عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Mar-2025

التربية قبل التعليم*محمود خطاطبة

 الغد

منذ أعوام، قدم وزير التربية والتعليم في ألمانيا، استقالته، عازيًا ذلك لسبب بسيط، يتمثل بإقدام أحد طلاب المدارس بقطف وردة من مكان عام، وإن كان هذا الفعل لا يتحمل مسؤوليته أبدًا الوزير المعني، إلا أنه ومن باب المسؤولية الأخلاقية أقدم على هذه الخطوة.
 
 
في المُجتمعات العربية بشكل عام، هذا الإجراء غير وارد أبدًا، حتى نحن كطلبة وأولياء أمور ومُعلمين ومُدراء مدارس، لا نُطالب بذلك، ولا حتى التلميح به، فهذه ثقافة لم نُمارسها في مجالات الحياة العامة، كما أننا لم نترب عليها.
 
مُناسبة هذه الكلمات، ما يحدث في مدارسنا، أكان اعتداء على مُعلمين من قبل طلاب أو أولياء أمور، أم اعتداء طلاب على بعضهم بعضًا، والتي كان آخرها إحراق طالبين لزميل لهما في إحدى المدارس الحُكومية، أم إقدام مجموعة طلاب بالتنمر على طالب ما.
ليس مُبالغة عندما أقول بأن سلوكيات وأخلاق الطلاب في مدارسنا الحُكومية في مراحل مُتأخرة، أو نستطيع القول بأنه يوجد “فوضى”، وهذه مسؤولية تقع على عاتق الجميع، بدءًا من الأُسرة، فالمدرسة، ثم المُجتمع المحلي (الحي الذي يقطنه ذلك الطالب)، وكذلك القوانين والتشريعات.
معلوم، بأن الجهة المسؤولة عن العملية التعليمية (الطلبة، المُعلمين، المدرسة)، هي وزارة التربية والتعليم، ومن اسم الوزارة يُلاحظ بأن التربية مُتقدمة على التعليم.. وهذا رد على الفئة التي تُحمل المسؤولية للأُسرة، فالطالب يقضى يوميًا ما بين أربع وخمس ساعات في المدرسة، ما يعني أن رُبع يوم الطالب يقضيه بين أيادي المُدرسين وداخل أسوار المدرسة، إذا ما استثنينا ساعات النوم، والتي تُقدر بثمان ساعات.
ذلك يضع مسؤولية كبيرة على المُعلم، أو المدرسة ككُل، في إخراج جيل يتحمل المسؤولية، ويُسهم بنهضة وبناء وطنه، وقبل ذلك يتمتع بأخلاق، يحترم من خلالها الجميع، أيًا كانت أفكارهم والمبادئ التي يؤمنون بها.
ولكي أكون مُنصفًا، فإن هذا الدور، الذي كان يقوم به المُعلم، في أعوام مضت، تراجع لأكثر من سبب، يقف على رأسها الأهل الذين يعتقدون بأن ابنهم يتمتع بكامل الأخلاق، ولا يرتكب أي حماقات أو أخطاء، وبالتالي فإن أي خطوة يُقدم عليها المُعلم أو المدرسة، فهي منبوذة من الأُسرة، ولا تتقبلها أبدًا.
كما أن القوانين والأنظمة ساهمت بذلك التراجع، فما أن يُقدم المُعلم على خطوة، حتى يتم مُلاحقته قضائيًا، وقد يُزج به السجن.. آمل أن لا يتم فهم كلماتي هذه بأنها دعوة إلى إعادة الضرب إلى المدارس، وإن كنت مُتيقنًا بأن هُناك مُبالغة بالابتعاد عن ذلك، كما كان هُناك مُبالغة في الضرب أيام زمان، فالتوازن والوسطية مطلوبان في كُل شيء.
لكي يتم مُعالجة مريض ما، فإن الخطوة الأساس تتمثل بمعرفة الداء، وأين موقعه في الجسد، حتى يتمكن الطبيب من إعطائه العلاج المُناسب، الأمر الذي يعني أن منظومة التربية والتعليم باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة، إن لم يتم وضع الأصبع على مكان الخلل، ومن ثم مُعالجته، لتقليل الأخطار المُترتبة في حال استمرار الوضع على ما هو عليه الآن.
وما يدل على صحة هذه الكلمات، يكفي أن تُشاهد عملية خروج الطلاب من مدارسهم، التي تتم بلا انتظام أو احترام للنظام، وتمزيق الكُتب المدرسية عند انتهاء العام الدراسي، فضلًا عن التنمر والمُشاجرات الفردية والجماعية.. كُل ذلك كان على أيام مضت تُعالج داخل أسوار المدرسة، لكن أتحدى أن مثل هذه السلوكات يتم مُناقشتها مع الطلاب في الوقت الحالي.
قد يقول قائل بأن هُناك تحولات اجتماعية، أثرت سلبًا على المنظومة الأخلاقية للطلاب ككُل، لكن حتى وبوجود تحولات اجتماعية، فإن المنظومة التعليمية حتمًا أصابها خلل، ولم تعد قادرة على تأدية واجبها التي وجدت من أجله.. ذلك كُله يوجب إعادة ترسيخ احترام المُعلم والمدرسة.