًا على مستوى العالم.
 
لذلك فقد حرصت هيئة الأمم المتحدة على تخصيص يُوم سنوي عالمي للغة العربية.. من أجل إحياء استخدام العربية الفصحى, وخصوصًا في المجتمعات والبلدان الناطقة بها.
 
وقد تم اعتماد اللغة العربية كواحدة من أهم 6 لغات معتمدة للاستخدام في منظمة الأمم المتحدة؛ ويأتي ذلك في إطار حرص المنظمة على تعزيز التعددية اللغوية والثقافية فيها.
 
الطب باللغة العربية!!
 
وفي اتصال «أبواب–$» مع الطبيب الشهير في الطب العام في عمان «موفق خزنة كاتبي أشار قائلاً: بعد ان تقاعدت من العمل ألفت العديد من الكتب عن عمان, ومن ضمنها كتابي الضخم» خمسون عاماً في مهنة الطب العام في عمان» الصادر عام 2013,حيث تحدثت في فصل منه حول فكرتي عن تدريس الطب باللغة العربية في جامعات العالم العربي كما يلي:
 
«لقد درستُ الطب باللغة العربية في الجامعة السورية في دمشق في منتصف القرن الماضي، وبالرغم من أن صفنا كان يضم أوائل سوريا والعالم العربي, وكنَّا نستطيع ان نجتاز كل ما هو صعب في دراستنا.. إلا أننا كنا نرتاح لدراستنا من كتبنا العربية!! التي وضعها نقلاً وتأليفاً النخبة من أساتذتنا في ذلك الوقت, الذين كانوا سابقاً قد أخذوا أحسن ما في الكتب الألمانية والفرنسية وقليل من الانجليزية.. ذلك لأنهم بُعثوا الى فرنسا وألمانيا, ودرسوا هناك ثم عادوا وترجموا ذلك بدافع الشعور العربي والديني رغم وجود الاستعمار.
 
ولقد كان علينا ان نعرف معاني الكلمات والاصطلاحات الطبية بإحدى اللغتين الفرنسية أو الانجليزية.. لأن اللغة الألمانية كانت قد انحسرت عن بلادنا بعد الحرب العالمية الاولى.
 
وكان يأتي في الفحص النهائي سؤال له مثل بقية الأسئلة من العلامات.. وهو ان نُعطي معنى الكلمة الإنجليزية واللاتينية باللغة العربية، وبالمقابل أن نعطي للكلمة الطبية العربية معناها بإحدى اللغتين الانجليزية او الفرنسية.
 
وبذلك كنًا نتقن إحدى اللغتين لتكون لغة طبية ثانية، على ان أكثرنا كان يجيد إحدى اللغتين قراءة وكتابة، وعلى هذا أنهينا دراستنا وتخرجنا من الجامعة ونحن نتقن اللغة الطبية العربية، ونتقن الإصطلاحات والكلمات الطبية بإحدى اللغتين الانجليزية والفرنسية.
 
وأقول ما سبق لأننا عندما دخلنا الصف الاول في كلية الطب لم نجد أية صعوبة في قراءة او فهم او متابعة الموضوع الطبي باللغة العربية.
 
بينما كان غيرنا من الذين درسوا الطب بلغة أخرى عليهم ان يُضيِّعوا ساعات طويلة بالترجمة وفِهم معاني الكلمات, حيث يمضون حوالي أربع ساعات للصفحة الواحدة.. في حين كنا نحن نقرأ الصفحة ونفهمها بكل هدوء وبساعة واحدة للصفحة.
 
وبعد ان تخرجنا جعلنا مراجعنا من خيرة المراجع الأجنبية.. حيث لم يبقَ علينا إلا إتقان المحادثة الطبية بلهجة سليمة, وقد نجح كل من ذهب الى بريطانيا وأميركا من خريجي دمشق وحلب, للتخصص في مختلف فروع الطب, وعادوا يتقنون التحدث والقراءة والكتابة بلغة البلد الذي تخرجوا منه.
 
وعندنا الكثير منهم في الأردن يمارسون اختصاصهم بكل نجاح وتميُّز، وكانوا أقدر من غيرهم في التفاعل مع المريض او الكتابة في المجلات العربية او الصحف اليومية, ممن درسوا الطب بلغة البلاد التي تخرجوا منها.
 
ولقد كنت أفاجأ كثيراً وأنا أحضر المؤتمرات الطبية العربية، ذلك عندما يأتي بحث تعليم الطب باللغة العربية؛ حيث أرى الكثيرين من أطبائنا واساتذة الجامعات يخالفون ذلك لدرجة الرفض!!.
 
والغريب ان هناك مَن درس الطب بلغة أجنبية في بلاد ليست على المستوى المطلوب في رقي مهنة الطب.. وعادوا وليسوا على المستوى العلمي والعملي, الذي كان عليه أطباؤنا الخريجون من دمشق مثلاً.. وذلك قبل إنشاء كلية الطب في الاردن.
 
وقد اعترف بذلك الأطباء من جيلي الذين تخرجوا من تلك البلاد, ثم تخصصوا في غير البلد الذي تخرجوا منه، وكان الكثيرون يذهبون الى بريطانيا ليحصلوا على درجة دبلوم خلال ستة اشهر.. ليعودوا وينسوا البلد واللغة الطبية الذي تخرجوا منه ودرسوا بلغته.
 
والأغرب أكثر أننا نرى في العالم مَن يُدرِّسون الطب والعلوم بلغتهم القومية, حتى ولو كانت لغتهم من الدرجة العاشرة!!.
 
بينما نحن نترك او نعارض التدريس بلغتنا العربية ذات التاريخ العريق, في تقدم العلوم ونقله الى اوروبا في العصور الوسطى.
 
لذا علينا إذن أن نعيد لتاريخنا العلمي مجده, لنربط الماضي العريق بالحاضر الذي نرجو له ان يُبعث مزدهراً من جديد.
 
وبكل اعتزاز بلغتي العربية وقوميتي؛ نجد ان الجامعات السورية ترجمت كل المؤلفات الطبية والعلمية, ذات الشهرة العالمية الى اللغة العربية, وأصبحت لغة طبية سائدة.
 
فالكل في تلك البلاد يعرف » التامور والشغاف والمرارة والكلية والمثانة والدماغ والشرايين والاعصاب».. وتصدر تقارير المستشفيات والمختبرات والأشعة وأجهزة التصوير الطبقي باللغة العربية ويفهمها الطبيب والمريض.
 
وأذكر أنه منذ عشرات السنين منعت سوريا دخول أي علاج صُنع في الخارج؛ إذا لم تكن التعليمات مكتوبة باللغة العربية؛ ذلك كي يقرأ المريض لائحة العلاج ومضاره ومحاذيره ومضار استطباباته؛ فيراجع طبيبه اذا كان في المكتوب شيء يحدد موانع استعمال ذلك العلاج.
 
وقد حدثني سابقاً الكثيرون من المرضى أنهم نبهوا أطباءهم الى خطورة العلاج الموصوف لهم.. لأنهم مصابون بما يُحذِّر او يُمنع من استعماله، فلم يكن لدى الطبيب الوقت الكافي ليسأل المريض عن سوابقه المرضية والدوائية.
 
وفي الستينيات من القرن الماضي أرسلت لي لجنة الترجمة في الرباط التابعة للجامعة العربية كُتيباً فيه ترجمات للكلمات الطبية كما هو في كل بلد عربي أو في بعضه.. فرأيت اختلافاً كبيراً بين ما وصلني وبين ما درسناه في جامعة دمشق.
 
لذلك كتبت لهم: أرجو أن لا تُضيعوا وقتكم في ترجمة الكتب الطبية.. بل عليكم ان تعتمدوا ما قررته جامعة دمشق, وتعمموه على الجامعات ودور العلم, ومن ثم يُصار الى تبسيط او تقريب الكلمة حسب منطوقها.
 
فمثلاً نقول باللغة العربية «المرارة» وهو ما استعمل منذ تاريخ الطب عند العرب, أما ترجمتها الحرفية المأخوذة من اللغتين الانجليزية والفرنسية فهو كيس الصفراء, كذلك «الشغاف» وهو البطانة الملساء الناعمة التي تبطن عضلة القلب والصمامات في حين اسمها باللغات الاجنبية ما معناه «داخل القلب» والغشاء الليفي الذي يحيط بالقلب ويحفظه اسمه باللغة العربية «التامور» في حين في اللغة الاجنبية «حول القلب».
 
فجميلٌ ان نستعمل اصطلاحاتنا الطبية بلغتنا.. فهي تُستعمل في الشِّعر العربي وأحاديث العرب؛ فمثلاً يوصف الحب كأنه عنصر يملأ القلب فيقال: «أنتِ التي ملأ الشغاف هواكِ» وفي القرآن الكريم «قد شغفها حباً».
 
كذلك أذكر الفضل للعراق إذ عرَّبوا كتب الفيزياء والكيمياء والهندسة والجبر, وكل الكتب العلمية للمرحلة الثانوية, ذلك في أربعينيات القرن الماضي.. حيث كانت الكتب المقررة لنفس المرحلة في بريطانيا.
 
وأخيراً فإني أرى وجوب تعليم الطب وبقية العلوم باللغة العربية في جميع جامعات العالم العربي, وان تشكل لجنة دولية عربية لتعريب الكتب والمجلات والنشرات ذات القيمة العلمية العالية.
 
وأرى أن القرار يجب ان يكون بدافع وطني وقومي وديني, وأن يُترك فترة إمهال تستغرق سبع سنوات,, ليبدأ طالب الطب منذ السنة الأولى بدراسة الطب باللغة العربية, والاعتماد على مقررات جامعة دمشق فيكون للعرب الفخر بذلك.
 
أطباء عمان منذ نهاية الخمسينيات
 
ومن ذكريات الطبيب موفق كاتبي في كتابه السابق يقول:
 
كان وسط البلد في مدينة عمان المكان المُفضل لعيادات الأطباء منذ أوائل الخمسينيات وحتى نهاية الستينيات.
 
فقد كانت "ساحة الجامع الحسيني" و"ساحة فيصل" و"ساحة البريد" هي المراكز التي تتفرع منها الشوارع الأخرى؛ حيث يتواجد فيها عيادات أطباء عمَّان.
 
وتكاد تكون كل العيادات متشابهة في تركيبها وهندستها, ما عدا واحدة أو اثنتين، إذ كانت العيادة عبارة عن شقة او شقتين فوق دكانين أو اربعة دكاكين, يفصل بينهما درج يصل الى عيادة او عيادتين متجاورتين او متقابلتين، أوعادة يتجاور طبيب عام وطبيب أسنان، أو طبيب أطفال ومختبر أو طبيب عام وأخصائي أذنية أو عينية أو جلدية.
 
ويتجلى هذا واضحاً في عيادات شارع الملك طلال، وتكون جوانب مطلع الدرج مؤجرة الى بائع او اكثر من بائعي البسطات، وكثيراً ما تكون إحدى الدكانين مؤجرة الى صيدلية؛ حيث كان الصيادلة يُفضّلون ان تكون صيدلياتهم تحت عيادة طبيب مشهور.
 
ويقول د. موفق كاتبي: فلوْ رسمنا مخططاً هندسياً لوسط عمان لكان:
 
ساحة الجامع الحسيني: يبتدئ منها شارع طلال الذي ينتهي في جسر المهاجرين, ويصل إليها شارع بسمان مبتدئاً من طلعة قبرطاي أمام ساحة البريد.
 
ساحة فيصل: يتفرع منها "شارع الملك الحسين" طريق السلط, وشارع يصل الى ساحة البريد ليشكل "شارع الامير محمد" طريق وادي السير، ويدخل إليها او يتفرع منها شارعان: شارع السعادة, وشارع الرضا الذي يكمل شارع المحطة، وكذلك يأتيها شارع الشابسوغ من القلعة.
 
ساحة البريد: يتفرع منها شارع بسمان، ويمر فيها او يبتدئ شارع الامير محمد، يكاد يكون شارع الامير محمد المكان المفضل للاخصائيين على اختلاف درجاتهم وأنواع اختصاصاتهم, أو المكان المفضل للأطباء الذين يهتمون بمعالجة الشخصيات أو الأثرياء او أفراد السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي.
 
وعندما افتتحت عيادتي في عمَّان بنهاية شارع الشابسوغ- أولاً- قُرب التقائه بساحة فيصل؛ قال لي أحدهم إنني لست من أطباء شارع الملك طلال.. بل أنا أعالج المستوى الرفيع من الناس!!.
 
بينما الحقيقة أنني لم أكن في ذلك الوقت أفرق بين شارع وآخر في استيعاب وتصنيف أنواع العيادات.
 
وقد قلت لهذا لشخص - وكان يكبرني بأكثر من عشر سنوات- في ذلك الوقت القديم: إن الطبيب لا يتشرف بالقيمة الاجتماعية او المادية للمريض الذي يعالجه.. بل يشرفه بافتخار ان يقوم بواجبه مهما كانت الحالة المادية والاجتماعية للمريض الذي يعالجه.
 
واختلفت الصورة كثيراً بعد حرب سنة 1967, وكذلك بعد سنة 1975, حيث عاد الى عمان وبقية مدن المملكة الأعداد الهائلة من الاطباء الاخصائيين بمختلف أنواع الاختصاص, وانتشرت العيادات في جميع جبال عمان وأحيائها, وحول المستشفيات التي تأسست بأعداد كبيرة.