عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Sep-2025

الشعر والجنون وقضايا أخرى إصدار جديد للناقد إبراهيم خليل

 الدستور

تداول النقاد، ومؤرخو الأدب، أسماء عدد من النابهين جمعوا بين الفلسفة، والشعر، وأصيبوا بالجنون: كبودلير1821- 1967) ورامبو(1854- 1891) وفرلين(1844- 1896) ونيتشة (1844- 1900)، وهولدرلن(1770- 1843). وحار بعضهم إزاء المجازات، والرؤى المبتكرة، لدى بعض الشعراء الكبار، ككولردج(1772- 1834) صاحب القصيدة المشهورة قوبلاي خان، وجون كيتس(1795- 1821) فعزوا تلك الصور، والمجازات، لما كانوا يمرون به من وضع عقلي غير طبيعي. وثمة مؤلفات رصدَ فيها المؤلفون علاقة الشعر بالجنون، قديما، وفي الحديث، منها كتاب جلال الخياط، الذي أشرف على إصداره عبد الواحد لؤلؤة(بيروت2006)، ومنها كتاب «دفاعا عن الجنون» لممدوح عدوان 2007 وآخر للدكتورة غنيّة بوحْوَيَّة(2020). ومنها « جنون الشعر « لوعد جرجس، ونيتشة «شهوة الحكمة « – و» جنون الشعر «لحبيبة لمحمدي - القاهرة 2018 و «ثقافة الجنون « لمؤلفه ليونيد أندرييف الذي ترجمة نوفل نيوف 2018 للعربية، و» الأدب والجنون « لشاكر عبد الحميد، و» يوميات مجنون « لنيكولاي غوغول، و « أيام الجنون والعسل « لخضير ميري، وتقديم الشاعر صفاء سالم إسكندر، و» مديح الجنون « لعلاء حليفي 2022. وثمة كتاب لا ينبغي أن يفوتنا ذكرهُ، وهو كتاب « الفنون والجنون « للويس عوض، القاهرة 1969. 
 
وللجنون في العربية ألفاظ منها: الخبَلُ، والخبال، والمسّ، والوَلَهُ، ومعناها جميعًا ذهابُ العقل.
 
وقد أطلقت العرب على غير واحد من الشعراء الغَزِلين صفة المجنون، كمجنون بني عامر، الذي عرف بغزله العذري العفيف بليلى. وترك لنا ديوانا ضخما عني به كثير من المتقدمين، والمحدثين، آخرهم دة. هدى وائل التي يستخلص مما ذكرته أن أشعارَهُ، وأخباره في الكتاب الموسوم بعنوان « أشعار مجنون بني عامر وأخباره « برواية أبي بكر الوالبي، تقدّمان لنا حكاية من حكايات العشق التي يمتزج فيها الحبّ بالشعر، ويندغمان بالهيامُ والجنون. 
 
وفي هذا الكتاب قضايا أخرى متعددة في الإبداع الأدبي،عدا ما لفت نظره من موضوع مجنون بني عامر، وما فيه من روايات وأخبار ، ومن قصائد وأشعار، فعرض له في الكتاب الصادر حديثا عن دار الخليج بعمان منبها على ما في صنيع الوالبي من مزايا تقربه من السيناريو.
 
يقع هذا الكتاب في 168 ص تتوافر فيها مقالات متعدده بعضها في اللغة وبعضها في البلاغة العربية الجديدة وبعضها في تقويم الصوت ومعالجته، وبعضها في مراجعة دقيقة لمفهوم التناص، واستبعاد التلاص، الذي يغلب على غير قليل من الدراسات، فتتناوله على أنه ضرب من التناص، وبعضها في شرح مقامات الحريري، وما فيه من ثروة لغوية في النحو، والصرف، والبلاغة، وألوان البديع، اعتمادا على شرح شميم الحلي بتحقيق د. محمد عايش الصادر عن دار المنهاج بجدة في العام الماضي 2024. 
 
ولا يخلو الكتاب من تنوع لغوي، وأدبي، فقد أفرد المؤلف فصلة لتوجهات البحث اللساني العربي في القديم والحديث، ومراجعة تحقيقية لأعمال فواز عيد الشعرية الكاملة، منبها على الكثير من الأخطاء الطباعية أو العروضية التي وردت في الطبعة، مشيرا للصحيح. تلي ذلك وقفة نقدية إزاء المختارات الشعرية التي أصدرها نصري الصايغ ببيروت من شعر محمود درويش بعد رحيله(2009) مع وقفة متأنية إزاء موقع شعر الشهيد كمال ناصر من السياق الحداثي للشعر الفلسطيني، مستبعدا الفرضية التي تزعم بأن شعر كمال ناصر شعرٌ حداثي سِمَتُه العليا هي التجديد. وغير بعيد عن هذا الموضوع ما يبحث فيه المؤلف عن إشكالية القصيدة القصيرة،وبصفة خاصة قصيدة البورتريه، بين النقد والتنظير، مشيرًا لأمثلة من شعر الراحل مريد البرغوثي، تحت هذا المصطلح، ولا سيما في دواوينه قصائد رصيف 1980 وعندما نلتقي 1991 و ليلة مجنونة 1996. 
 
وفي موضع طريف عن حقيقة الإبداع في القصة القصيرة يحاور المؤلف الأصوات التي تزعم أن القصة القصيرة في طريقها للانقراض بسبب شيوع ما يعرف بالقصة القصيرة جدًا، أو بسبب منافسة الرواية، مؤكدًا أن القصة القصيرة ما تزال تغتني بالكثير الجم من العطاء المتألق، وتحظى بغير قليل من الدراساتِ، والبحوث. وهذا ينفي هاتيك التنبؤات علما بأن الفنون لا تخضع مآلاتها لا للتنجيم، ولا لتخرّصات قارئيي الفناجين.
 
واللافت في الكتاب توقف المؤلف إزاء ثلاثة من أعيان الأدباء الراحلين، تكريما لهم من جهة، وتذكيرا بعطائهم المتألق من جهة أخرى. فأولهم الروائي الفلسطيني أحمد حرب الذي ولد في الظاهرية عام1951 ونال شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من الجامعة الأردنية عام 1974 وعمل مدرسا في الخليل، ثم نال درجة الماجستير والدكتوراة في الأدب المقارن من جامعة آيوا Iowa- في الولايات المتحدة. وهو عضو في البرنامج العالمي المعروف باسم (الكتابة الإبداعية) الشهير. وكان – رحمه الله- قد نشر  غير قليل من البحوث في النقد والأدب في مجلات علمية مرموقة. وانتُخب رئيسًا لملتقى فلسطين الثقافي2022 ورئيسًا للجنة تحكيم جوائز فلسطين في الآداب والفنون. وتوفي في 7 شباط – فبراير من  العام 2025  وله من المؤلفات، عدا الروايات: حكاية عائد، وإسماعيل، والجانب الآخر من أرض المعاد، والصعود إلى  المئذنة، سيرة ذاتية بعنوان « مواقد الذاكرة « الدار الأهلية، عمان: 2023 
 
والثاني الشاعر محمد إبراهيم لافي الذي انتهى به المطاف ليعلن براءة المقاوم الفلسطيني من تبعات المرحلة، فمثلما نُبذ جانباً نَبْذَ القوم عنترةَ العبسيَّ حين تُرك لرعي الإبل كي يحسن الحلْبَ والدَرّ، تُركَ المقاوم، ها هنا، جانباً، فلا شأن له بما يحدث، الآن، وليس مسؤولاً عن الخيبة المرة التي حصدها دهاقنة الاتفاقيات، والمفاوضات العبثية، لذا لا نعجب إذا رأيناه يعلق ـ على صدره ـ زجاجة خمر، متهكماً من شعارات المرحلة الأخيرة:
 
غير أني
 
أعلق قنينة الخمر في عُنُقي
 
جَرَسَ المرحلة.
 
وكانت بالفعل مرحلةً، خيرُ ما يُعْلنُ عنْها، ويناسبُها، هو هذا الجَرَس.
 
والثالث هو الدكتور محمد شاهين الأديب الناقد المترجم الذي ترجّل بعد بذله ما بذل من جهود قارن فيها بين موسم الهجرة إلى الشمال، وروايات أخرى كثيرة، وتشخيصه الدقيق لعلاقة الأدب بالأسطورة، وإشاراته المثيرة لعلاقة كل من السياب وصلاح عبد الصبور بشعر ت. س. إليوت، وأخيرا المعطيات التي تتجلى في توظيف الروائيَين، وكتاب القصة، لحكاية السندباد، ورحلاته السبع، أو الثماني، وليالي ألف ليلة، وصندوق العجب، والأساطير، والحكايات الشعبية، في الرواية، وما يسلَّطه بعضهم كجبرا من ضوء على علاقة الكاتب العُضْوية بالمكان، ولا سيما إذا كان فلسطينيا يبحَثُ في الرواية عما يؤكد هويته المهدَّدة، مشيرًا بهذا كله لما في الرواية العربية من تداخل مع الأجناس الأدبية الأخْرى، ومن تواصلٍ ملموس بالتراثِ الثقافي، وبذلك يجيبُ عما أثارهُ منْ تَساؤلاتٍ في مقدّمة كتابه « آفاق الرواية: البنية والتراث «. 
 
وأخيرا ثمة مقالتان في الكتاب تشفّ كل منهما عن غاية المؤلف منه، وهي ضرورة العناية بالأسلوب الأدبي لدى الكتاب، وضرورة التمرس بالكتابة التي تتغيّا التعبير بالجمال الأسلوبي، وبالنغم، وبأناقة التركيب، وتساوق الجمل، ومن هذا الباب جاء الاعتناء بكتاب القاص محمود الرماوي « هكذا يمضي العمر» الذي يحتاج لدراسة تسبر غور الأداء الجملي في لغة الأديب، وقد تبعتها فصلة عن العربية بصفتها مفتاحا للقلوب - على رأي حسن العكيلي مؤلف- كتاب الجانب الروحي في اللغة العربية. وهو مصنف يحبب القارئ والكاتب على السواء ببيان  العربية، واتساق عباراتها اتساقا تنشرح له النفس، وتأنس إليه الأسماع، فضلا عن العقول والأذهان؟
 
جاء في بعض ما ورد على الغلاف الأخير» من هذه الجولات، وهي أشتاتٌ مجتمعات، وتوليف من مقالات، ومراجعات؛ في اللغة والبيان، وفي الأصوات وعلوم اللسان، يتضح أن الكتابة ليست بالشيء الهين اليسير، وأن من يقبلون عليها، القليل منهم لا الكثير، يحسنون الصياغة فتكون الجملة في الأداء ذات وقع موسيقي في الآذان، و مذاق سلس على اللسان، فهم يخبطون في ذلك خبط عشواء، ويمعنون في بادية الأدب إمعان من يمتطي القصواء، لا الفرس الشهباء، فيتعثرون في المتاهة، وليتهم يهتدون في نهاية الأمر اهتداء من يرى الغاية قبل بلوغ النهاية.
 
وقد عرضنا في هذا السفر لعلاج الصوت وتقويمه، وللتوجهات اللسانية الحديثة لدى اللغويين العرب المحدثين، وتخطيهم لنحو المتقدمين، وللبلاغة الجديدة وإشكالية المصطلح، ولمآلات بعض الأدب الحديث من قصة قصيرة، ورواية، وتذاكرنا شيئا من حديث الأصالة والابتكار، وما يخالط الأدب من الاقتباس والتضمين الذي خلط بعضنا بينه وبين التناصّ، وارتكبوا ما هو أقرب إلى التلاص. فهو أشبه بمائدة متعددة الأصناف، مختلفة الألوان.