عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Jun-2020

ما بين القادة والإعلام - د. ياسر عبد العزيز
 
الشرق الاوسط- «لا أحبك... ولا أقدر على بُعدك»؛ ربما يقدم هذا المثل الوصف الأكثر تجسيداً لطبيعة العلاقة التي تجمع ما بين معظم القادة السياسيين ووسائل الإعلام؛ فمن جانب يرى قطاع من هؤلاء القادة أن وسائل الإعلام تلعب دوراً كبيراً في تعزيز مصالحهم، أو مصالح أوطانهم، ومن جانب آخر، فإن عدداً كبيراً منهم يعتقد أن بعض الممارسات التي ترد عبر هذه الوسائل يمكن أن يضرهم أو يقوض جهودهم، والأخطر من ذلك أن بعضهم يغير آراءه تلك باستمرار.
ومن ذلك أن الزعيم السوفياتي الراحل خروتشوف اعتبر الصحافة «سلاحاً» في المعارك التي تخوضها بلاده، كما أن جوبلز، وزير دعاية هتلر الشهير، رأى أنها مثل «المدفعية» التي تقصف المجتمعات المستهدفة، فتوطئ للهجوم المادي، وتشل القدرة على المقاومة.
لا يقتصر الأمر على مديح الصحافة فقط عندما تمعن في لعب الأدوار الدعائية التي تساند طموحات بعض السياسيين، لكن ثمة من أظهر الإخلاص في الدفاع عن مناقبها وأهميتها للمصلحة العامة؛ ومن بين هؤلاء الزعيم التاريخي الأميركي جورج واشنطن، الذي قال في هذا الصدد: «إذا سُلبنا حرية التعبير عن الرأي، فسنصير مثل الدابة البكماء التي تُقاد إلى المسلخ».
وعلى الجانب الآخر، عبّر ساسة كبار عن عداء شديد للصحافة؛ منهم السلطان عبد الحميد، الذي قال من منفاه بعد عزله: «لو عدت إلى يلدز، لوضعت محرري الجرائد كلهم في أتون من الكبريت»، وكذلك فعل القيصر نيقولا الثاني؛ الذي قال: «جميل أنت أيها القلم، لكنك أقبح من الشيطان في مملكتي».
أما القائد الفرنسي الأسطوري نابليون بونابرت فقد نُسب إليه في إطار رؤيته للصحافة هذا القول: «أخشى ثلاث جرائد أكثر من خشيتي لمائة ألف حربة»، بينما شنت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر هجومها الأشهر على وسائل الإعلام، في ظل مواجهة بلادها هجمات مسلحة من الجيش الجمهوري الإيرلندي، حين قالت: «الصحافة توفر الأكسجين للإرهاب».
يبدو أن معظم هؤلاء القادة لم ينظروا إلى الإعلام سوى من زاوية واحدة تبدو شديدة الضيق، وهي زاوية تتعلق بقدرتها على خدمة مصالحهم الآنية ورؤاهم الصارمة في أوقات محددة.
يعطينا الرئيس ترمب، الذي أربك العالم بأنشطته الاتصالية الكثيفة والمثيرة للجدل، المثل الأوضح على العلاقة الحادة والمتذبذبة بين القائد السياسي ووسائل الإعلام، فنحن ندرك أن معركته طاحنة ومستدامة على وسائل الإعلام الجماهيرية الرئيسية في بلاده، التي يعتبرها «شوكة في حلقه»، و«أداة لأعدائه ونقاده»، لكننا كنا نعرف أنه يعتبر وسائل التواصل الاجتماعي «عوناً وظهيراً» له، عبر تأمينها تواصلاً مباشرا غير خاضع للتأطير بينه وبين جمهوره.
ألم يعلن ترمب، في 2017، أنه لم يكن يصل إلى البيت الأبيض لولا «تويتر»؟ ألم يصف «السوشيال ميديا» بأنها «منصة هائلة»؟ ألا يتابعه على «تويتر» 80 مليون حساب؟ ألم يقل إن بقاءه على «تويتر» يعود لكون بلاده «لا تملك صحافة محايدة ونزيهة»؟ ألم تصدر عنه على هذه المنصة أكثر من 17 ألف تغريدة منذ انتخابه رئيساً؟ ألم تصل تغريداته عبرها إلى نحو 76 في المائة من الأميركيين؟ فلماذا يشن عليها حرباً شعواء اليوم؟
يوم الخميس الماضي، وقع ترمب أمراً تنفيذياً يمكن أن يحد من تمتع وسائل التواصل الاجتماعي بالحماية والحصانة القانونية، التي يرى كثيرون أنها ضرورية لصيانة حرية الرأي والتعبير، بعدما قامت إدارة «تويتر» بتنبيه مستخدميها إلى أن إحدى تغريدات الرئيس قد تحوي «تمجيداً للعنف»، وأن تغريدة أخرى يمكن أن تكون احتوت على «مزاعم غير مدعمة بحقائق».
موقف «تويتر» مثير للجدل، وربما يحتاج إلى مراجعة، وسلوك ترمب حاد ومفاجئ ومُفرط كالعادة، والأمر التنفيذي قد يصبح «قراراً رمزياً» في ظل الاعتبارات المؤسسية الأميركية، لكن الثمن، أياً كان قدره، ستدفعه حرية الرأي والتعبير، في ظل معركة جديدة بين السياسي والإعلام، وهي معركة ستتوالى فصولها لاحقاً، ولن تنقصها الإثارة، ولن تتفادى التكاليف والخسائر.