عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Jul-2024

هل الـمشاركة في الانتخابات خيار أم ضرورة أردنية؟*د. محمود أبو فروة الرجبي

 الغد

يتطلب الاستحقاق الانتخابي القادم إقناع الناس بالذهاب إلى صناديق الاقتراح، ومحو الصورة السلبية التي رافقت الانتخابات السابقة في عام 2020 بسبب الـمشاركة المتواضعة فيها، والتي الكاد لامست الثلاثين بالمائة من عدد من يحق لهم الاقتراع،  وهذا الأمر يحتاج إلى جهود مكونات الدولة كلها، ومؤسساتها، وأحزابها، ويتطلب القيام بخطوات عملية مستدامة تزيد ثقة الناس بالانتخابات، وترسخ ثقافة الـمشاركة الإيجابية، وتعمل على تغيير عقلية التعامل معها على أنها ذات فائدة للمرشحين فقط، وكأنهم أصحاب المصلحة الوحيدة فيها.
 
 
تاريخيا تشكل نسب التصويت في مدن الكتل الانتخابية الأكبر الأقل في المملكة، وهذا يتطلب من الأحزاب القائمة، والهيئة المستقلة للانتخاب دراسة الأمر، ومعرفة أسبابه وعوامله الحقيقية، بعيدا عن التخمين، والتوقع، فالمشاركة في الانتخابات حق وطني لكل مواطن، وما دامت هذه الانتخابات تؤثر على حياة الناس، فمن باب أولى أن يحرص كل مواطن على الـمشاركة فيها، ليساهم في رسم مستقبله بيده.
 
قضية الـمشاركة السياسية التي تتخد أشكالا عديدة تبدأ من الانتساب للأحزاب، وتمر بالـمشاركة الفاعلة في أي انتخابات سواء كانت نقابية، أو حزبية، أو نيابية، أو بلدية، ولا تنتهي عند  ذلك هي تتويج للشعور بالمواطنة الحقيقية، والانتماء الوطني الذي يعني الـمشاركة الإيجابية، واحترام القانون، والسعي للـمساهمة الوطنية في البناء، وأخذ الحقوق، والقيام بالواجبات.
لا أحد ينكر أننا مررنا ببلدنا الأردن ببعض الظواهر السلبية التي رافقت بعض الانتخابات، مثلما يحصل في أي بلد في العالم، وفي بعض الأحيان كانت هناك أخطاء كبيرة ساهمت ربما في تقليل ثقة جزء من الناس بالانتخابات، ومع ذلك، وحسب اعتقادي، وبناء على ما يراه كثيرون فإن هذا يجب أن يكون دافعا للمشاركة الأكبر، وللمطالبة الدائمة بتحسين العملية الانتخابية، وترسيخ العمل الحزبي، وإنضاج التجربة بشكل تدريجي كي لا نقفز في الهواء، ولنصل إلى مشاركة شعبية أكبر تساهم في دفع الشخص الأفضل إلى مواقع الخدمة العامة، ولنصنع قادة حقيقيين في الـمجتمع قادرين على إحداث التنمية، وحل الـمشكلات الوطنية، وتفجير طاقات الشباب، والـمبدعين القادرين على بناء الـمستقبل الحقيقي للوطن.
لن تكون الأمور وردية، ومثالية في غالب الأحيان، فهناك إحباط عند شريحة معينة من الناس، وهناك من يتحدث عن تجارب سابقة حصل فيها التزوير، أو التدخلات، أو قيام البعض باستثمار الـمال السياسي في الانتخابات، وهذا يجعلنا نصمم أكثر على إنجاح التجربة الانتخابية القادمة، ومن واجب النخب الأردنية أن تساهم أكثر في التوعية بأهمية الـمشاركة واختيار الأفضل، لأن أي شائبة تشوب الانتخابات ستؤثر على مخرجاتها وهذا له تبعات خطيرة على الوطن والمواطن بالدرجة نفسها.
يجب على الدولة الأردنية ترسيخ مفاهيم العدالة، والديمقراطية، والمساءلة، وبناء ثقافة تقبل الآخر عند الناس من خلال إطلاق الحريات العامة، والتشجيع على أجواء الحوار الوطني، وتصفير الـمشكلات مع المواطنين، والنضال من أجل إجراء انتخابات شفافة، وإذا كانت الظروف الـمحيطة بنا محبطة، ومليئة بالتحديات والمخاطر، فإن تقوية الجبهة الداخلية تكون بمزيد من الحرية، والشفافية، والعدالة لنصل فعلا إلى مرحلة تتصلب فيها الجبهة الداخلية أكثر، وتكون على قدر التحديات.
إذا وصلنا إلى مرحلة يدرك فيها المواطن أن عدم مشاركته في الاقتراع في أي انتخابات تقام في بلده ستشكل خسارة عليه، وأن الـمشاركة ستجعله قادرا على تغيير واقعه ومستقبله وقتها سيكون الوقت عاملا إيجابيا في زيادة نسبة الـمشاركة الشعبية، وفي ترسيخ العمل الحزبي.
لو كنت مكان الدولة الأردنية بكل مكوناتها لبحثت عن كل القضايا التي تقلل من ثقة المواطن بإيجابية ما يحصل من تجربة سياسية جديدة، ولأجريت مراجعة شاملة لها، ولأوقفت أي شكل من الأشكال التي تجعل المواطن يشعر أن التجربة ليست حقيقية، وأنها لن تقود إلى تحسين الوضع المعيشي له، وفي الـمقابل لا بد لنا جميعا أن ندرك أن الانتخابات الحرة النزيهة لم تعد خيارا، بل هي طريق يساعدنا في استكشاف الأخطاء، ووضع قطارنا على سكته، لحل مشكلاتنا.
لا نريد أن نقفز في الهواء، ولا يرغب أحد أن نجعل جبهتنا مكشوفة للآخرين، ولكننا في الوقت نفسه يجب أن نتعلم من دروس العالم في أن اختيار الأفضل في مواقع الدولة كلها بناء الـمعايير المهنية، يؤدي إلى تحسن الوضع المعيشي، والاقتصادي، والسياسي والاجتماعي للبلد، وعكسه صحيح.
ليس لدينا في بلدنا خيار للفشل، لأن النجاح في الانتخابات النيابية القادمة، وترسيخ التجربة الحزبية الجديدة سيؤسس لانطلاقة جديدة لدولتنا نتمكن من خلالها من تجاوز الكثير من العقبات التي تواجهنا وعلى رأسها القضايا الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، وتحديات الـمستقبل.
بلدنا وشعبنا يستحقان الأفضل، فهل نشارك أكثر لنحصل على الأفضل؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن هذه الأسئلة.