أولويات الأردن في ظل الظروف الراهنة*د. حسن عبدالله الدعجة
الغد
يمر الأردن في المرحلة الراهنة بتحديات داخلية وخارجية متعددة ومتشابكة، تتطلب إستراتيجيات محكمة وسياسات متوازنة للحفاظ على استقراره وتعزيز دوره الإقليمي. داخليا، يعاني الاقتصاد من ضغوط شديدة نتيجة البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، إلى جانب الحاجة لتحسين الخدمات العامة وتعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين. خارجيا، يتأثر الأردن بتداعيات الأزمات الإقليمية المحيطة، من الصراع السوري، والقضية الفلسطينية، إلى التحولات الجيوسياسية في المنطقة. هذه التحديات تفرض على الأردن وضع أولويات واضحة لتحقيق التوازن والاستقرار في الداخل وتعزيز مكانته في الخارج.
يعد الاقتصاد من أبرز التحديات التي تواجه الأردن، حيث يعاني من ارتفاع معدلات البطالة التي تجاوزت 22 % وأعباء الدين العام المتزايدة. لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، يجب على الحكومة التركيز على نمو مستدام يدعم القطاعات الإنتاجية، كالزراعة، والصناعة، والسياحة. كما يمثل تحسين بيئة الاستثمار أحد أبرز السبل لتحفيز الاقتصاد، من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية، وتحقيق الاستقرار القانوني، ومحاربة الفساد. في السياق ذاته، تأتي قضية البطالة كأولوية ملحة، إذ يحتاج الأردن إلى سياسات تدعم ريادة الأعمال وتوفر فرص عمل جديدة، لا سيما في القطاعات التقنية والصناعية.
الخدمات العامة تمثل بدورها جانبا حيويا يتطلب تحسينا مستمرا، خاصة في مجالات الصحة والتعليم. ينبغي تحسين جودة التعليم وربطه بمتطلبات سوق العمل، إلى جانب تعزيز البنية التحتية لقطاع الرعاية الصحية لضمان خدمات أفضل للمواطنين. كما أن تطوير البنية التحتية بشكل عام، مثل شبكة الطرق، وشبكات المياه والكهرباء، والاستثمار في قطاع النقل العام، يشكل خطوة ضرورية لتحسين جودة حياة المواطنين. إضافة إلى ذلك، يتطلب تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين تكريس الشفافية والمساءلة، والاستماع لمطالبهم ومشاركتهم في صنع القرار، مما يسهم في تعزيز الشعور بالمواطنة.
على صعيد محاربة الفساد، لا يمكن تحقيق إصلاح اقتصادي أو اجتماعي دون التصدي الفعال لهذه الظاهرة. يتطلب ذلك تعزيز دور المؤسسات الرقابية وضمان استقلاليتها لتحقيق العدالة والمساءلة، مما يعزز ثقة المواطنين في الدولة.
خارجيا، تظل القضية الفلسطينية في صدارة أولويات السياسة الخارجية الأردنية. يلتزم الأردن بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين والحفاظ على حل الدولتين الذي يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. كما يواصل الأردن دوره التاريخي في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس استنادا إلى الوصاية الهاشمية. هذا الدور يعكس التزام الأردن الدائم بالحفاظ على هوية القدس والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.
وعودة دونالد ترامب إلى السلطة قد تضع الأردن أمام تحديات استراتيجية تتعلق بمواقفه الثابتة في القضايا الإقليمية، خاصة القضية الفلسطينية. ترامب معروف بدعمه القوي لإسرائيل وسياساته التي أثارت جدلا واسعا، مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس وطرح «صفقة القرن»، التي رفضها الأردن بشدة. هذا قد يعيد الضغط على المملكة للموازنة بين علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والدفاع عن الوصاية الهاشمية والمصالح الفلسطينية. كما قد تواجه المملكة تداعيات أي تصعيد في العلاقات الأميركية-الإيرانية، التي تؤثر على استقرار المنطقة. تعزيز التحالفات الإقليمية والتأكيد على الثوابت الوطنية سيبقى مفتاح التعامل الأردني مع هذه المرحلة.
فيما يتعلق بالأزمة السورية، يسعى الأردن إلى دعم الحل السياسي الذي يضمن عودة الاستقرار وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين. في الوقت نفسه، يواجه الأردن تداعيات اقتصادية واجتماعية نتيجة استضافته لأعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، مما يتطلب دعما دوليا لمساعدته في تحمل هذه الأعباء. على مستوى العلاقات الإقليمية، يسعى الأردن إلى تعزيز التعاون مع دول الخليج، خاصة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، حيث تعد هذه العلاقات جزءا أساسيا من استراتيجيته للحفاظ على الاستقرار الإقليمي وتعزيز التنمية الداخلية. أما مع العراق، فيعمل الأردن على توسيع التعاون الاقتصادي، خاصة من خلال مشروع أنبوب النفط الممتد من البصرة إلى العقبة، والذي يعزز التكامل الاقتصادي بين البلدين.
الأردن أيضا ملتزم بمواجهة الإرهاب والتطرف من خلال تعزيز التعاون الأمني مع الدول الإقليمية والدولية، بما يضمن حماية حدوده ومنع أي تهديدات داخلية أو خارجية. في الوقت نفسه، يسعى إلى تحقيق توازن في علاقاته الدولية، خاصة مع الولايات المتحدة التي تقدم دعمًا اقتصاديًا وأمنيًا كبيرًا. كما يحرص الأردن على تعزيز علاقاته مع روسيا والصين، بما يتيح له توسيع خياراته الاستراتيجية وتعزيز دوره كلاعب إقليمي.
في ظل كل هذه التحديات، يمتلك الأردن فرصا يمكن استثمارها لتعزيز موقعه الإقليمي والدولي. يتميز بموقع استراتيجي يجعله وسيطا مهما في النزاعات الإقليمية، ويستفيد من استقراره السياسي النسبي لجذب الاستثمارات الأجنبية. إضافة إلى ذلك، يمكن للأردن أن يكون جزءا من مشاريع إقليمية كبرى، مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية. إلا أن التحديات ما تزال كبيرة، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والتوترات الجيوسياسية في المنطقة.
بشكل عام، يدرك الأردن أن مواجهة هذه التحديات تتطلب رؤية شاملة واستراتيجيات محكمة توازن بين الأولويات الداخلية والخارجية. داخليًا، يحتاج إلى التركيز على الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي لتعزيز ثقة المواطنين وتحقيق التنمية المستدامة. خارجيًا، يبقى الحفاظ على دوره الفاعل في القضايا الإقليمية والدولية، خاصة القضية الفلسطينية والأزمة السورية، ركيزة أساسية لسياسته الخارجية. قدرة الأردن على الموازنة بين هذه الأولويات ستحدد مدى نجاحه في مواجهة التحديات وتحقيق تطلعات مواطنيه في هذه المرحلة الدقيقة.