عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Mar-2020

فقط محكمة “لاهاي” يمكنها لجم إسرائيل - بقلم: حجاي العاد

 

هآرتس
 
في صيف 2014 قتلنا في قطاع غزة بقصف جراحي وتجميلي أكثر من 500 طفل فلسطيني. رئيس الحكومة في حينه بنيامين نتنياهو ورئيس الاركان في تلك الفترة بني غانتس يقفان الآن على رأس الحزبين الكبيرين في الدولة.
في خريف 2017 أعلن وزير الدفاع في حينه افيغدور ليبرمان عن نيته بأن يدمر كليا تجمع الخان الأحمر، بما في ذلك المدرسة التي توجد في المكان واكواخ الصفيح التي تشكل بيوت أكثر من ثلاثين عائلة، جميعها فلسطينية بالطبع. ايضا ليبرمان هو رئيس حزب اسرائيل بيتنا. قضاة محكمة العدل العليا عادوا وأكدوا شرعية “الهدم”.
في شتاء 2020 نشر الرئيس دونالد ترامب خطته للاعتراف الامريكي باسرائيل الكبرى، التي ستمتد على جميع الاراضي التي تقع بين النهر والبحر، دون اعطاء الجنسية لملايين الفلسطينيين أو حقوق انسان أو حق التصويت. الخطة تملي الخضوع المطلق للفلسطينيين، وفي نفس الوقت تكشف بشكل واضح طموح اسرائيل لمواصلة هندسة الوضع الديمغرافي في هذا الفضاء كما تشاء، من وادي عارة ومرورا بالأحياء العربية في القدس (المحتلة) التي تقع خلف جدار الفصل وانتهاء بآخر القرى في منطقة ج. وماذا بشأن ليبرمان وغانتس؟ لقد باركا هذه الخطوة.
كم هو عدد الاطفال الذين سيقتلون في غزة في الصيف القادم؟ وكم هو عدد التجمعات الفلسطينية الاخرى التي سندمرها في السنوات القريبة القادمة؟ وكيف ستظهر الحياة في ظل نظام يسعى الى تخليد التفوق على شعب آخر؟ وما الذي نحن مستعدون لفعله من اجل القول لكل ذلك: كفى.
الأطفال في غزة “لم يموتوا”. فشخص ما خطط كيف سيتم قصف المنازل من الجو، وشخص ما قرر بأن هذا “قانوني”، وشخص ما اعطى الامر، وبعد محو عائلة اخرى مع اطفالها من العالم فان شخص ما طمس وأخفى الامر حتى قدوم القصف القادم. والجرافات التي تقوم بهدم المنازل في “ارجاء المناطق السيادية” لا تسير من تلقاء نفسها. فشخص ما خلق جهاز تخطيط هدفه عدم المصادقة على بناء الفلسطينيين، وشخص ما قرر أن هذا “قانوني”، وشخص ما اصدر أوامر الهدم، وشخص ما أمر بتنفيذها. ونظام الحكم الذي هدفه تقدم شعب على حساب سحق شعب آخر لم يقم بخلق نفسه. فهناك من يقف على رأسه ويقوده ويخرجه من حيز القوة الى حيز الفعل.
ومن اجل التمكين من حدوث ذلك من الجدير اسكات من يعارض. لذلك، سمى سفير إسرائيل في الأمم المتحدة جهود الفلسطينيين للعمل ضد خطة ترامب “ارهاب دبلوماسي”، لأن أي محاولة فلسطينية للمطالبة بالحقوق أو الحرية يجب أن تكون مؤطرة كـ “ارهاب”. لذلك، سارع نتنياهو الى الاعلان عن “احكام لاسامية” للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. لأن أي خطوة دولية يجب أن تكون معرفة كلاسامية. لذلك، منظمات حقوق الانسان الاسرائيلية التي تعمل ضد الاحتلال يجب عليها أن يتم اظهارها كخائنة وغير مخلصة.
هكذا، صحيح أننا غير مخلصين. غير مخلصين لنظام يؤيد الاحتلال والقمع والعنف واهانة شعب آخر، ونقوم بخيانة فكرة الابرتهايد ونسعى الى تقويض مستقبل الظلم. اجل، مسألة الولاء موضوعة الآن على كفة الميزان: لأي قيم نحن مخلصون؟.
نحن مخلصون لحقوق الانسان والمساواة والعدل والحرية. مخلصون لمحاولة بناء مستقبل بين نهر الاردن والبحر يقوم على هذه القيم. هذا الاخلاص قادنا الى مناشدة مجلس الامن من اجل القيام بعملية دولية تؤدي الى انهاء الاحتلال. ونفس هذا الاخلاص جعلنا نطلب من الجنود الإسرائيليين رفض الأوامر غير القانونية لاطلاق النار من بعيد على آلاف المتظاهرين الفلسطينيين على حدود القطاع. وهو نفس الاخلاص الذي يوجه الآن الانظار الى السلطة القانونية الدولية الوحيدة التي يمكنها التعامل مع الوضع في المناطق، محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، الى جانب تأييدنا لصلاحية المحكمة في البدء في التحقيق وتقديم تقرير عن جرائم الحرب.
واذا لم تتم محاكمة أحد عن ذلك فلن يتغير أي شيء. وهذا ما تسعى اليه الحكومة بالضبط. ولكن اذا تقرر بأن هناك سلطة ستبدأ في التحقيق في لاهاي، عندها ربما الدولة اخيرا ستضطر الى البدء في الأخذ في الحسبان امكانية أنه سيكون للجرائم التي ترتكبها ضد الفلسطينيين ثمن.
رغم أن الاجراء الذي يجري في الوقت الحالي في لاهاي يقتصر على مسألة الصلاحية القضائية، إلا أن النخبة السياسية في الدولة، موحدة ضد هذا الاجراء، بما يشبه الطريقة التي هي موحدة في دعمها لخطة ترامب. نتنياهو نفسه، كما قلنا، سارع الى تشبيه إجراءات المحكمة بالاحكام اللاسامية. وواصل الدعوة الى فرض عقوبات على المحكمة وعلى جميع ممثليها والمدعين العامين فيها. وقد قام قبل بضعة ايام بارسال وفد الى واشنطن للاتفاق مع ادارة ترامب حول نضال مشترك ضد المحكمة. وخطوات الحكومة هذه في هذه المرحلة تكشف أنه في جذور المعارضة في اسرائيل لا توجد أي مصلحة نظرية في مسائل السلطة، بل اعتراض جوهري على القيم التي تهدف محكمة الجنايات الدولية الى حمايتها، قيم تريد اسرائيل مواصلة سحقها، ومواصلة التمتع، كالعادة، من حصانة مطلقة بخصوص افعالها في المناطق.
في شهر كانون الاول (ديسمبر)، قبل بضع ساعات على نشر بيان المدعية العامة للمحكمة بأنها توصلت الى استنتاج بأنه يوجد اساس لفتح تحقيق، نشر المستشار القانوني موقفه بشأن ذلك. وعلى اعتبار أن موقفه يمثل الحكومة، فهناك اهمية كبيرة للكشف المدحوض لموقفه الذي ترتكز ادعاءاته على اقتباسات جزئية ومتلعثمة تم اخراجها عن سياقها، تجاهل اوامر القانون الدولي ووصف لا اساس له من الصحة للواقع.
نحن نعيش في عالم فيه الاحتمالات الفعالة للدفاع عن حقوق الانسان آخذة في التقلص. لا توجد لدينا اوهام. المحكمة في لاهاي تقترح في افضل الحالات درجة محدودة من العدالة المتأخرة. ولكن النظام في اسرائيل معتاد على وضع التنكر التام لواقع فيه يمكن أن نستخدم ضد الفلسطينيين كل شيء تقريبا دون دفع أي ثمن عن ذلك. وحتى القليل الذي يمكن أن يرضي المحكمة يمكن أن يجعل اسرائيل تعيد التفكير في المسار. حتى قبل قرار المدعية العامة في كانون الاول (ديسمبر)، امتنعت اسرائيل عن هدم الخان الاحمر بسبب الخوف من لاهاي، مثلما اعلن وزير الخارجية اسرائيل كاتس. ويمكن التقدير بأن واقع جديد تكون فيه امكانية لتقديم الحساب يمكن أن يشكل عامل كابح ومهم لافعال اسرائيل.
في المحكمة في لاهاي سيقررون في الاشهر القريبة القادمة هل توجد للمحكمة صلاحيات اقليمية على الوضع في المناطق، وهذه الصلاحية توجد منذ انضمام فلسطيني لميثاق روما (وسلسلة طويلة من المواثيق الاخرى) كما قررت المدعية العامة. ولا يمكن التقليل من اهمية هذا القرار الذي يبدو أنه اجرائي فقط. اذا قرر القضاة تبني موقف المدعية العامة فسيتم فتح تحقيق. ولكن اذا تقرر شيء آخر فسيتم اغلاق التحقيق قبل أن يبدأ. هذا الامر سيكون بمثابة ضوء اخضر لاسرائيل في العالم الذي تقريبا لم تبق فيه اضواء حمراء. وبقي فقط الأمل بأن تتبنى المحكمة موقف المدعية العامة والقول “توجد صلاحيات وسيكون هناك تحقيق”.