الغد-دينس روس* – (ذا ناشيونال إنترست) 12/3/2021
يطالب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، برفع العقوبات عن بلاده. وفي الآونة الأخيرة رفع الرهان وأعلن أن إيران ستقوم، إذا لزم الأمر، بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، أي أقرب إلى درجة السلاح النووي. ومن الضروري أن تثبت الإدارة الأميركية أن سعيها إلى عقد مفاوضات نووية لن يقيد المدى الذي ستكون مستعدة لقطعه لمواجهة استفزازات طهران في المنطقة.
* *
يطالب المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي برفع العقوبات عن بلده. ومن أجل ثني إدارة بايدن عن مقاربتها القائمة على الامتثال مقابل الامتثال، والتي لا يمكن بموجبها رفع العقوبات قبل أن يصحّح الإيرانيون مخالفاتهم لبنود “خطة العمل الشاملة المشتركة”، تبنى الإيرانيون سياسة “ضغط أقصى” أشبه بتلك التي انتهجها ترامب. ويتصرف قادتهم كما لو أن ممارسة الضغوط قد تؤتي ثمارها ولا تحمل الكثير من المخاطر.
فلننظر في نمط سلوك إيران في الآونة الأخيرة من حيث البرنامج النووي وسلوكها في الشرق الأوسط. في مطلع كانون الثاني (يناير)، أبلغ الإيرانيون “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وهي هيئة المراقبة النووية التابعة للأمم المتحدة التي تراقب برنامج إيران النووي، بأنهم سيبدؤون بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، وهو الخط الفاصل بين اليورانيوم منخفض التخصيب وعالي التخصيب. وبعد ذلك، أبلغوا الوكالة أيضاً بأنهم سيبدؤون بتصنيع معدن اليورانيوم، في خطوة محتملة باتجاه تصنيع نواة قنبلة. وحين لم يحرّك ذلك إدارة بايدن، رفع المرشد الأعلى الرهان وأعلن أن بلده سيقوم، إذا لزم الأمر، بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، أي أقرب إلى درجة السلاح. وفضلاً عن ذلك، أعلمت الحكومة الإيرانية “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أنها لن تلتزم “طوعاً” بعد الآن بالبروتوكول الإضافي الذي يتطلب تنفيذ عمليات تفتيش للمواقع النووية المعلنة وغير المعلنة. وبعد ذلك، حدّت الوصول المستمر إلى المعلومات حتى من المواقع المعلنة، مهددةً بأنها ستعلق بعد ثلاثة أشهر كل شيء في حال عدم رفع العقوبات. وفي حين وافق الإيرانيون على التحاور مع الوكالة بشأن ما تقول الأخيرة أنها تبريرات “غير مرضية” لآثار اليورانيوم المكتشفة في ثلاثة مواقع حيث يزعم الإيرانيون أنهم لم يعملوا فيها على برنامجهم النووي، رفضوا الدعوة الأوروبية لاستئناف الدبلوماسية بشأن برنامجهم النووي في إطار صيغة (5+1) غير الرسمية ما لم تعكس الولايات المتحدة العقوبات التي فرضها ترامب أولاً.
غير أن أفعال إيران المستفزة لا تقتصر على برنامجها النووي؛ فقد أصبحت بوضوح تطرح تهديدات أكبر بكثير على المنطقة في الوقت نفسه. وفي الواقع، كان الأمر وكأن الحرس الثوري الإسلامي، و”فيلق القدس”، هو ذراعه العاملة في الشرق الأوسط، قد أُعطيا الضوء الأخضر لإطلاق التهديدات في كل مكان. فقد احتجز سفينة كورية جنوبية قبل بضعة أسابيع وأوقفها عملياً مقابل فدية، مطالباً بأن تحرر كوريا الجنوبية 7 مليارات دولار من حسابات تمّ تجميدها بموجب العقوبات. وفي الآونة الأخيرة، أطلق صاروخاً على سفينة شحن ترفع علم جزر البهاما مملوكة لشركة إسرائيلية في خليج عُمان، وتشير التقارير إلى أن الحرس الثوري يقف وراء التسرب النفطي قبالة الساحل الإسرائيلي. وبالتوازي، كان الحوثيون، الذين يزودهم الإيرانيون بالطائرات المسيّرة والصواريخ الموجهة والباليستية، يزيدون وتيرة هجماتهم ضدّ السعوديين، حيث استهدفوا منشآت نفطية في رأس تنورة وجدة وينبع قبل بضعة أيام فقط، مما ساهم في ارتفاع أسعار النفط لتناهز 70 دولاراً للبرميل.
ومن جهتها، أطلقت الميليشيات الوكيلة الشيعية في العراق صواريخ وطائرات مسيّرة على العاصمة السعودية الرياض، حتى في وقت كانت فيه تلك الميليشيات نفسها تستهدف قواعد في العراق يستخدمها الأميركيون. وكان وابل الصواريخ عيار 107 ملم الذي أُطلق على إربيل في شمال العراق وتسبب بجرح جندي أميركي ومقتل مقاول غير أميركي، هو الذي دفع إلى اتخاذ القرار الأميركي بإطلاق ضربة محدودة وموجهة على البوكمال في الجانب السوري من الحدود العراقية.
وقال الرئيس جو بايدن إنه أمر بتنفيذ هذه الضربة لإظهار أن مثل هذه الهجمات لا يمكن أن تمر بلا عقاب وطلب من إيران “أن تكون حذرة”. ولغاية الآن، يختار الإيرانيون ألا يعيروا انتباهاً لهذه النصيحة، حيث أطلق أحد وكلاء طهران في العراق عشرة صواريخ على قاعدة عين الأسد في العراق -وهي نفسها التي ضربتها إيران وجرحت أميركيين العام الماضي، ولم يقتل أحد بأعجوبة، رداً على الاغتيال المستهدف لقائد فيلق القدس، قاسم سليماني، بأمر من إدارة ترامب. ويضاعف الإيرانيون رهاناتهم، معتقدين أن الضغوط ستنجح وتدفع الولايات المتحدة إلى تخفيف العقوبات بسبب رغبتها في تجنّب خطر اندلاع نزاع.
تواجه إدارة بايدن معضلة حقيقية. ويمكن فهم رغبتها بعدم الدخول في نزاع متصاعد بشكل مباشر أو غير مباشر مع الإيرانيين -سواء في العراق أو أي مكان آخر. ولا تريد في الوقت نفسه أن تبدو راضية عن العيش تحت تهديد هجمات متزايدة من الصواريخ والطائرات من دون طيار تستهدف الولايات المتحدة أو آخرين. وبقيامها بذلك -أو عند الانتقال إلى رفع العقوبات الآن- تكون قد أثبتت شرعية مكانة الحرس الثوري الإسلامي وفيلق القدس في إيران، وهذه طريقة لضمان ضغوط إيرانية أكبر واستجابة أقل.
في هذا الاختبار المبكر لإدارة بايدن، وفي ظل مراقبة الآخرين للكيفية التي سيستجيب الرئيس الأميركي وفريقه، يجب أن يدرك قادة إيران أنه لا يمكنهم تحقيق أي فوز من هذا الموقف. وبكل حكمة، أوضحت الإدارة الأميركية أنها لن تقدّم أي تنازلات أحادية للإيرانيين. ولكن عليها اللجوء إلى مزيج من الخيارات الدبلوماسية والقسرية التي تسفر عن ضغوط مضادة وإبقاء اللوم على إيران.
أولاً، عليها مواصلة التركيز على استعداد الولايات المتحدة للعودة إلى صيغة تفاوض (5+1) مع إيران حتى بينما توضح أن واشنطن لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي. على إدارة بايدن أن تثبت أمام المجتمع الدولي أنها مستعدة لعكس تداعيات انسحاب دونالد ترامب من “خطة العمل الشاملة المشتركة”. غير أن المفاوضات ضرورية، وخاصة لأن بعض الانتهاكات الإيرانية، مثل استخدام مجموعات متطورة من أجهزة الطرد المركزي، قد ولّدت دراية إيرانية بطرق لا يمكن عكسها -كما أن رفض إيران المشاركة وتسريعها لوتيرة برنامجها النووي تعززان احتمال اندلاع صراع. والأمر لا يتعلق فقط بممارسة ضغوط سياسية على إيران؛ إنه يتعلق أيضاً بحثّ القادة الإيرانيين على إدراك أن الولايات المتحدة تكيّف البيئة السائدة مع واقع أن واشنطن قد تضطر، في غياب الدبلوماسية، إلى استخدام القوة في نهاية المطاف لمنع إيران من المضي قدماً نحو صنع قنبلة نووية.
ثانياً، يجب أن تتوصل الإدارة الأميركية إلى موقف عام مشترك مع الحلفاء الأوروبيين ونقل رسائل خاصة. يجب أن يكون الموقف العام والخاص واضحاً وصريحاً: طالما تخرق إيران الاتفاق، وترفض الانضمام إلى منتدى تفاوض تنظمه مجموعة الخمسة زائد واحد، وتُطلق مباشرة -أو عبر ميليشياتها الوكيلة- صواريخ تستهدف القوات الأميركية أو العناصر الأميركيين، فإن أي رفع للعقوبات لن يكون ممكناً. على الإدارة الأميركية أن تحاول استمالة الروس والصينيين لنقل هذه الرسالة -ليس لأنهم يتطلعون إلى التجاوب مع الولايات المتحدة، وإنما لأنهم يتمتعون بنفوذ على إيران ولا مصلحة لديهم في أي تصعيد قد ينطوي على استخدام القوة الأميركية.
ثالثاً، على فريق بايدن تسليط الضوء على الميليشيات الشيعية التي تهدّد المدنيين العراقيين بضرباتها الصاروخية. وقد أصدر كل من الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بيانات إدانة بعد الهجوم على إربيل، لكن المزيد من هذه البيانات سيكون ضرورياً ومن المرجح أن تصدر بيانات أخرى قريباً، علما أن البديل الذي ستلجأ إليه الولايات المتحدة هو الرد عسكرياً على الوكلاء في العراق. وإذا استمرت هجمات الوكلاء، قد تحتاج الإدارة الأميركية حقاً إلى توجيه ضربات، ولكن عليها ألا تتسرع. الإدارة محقة بقولها إنها ستختار زمان وطريقة الردّ على مثل هذه الهجمات، محتفظة بزمام المبادرة وربما خلق ضبابية في أوساط الإيرانيين وميليشياتهم الوكيلة في العراق. ومع ذلك، وبما أن الرئيس بايدن قال في معظم الأحيان إن “الدول الكبرى لا تراوغ”، فإن أي بيان مماثل يحمل في طياته الحاجة إلى التحرك إلا إذا توقفت الهجمات فعلياً.
رابعاً، يجب أن تدرس إدارة بايدن الاتعاظ من كتاب إسرائيل بشأن قواعد اللعبة. فقد أطلقت إسرائيل عدداً لا يحصى من الضربات الجوية على أهداف إيرانية وأخرى تابعة لوكلائها الشيعة في سورية، لكنها نادراً ما تقرّ بها. لماذا لا تُدرج هذه الخطوة في إطار مجموعة الأدوات الأميركية؟ في الواقع، لا يجب الإقرار بكل عملية؛ لا يجب الإقرار بهجوم سري، بما في ذلك حتى ضربة عسكرية ضد موقع إيراني يدعم الميليشيات. وبهذه الطريقة، ستصل الرسالة إلى الإيرانيين ولكنهم لن يكونوا في وضع يُشعرهم بالحاجة إلى الردّ إلا إذا بدت طهران ضعيفة إن لم تفعل. ويجب أن يفهم المرشد الأعلى أن الحرس الثوري الإسلامي وفيلق القدس يلعبان بالنار، وهي نيران ستُحرق إيران إن لم يتمّ إخمادها. ومع مرور السنوات، أدرك علي خامنئي خطر المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة وتجنبها. وحالياً، يجب تأجيج نار هذه المخاوف من جديد.
يجب توجيه جميع هذه الخطوات نحو إقناع الإيرانيين بالتخفيف من حدة حملة الضغط التي يمارسونها واستئناف المفاوضات بشأن المسألة النووية. ولكن، حتى وإن نجحوا عموماً على الصعيد النووي، من المرجح أن تبقى الحاجة إلى ردع الهجمات الإيرانية العدائية في المنطقة قائمة. ويخشى الإسرائيليون والسعوديون والإماراتيون جميعهم مسبقاً أن تخسر واشنطن ميزتها حتى وإن تمسكت بصيغة الامتثال مقابل الامتثال ولم ترفع العقوبات المرتبطة بالملف النووي إلا بعد التزام إيران من جديد ببنود “خطة العمل الشاملة المشتركة”. في تلك اللحظة، سيسألون لماذا قد تقدّم إيران المزيد من التنازلات، سواء على الصعيد النووي أو فيما يتعلق بسلوكها في المنطقة حالما تزول الضغوط؟ لدى الإدارة الأميركية حجة جيدة بشأن البرنامج النووي: إذا كان رفع العقوبات هو الشيء الوحيد الذي يريده الإيرانيون فعلاً وحصلوا عليه من خلال العودة إلى الخطة، فبإمكان الولايات المتحدة في أي لحظة إعادة فرض العقوبات التي فرضها ترامب بعد التفاوض لفترة زمنية محددة (على سبيل المثال، من اثني عشر إلى ثمانية عشر شهراً) إذا أثبت الإيرانيون أنهم غير مستعدين للتوصل إلى اتفاق يخلف الاتفاق النووي.
*مستشار وزميل “وليام ديفيدسون” المميز في معهد واشنطن والمساعد الخاص السابق للرئيس أوباما.