عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Dec-2019

ماذا يمكن أن يفعل الناجون من التواصل الاجتماعي؟ - إبراهيم غرايبة

 

الغد- يمضي الصحفيون لانتخابات نقابية جديدة، ولا يبدو أثر ما للسؤال الذي يشغل زملاءهم في كل أنحاء العالم عن مستقبل الصحافة والصحفيين، فالصحف تختفي من الحياة اليومية والسياسية، والإعلام الشبكي لا يريد الصحفيين، إذ يهيمن على متخذي القرار اليوم في السوق والأعمال والسياسة والاجتماع أن الاتجاهات لا يصنعها صحفيون متمرسون ولا تحليلات ونقاشات إعلامية ولا مقالات تعكس أو تصنع الجدل في المجال العام، لكنها ومضات مبهرة وجميلة، فعمليات الإعلام والسياسة والإعلان والتسويق تتحول من محتوى الجدل والإقناع إلى التأثير والانطباع والإبهار، ويتحول الصحفيون من بقي منهم إلى دخلاء على الإعلام الجديد، ليس لعجزهم عن مواكبة التقنيات والتحولات، لكن أزمتهم تاريخية، فلا أحد يريدهم، أو لا أحد يريد إعلام المحتوى، وليس من خيار أمام الصحفيين سوى الاندماج في موجة من الإبهار لا تقل خطرا عن التواصل الاجتماعي، التدريب على الريادة والمناظرات والتنمية والايجابية والتفاعل والتحفيز؛ هي في واقع الحال ليست سيئة، بل العكس هي جميلة وضرورية لكنها لسوء حظنا تأتي محصلة أو نتيجة لمراحل ومتطلبات سابقة، وما تفعله اليوم الحكومات والسفارات ومنظمات المجتمع المدني يشبه القفز إلى الدرجة الأخيرة من السلم، لا بأس بالطبع في النظر إلى النهايات والمآلات والتركيز عليها، لكن ليس بمحاولة الوصول إليها من أول خطوة، ولذلك سوف نهدر أوقاتا وموارد عزيزة حتى نكتشف أننا لم نفعل شيئا سوى الوهم!
إننا نتكيف وننسى أسرع مما نظن، ولم نعد نتذكر أو نلاحظ كيف تتحول المطابع إلى أمكنة مهجورة، وكأنها لم تغير العالم وتعصف بآلاف السنين من عصر وزراعة وحضارة راسخة متراكمة، معظم العاملين في الصحافة يتذكرون كيف كانت المطبعة في مبنى الصحيفة مثل هيكل مقدس، مجمع الأسرار والمعجزات الذي يحول كل منظومات اليوم، المقابلات والزيارات والمؤتمرات والكتابة والهواتف وما يصل عبر الوكالات.. أجهزة الوكالات التي كانت تمد المؤسسات ثم العالم بالأسرار والأخبار تحولت إلى خردة! ، العاملون في كواليس الصحيفة، المخرجون والطابعون والفنيون يختفون أو ينقرضون في هدوء، لا أحد يتذكرهم أو يعرف أين ذهبوا؟ لكن التحولات لا تقف عند الاعمال والتقنيات، إذ تتشكل اليوم فلسفة جديدة للحياة والعمل، ومعان جديدة لذاتنا ومواردنا، القصة ليست اختفاء الصحافة المطبوعة، لكنها حضارة جديدة مختلفة لا مكان فيها لكل هذه المؤسسات المركزية والعاملين فيها، فالعالم يتفاعل اليوم مع ما يجري بطريقة مختلفة، ربما تكون غامضة أو لا ندركها تمام الإدراك، .. وربما لا نريد أن نعترف بها.
نمضي إلى الانتخابات النقابية مثل ما نمضي إلى الهولوكوست، أو كأننا نسير في جنازة، كأننا نؤبن أنفسنا، الكتاب والشعراء والمراسلون والمعلقون والمحررون والمصورون والأدباء، .. والملاحق والإعلانات، والتسويق والاشتراكات، .. ويا لها من حقيقة صادمة وقاسية أن كل أولئك المهمشين حولنا وبيننا كانوا في مرحلة من الزمان قادة ونخبا مهمين ومؤثرين،.. هؤلاء المتسولون والمهمشون في أحزمة المدن وأحشائها وعشوائياتها، والذين لا نكاد نراهم وإذا رأيناهم نشفق عليهم أو نتجاهلهم؛ إنما هم من أحفاد الفرسان النبلاء الذين كانوا يحرسون الامبراطوريات وانقطعت بهم السبل، ومن علية القوم والنخب وأصحاب المهن التي كانت نبيلة، .. العيون الخارقة، والجمال الذي لا يخفيه الجوع والفقر، والصوت الجميل المبهر، والعزف المتقن، والأجساد المتناسقة مثل أعمدة الرخام، والعزلة الغامضة، والانكفاء النبيل على الذات، والكِبر الذي يتغطى باللامبالاة، وحتى التسول المهين، .. كل ذلك وغيره يحكي قصة طبقات ومهن وجماعات ونخب كانت تملك كل شيء، ولم تعد تعرف ذاتها.