التحرش بالنظر.. ”إیذاء“ نفسي یترك أثره.. وفتیات یخترن ”الصمت“ -
مجد جابر
عمان-الغد- الغضب والقھر.. مشاعر تسیطر على ریما عبدالله أثناء وجودھا بالعمل ویتسبب بذلك
زمیل لھا یعمل معھا بذات المكان، إذ تنزعج كثیرا حینما یتحدث معھا ونظراتھ لھا تكون غیر مریحة على الإطلاق.
ذلك الأمر بات یزعجھا لدرجة لا توصف، فھي تشعر من خلال نظراتھ بـ ”تحرش“ مباشر، رغم أنھا تتعمد أن تكون ملابسھا ملائمة جدا لطبیعة عملھا، وما یزید شعورھا سوءاً أنھا لا تستطیع أن تفعل معھ شیئا، فلیس ھنالك تھمة تحاسبھ علیھا، وربما ستضطر لأن تحرج نفسھا أو ألا یصدقھا أحد.
وتذھب ریما الى أن كل ما استطاعت فعلھ ھو تجنبھ قدر المستطاع، رغم أنھا تضطر أحیانا للتعامل معھ لأن ھنالك عملا مشتركا بینھما، ولابد من أن تصادفھ حتى أثناء مرورھا، وھو لا یترك فرصة إلا وینتھزھا للتحرش بالنظر مع باقي الموظفات.
ھند واحدة أخرى صادفت بأحد الأیام وھي تتسوق بالمول، رجلا ینظر لھا بطریقة ”دنیئة“، وكأنھا المرة الأولى التي یرى فیھا فتاة بحیاتھ.
غیر أن المحزن أكثر بالنسبة لھا ھو أن ھذا الرجل كان برفقة زوجتھ وأبنائھ الصغار، الأمر الذي جعلھا تستغرب من عقلیتھ التي لا تحترم عمره ولا زوجتھ ولا حتى أطفالھ ویخرج معھم لیتحرش بالفتیات بھذه الطریقة.
تقول ھند أنھا شعرت بضیق وقھر، لأن ھذا الشخص یؤذیھا ولا تستطیع ھي أن تحرك ساكناً، وترددت بأي خطوة تصعیدیة لأنھا لا تملك أي دلیل على أنھ یؤذیھا بنظراتھ بھذه الطریقة.
الكثیر من الفتیات یتعرضن للتحرش بـ ”النظر“ یومیاً سواء في مكان العمل أو في الشارع أو خلال استخدامھن لوسائل المواصلات وغیرھا الكثیر.
اختصاصیون اعتبروا أن التحرش من خلال النظر ھو من أبشع أنواع التحرش وأخطرھا لأن الفتاة لا تملك أي دلیل، وبالتالي القانون لا یعاقب علیھ، وفي أغلب الأحیان یتم رمي اللوم على الفتاة وطبیعة ملابسھا.
الخبیر في مواجھة العنف وحقوق الإنسان ومستشار أول طب شرعي الدكتور ھاني جھشان یشیر الى أن التحرش الجنسي ھو توجیھ كلام او إیماءات جسدیة او التودد او توجیھ طلبات تتضمن تلمیحات جنسیة غیر مرحب بھا من قبل الضحیة، مبینا أن لا فرق إن كان التحرش صراحة أو ضمنا، ولا إن كان من رجل مسؤول إداریا عن المرأة او من شخص غریب.
ویبین جھشان أن التحرش في بیئة عمل المرأة یحولھ لمكان منفر وعدائي للضحیة، لافتا إلى أن
ھناك العدید من العوائق الاجتماعیة والنفسیة والإداریة تمنع المرأة بكثیر من الأحیان عن الاعتراض او التقدم بشكوى إداریة او قضائیة نحو المتحرش.
وعلى الرغم من الجدل من أن ھناك بعض النساء لا یعتبرن التلمیحات او النكات المتضمنة، أنھا تلمیحات جنسیة وتحرش موجھ لھن، غیر ان التصرف مع النساء بھذه الطریقة لا یعتبر مقبولا بل مرفوضا.
ویرى جھشان النظرة حینما تتجاوز السلوك العفوي، وتتحول الى تحدیق طویل موجھة لجسد المرأة، فإنھا تعتبر حسب المراجع المسندة تحرشا جنسیا، وخاصة إذا كان ھذا التحدیق یستعرض جسد المرأة من الأعلى للأسفل او من الأسفل للأعلى، او إذا كان من الواضح ان التحدیق موجھ لمناطق محددة من الجسد، او رافقھ حركات أو أصوات، ویرتبط مثل ھذا التحدیق بشعور الضحیة بالاشمئزاز وعدم الارتیاح والفزع أحیانا.
وبشكل عام ھناك ”المسافة الشخصیة“ والتي یجب ان تتجاوز المتر، ومن المتوقع ان تكون في أماكن العمل ان كان للرجال او النساء، مقارنة مع ”المسافة الحمیمیة“ بین الأصدقاء والاقارب والازواج، ومن المتوقع ان یتم الالتزام بالحفاظ على ”المسافة الشخصیة“ في جمیع أماكن العمل، وفق جھشان.
وینص الباب السابع في الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة بقانون العقوبات الأردني، المادة 305 :یعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من داعب بصورة منافیة للحیاء (1( شخص لم یكمل الثامنة عشرة من عمره ذكرا كان أو أنثى. (2 (شخص ذكراً كان او انثى أكمل الثامنة عشرة من عمره دون رضا.
فیما جاءت المادة 306 :یعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشھر كل من عرض فعلا منافیا للحیاء أو وجھ اي عبارات او قام بحركات غیر اخلاقیة على وجھ مناف للحیاء بالقول او الفعل او الحركة او الاشارة تصریحا أو تلمیحا باي وسیلة كانت متى وقع الاعتداء على: (1 (شخص لم یكمل الثامنة عشرة من عمره. (2 (شخص ذكر كان أو انثى أكمل الثامنة عشرة من عمره دون رضا.
أما المادة 320 :تعاقب على خدش الحیاء العام (الفعل الفاضح) أي الجریمة موجھة ضد عموم المجتمع ولیس لھا علاقة بالتحرش الجنسي، ویعاقب بالحبس مدة لا تزید على سنة وبغرامة مقدارھا مائتا دینار كل من فعل فعلا منافیا للحیاء او ابدى اشارة منافیة للحیاء في مكان عام او في مجتمع عام او بصورة یمكن معھا لمن كان في مكان عام ان یراه.
تضاعف العقوبة إذا اقترف الفعل المنصوص علیھ في الفقرة (1 (من ھذه المادة من أكثر من شخص أو في حالة التكرار.
وفي ذلك یذھب الباحث والمستشار في قضایا المرأة عاكف المعایطة الى أن التحرش من خلال النظر ھو الأكثر انتشاراً، وخصوصاً في بیئة العمل وھذا بناء على التجارب والشكاوى التي تعرض علیھم.
وھو ما یطلق علیھ الأغلب ”البصبصة“ كتخفیف عن كلمة تحرش ویعتبرونھ أمرا مریحا كون القانون لا یعاقب علیھ، مبیناً أن ھذا الأمر یتعلق بسلوكیات الشخص أكثر، وھو یشعر الفتاة بمضایقة وانزعاج لأنھ نوع من أنواع التحرش.
ویبین المعایطة أن المرأة تمیز النظرة التي تعطي ایماءة بأن ھذا الرجل ینظر الیھا بطریقة معینة، لافتاً الى أن الانسان الخلوق لا ینظر للفتاة نظرات غیر مریحة مھما كانت طبیعة لبسھا.
ویشیر المعایطة الى أن القانون لا یعاقب على ھذا السلوك، وھو تحدیدا ما یجعل الشخص یبیح ذلك، لافتاً الى أن من یقوم بذلك ھو شخص یفتقد لـ ”الأخلاق“، وللأسف یتم إلقاء اللوم على الفتاة ولبسھا وتبریر ھذا الخطأ.
ویعتبر المعایطة ذلك ”التحرش“ ناتج عن أزمة أخلاقیة مقترنة بسلوك شخص معین، والأثر النفسي على الفتاة یكون كبیرا للغایة، إلا أنھا لا تبوح بالأمر لأن ما یثار بعد ذلك یكون أسوأ، فتختار للأسف السكوت وعدم الافصاح عما تشعر بھ.