عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Feb-2019

مخلص محجوب.. جنين تخسر حارس «ذاكرتها»

 

 جنين –الدستور - محمد الرنتيسي - برحيل المؤرخ مُخلص محجوب الحاج حسن، الذي غيّبه الموت قبل أيام، عن 79 عاماً، خسرت مدينة جنين الفلسطينية، واحداً من حرّاس ذاكرتها، إذ كان لخّص قبل أشهر من رحيله، قصة المدينة التي أسسها الكنعانيون كقرية، باسم «عين جانيم»، في موقع المدينة الحالي، ليترك هذا المكان بصمات واضحة على مدار التاريخ، إذ كان عرضه للقوات الغازية المتجهة جنوباً أو شمالاً، وكثيراً ما كان يطاله التدمير والخراب أثناء الغزو. 
كانت جنين عُرفت في الحقبة الرومانية باسم «جينا»، ولما ورث البيزنطيون حكم البلاد أقاموا فيها كنيسة حملت الاسم نفسه، وقد عثر المنقبون الأثريون على بقاياها بالقرب من المسجد الكبير، ويعود تاريخ تأسيسها إلى القرن السادس الميلادي.
جنائن
يقول المؤرخ الراحل: خلال القرن السابع الميلادي نجح العرب المسلمون في طرد البيزنطيين منها واستوطنتها بعض القبائل العربية، وعُرِفت البلاد لديهم باسم «حينين» الذي حُرّف فيما بعد إلى جنين، وقد أطلق العرب عليها هذا الاسم بسبب كثرة الجنائن التي تحيط بها، وورد اسم جنين في آثار المصريين القدماء والبابليين والأشوريين، ووفقاً لعلماء الآثار، فالمدينة أسسها  الكنعانيون في حدود 2450 قبل الميلاد.
يضيف: جنين مدينه قديمة ورد اسمها بالمخطوطات البابلية والآشورية والمصرية القديمة، وفي التوراة والإنجيل، وورد ذكرها بأسماء مختلفة منها «جانيم وعين جانيم وجيرين وجنين» وعرفت جنين عبر تاريخها بكثرة الجنائن والبساتين، وهي واحدة من المدن العتيقة، ولا يضاهيها بالقدم إلا أريحا ونابلس والقدس ودمشق وصيدا في لبنان، وتأسست عام 4250 قبل الميلاد وبها عدد من المكتشفات الأثرية، وتعرضت المدينة لسلسله من الغزوات التي دمرتها.
مؤرّخ
أبصر مخلص النور عام 1940، وبدأ مهمة حفظ تاريخ مدينته بعد حصوله على شهادة «المترك الثانوي»، وحاز على المرتبة الأولى في التربية الإسلامية على الضفتين، وكان مؤهلًا لبعثة خارجية لم تكتمل، ودرس في دار المعلمين بالعروب، وكان الأول في الاجتماعيات والسابع بين 43 طالبًا، والتحق في سلك التعليم منذ عام 1960 متنقلا بين نابلس وجنين وريفها. وكان طفلاً حين وقعت معركة جنين الأولى، وهرب مع أسرته إلى الجبال المحيطة، وشاهد جيش الإنقاذ والجيش العراقي والمناضلين المتطوعين، ومن وقتها دخل حب التاريخ قلبه، وصار يمضي وقتًا طويلا في البحث عن كل ما يتصل بجنين.
وتابع: دمر (تحتمس الثالث) جنين أثناء توجهه إلى مجدو حين اشتبك هناك مع حكام سوريا القدماء الذين يسمون بـ»الهكسوس» وهذا عام 1479 ق.م. وهاجمها (رعمسيس الثاني) صاحب معبد أبو سمبل، أثناء توجهه لمحاربه الحثيين في قادش، وفي عام 1189 ق م عقب دخول العبرانيين إلى ارض كنعان بقياده يوشع بن نون، كان من أبرز الأحداث التي شهدتها المدينة التحالف والالتحام بين الكنعانيين والعماليق والفلسطينيين ضد أول ملوك العبرانيين، وهو (شاؤول بن قيس) الذي هُزم على مقربه من جلبون « شمال شرق جنين « في عام 1030 ق.م. 
وتعرضت جنين للتخريب على يد (سنحاريب بن سرجون) الثاني الأشوري عام 701 ق.م. ووقعت تحت الاحتلال الفارسي على يد (كوريش) والد قمبيز، بأواسط القرن السادس ق.م. وعاشت تسعا وتسعين سنة تحت الاحتلال الصليبي، إذ احتلت عام،1103 بزعامة (تنكريد دوق نورمانديا) و(ريموند دوق تولوز)، استعادت المدينة حريتها في معركة حطين عام 1187 م، وأثناء عودتة إلى دمشق، مر من جنين وبات فيها يوما واحدا، يوم الأحد الثاني من تشرين الأول 1192، لكنها خضعت للاحتلال الصليبي مره ثانية، بعد تنازل الملك الكامل الأيوبي عنها وعن باقي المدن الفلسطينية في الحملة الصليبية السادسة، وظلت جنين تحت حكم الصليبيين إلى أن حررها الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 1244.
«بانوراما»
ودوّن الحاج حسن، الذي أّلف كتاب «جنين: ماض وحاضر»، ونشر الكثير عن حكايتها: استردت المدينة حريتها، في العهدين الأيوبي والمملوكي وانتعشت اقتصاديًا وعمرانيًا وتأسست فيها محطة للحمام الزاجل لتربط مصر بالشام، وكانت تابعه لنيابة صفد، وصارت ممراً لمحطات القوافل والبريد من مصر إلى الناقورة وصولاً إلى دمشق. وشهدت جنين تطورا ملحوظا في عهد المنصور قلاوون الهكاري 1281. وشيّد طاجار الداوادار الخان التجاري المشهور الذي وصفه المقريزي في كتبه، وأصابها العام 1347 زلزالاً كبيراً دمّر جنين عن بكرة أبيها.
وفق مؤرخ المدينة، الذي شيع ظهر الاثنين، فقد حلّت السيادة العثمانية عليها عام 1561، وظلت جنين تابعه للأتراك العثمانيين حتى عهد السلطان محمد وحيد الدين السادس.  وساعد القائد الفرنسي (فال) نائب كليبر، نابليون بمحاصره المدينة، وبعد أن فشل باحتلالها وعمل على إحراقها حيث قصفت جنين بالمدفعية، في نيسان 1799 م /وتم تدميرها، وكانت حمله إبراهيم باشا على فلسطين (1831-1840)، بمثابة طفرة عمرانية، إذ اصطحب في جيشه طواقم مختصين وبالرغم من الزلزال الذي كان ضربها وهدّم أبنيتها عام 1837، فأسس فيها سوقاً قديمة، وبلّط شوارعها وأزقتها القديمة.
 وزاد: احتل الإنجليز جنين في عهد السلطان العثماني محمد وحيد الدين السادس في الـ 20 من أيلول 1918، وعيّن الميجر ماك كرين حاكمًا عسكريًا للمدينة، واختيرت جنين مقرًا لمحطة الشرق الأدنى التي أنشأها الإنجليز عام 1941، وخلال الحرب العالمية الأولى اتخذها الألمان مقرا لسلاحهم الجوي حيث أقاموا فيها مطاراً عسكرياً ضخمًا، لا زال السكان يطلقون عليه إلى اليوم الاسم نفسه، في أراضي مرج ابن عامر.
معركة
ووالى: وقعت معركة جنين الأولى في حزيران عام 1948، إذ بدأت المعركة الفاصلة بين الأهالي وفئة من «جيش الإنقاذ»، تدعمه قوه من الجيش العراقي بقيادة عمر علي وصالح زكي، مقابل قوه يهودية مؤلفة من أربعة آلاف جندي يهودي، وتم تحرير المدينة بشكل كامل في الـ 4 من حزيران 1948، بعد يوم وليلة من القتال، وقد كانت في 27 رجب  1367 هجرية.
واستطرد: لكن بدأت معركة جنين الثانية بعد أن قام اليهود بالمباغتة في أواخر الهدنة ( 9 تموز 1948)، فاحتلوا 11 قرية وجابههم الأهالي بدعم من الجيش العراقي، وعملوا على تحرير قراها، وعقدت اتفاقيه الهدنة الثانية في الـ 18من تموز 1948. وبتعديل خط الهدنة خسرت جنين ما يقارب 19000 دونم، بالإضافة لفقدانها لأربع عشرة قرية.
وأضاف السعيد: وصف حاييم هرتصوغ، الذي تولى رئاسة إسرائيل المعركة بأنها أخرت احتلال الضفة الغربية 19 سنة، وفيها سقط 96 شهيدًا من المناضلين  و67 شهيدًا من الجيش العراقي        و1241 قتيلاً من جيش الاحتلال.
آثار
وقال: شهدت جنين الكثير من الأحداث كالثلجة الكبرى في السادس من شباط 1950، ووقتها شلت مرافق الحياة، ووصل الزائر الأبيض لنصف متر، كما خسرت الكثير من آثارها كبركة البساتين، التي أسسها محمود بيك عبد الهادي، كما فقدت طواحينها المائية الأربع: أم القناطر (آثارها باقية قرب دوار يحيى عياش)، والبلد ( كانت خلف المسجد الصغير)، والصباحية (قرب وزارة الحكم المحلي اليوم)، و(المجيدية)، كما فقدت الحمام التركي الذي دمره الزلزال، (بجوار المسجد الصغير) ونهر البلد، والتل الذي كان مقرًا للبريد الطائر (الحمام الزاجل)، وسوقًا للدواب، ومقبرة، ومكانًا لإقامة البرامكة والنّور، إلى تحول إلى موقف للمركبات عام 1965، كما بدأ الزحف على سهل مرج ابن عامر في السبعينيات، وانتعش تدميره في الثمانينات، وتفاقم منذ التسعينيات وحتى اليوم.
أعلام
واستعاد الحاج حسن أسماء شخصيات تركت بصمة واضحة في تاريخ المدينة، كحال حسين الجرباوي (مهتم بالتاريخ)، وسعيد السوقي (شاعر)، وعبد الهادي جرار (تربوي)، والشيخ أحمد السعدي (اهتم بالتراث)، وبرهان الدين العبشوي (شاعر)، وعلام العبوشي (باحث في التاريخ)، وخالد النصرة (شاعر)، وعصام النمر (عالم فضائي أطلق أول مركبة للقمر).
وأنهى: من الأسماء التي لمعت في تاريخ المدينة وأقامت وعملت فيها، خلال النصف الأول من القرن العشرين، أحمد حلمي عبد الباقي (رئيس حكومة عموم فلسطين)، والمؤرخ عارف العارف (أول قائم مقام للمدينة عام 1936)، وعز الدين الشوا (قائم مقام جنين عام 1936)، والشيخ عز الدين القسام، والشيخ فرحان السعدي، وعلي السرطاوي(تربوي)، وفوزي الدين القاوقجي (قائد جيش الإنقاذ)، ومحمود شيت خطاب (حاكم حنين العسكري العراقي)، ود. نقولا زياد، والمفتيان الشيخ أديب الخالدي، وتوفيق جرار.