عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Jan-2019

تــوجـــه أوروبــــي نــحــــو نــبـــذ العـنـــــف

 

افتتاحية- «كرستيان سيانس مونيتور»
الدستور - ربما يتسنى لدول القارة الاوروبية ان تتعلم بعض الدروس من رد الفعل الذي ابدته بولندا فيما يتعلق بمقتل احد المحافظين فيها، الى جانب سبل عدة تهدف الى التصدي لتعاظم مشهود في خطاب الكراهية. 
لقد لقنت بولندا قبل فترة وجيزة بقية دول اوروبا درسا رقيقا تجاه كيفية التعامل مع خطاب الكراهية وما يترتب عليه من تبعات بالضرورة. ففي الرابع عشر من شهر كانون الثاني الحالي، تعرض محافظ مدينة غدانسك البولندية باول اداموفيتش، لعملية اغتيال اثناء فعالية خيرية سنوية كانت تهدف الى تقريب المواطنين البولنديين بعضهم من بعض. وحسبما افاد معظم المعلقين على الحادثة، فان دوافع القاتل يمكن ان ترجع ببساطة متناهية الى المناخ السياسي السام في البلاد. وقد كان السيد اداموفيتش نفسه عرضة لعدد من التهديدات بالقتل على خلفية وجهات نظره تجاه المهاجرين. وقد صرح بالقول في مقابلة اجراها قبل فترة قصيرة: «عندما تنتهك النخبة بخطابها الحدود التي تفرضها الاخلاق، فانها بالتالي تسهم في وقوع المزيد والمزيد من اعمال العنف الجسدي».
وقد قال القاتل ان ما فعله كان نابعا عن شعور بالغضب وحب الانتقام، وهما عاطفتان تشيعان في الوقت الراهن في ثنايا الخطابات العامة بالقارة الاوروبية. اذن كيف استجاب البولنديون لمثل هذا التعبير العنيف عن الكراهية؟ قام الالوف من الاشخاص بالانضمام الى مسيرة صامتة تدعو الى نبذ الكراهية. علاوة على ذلك، قام اخرون كثر بالتبرع بالدم. وقد وقف برلمان البلاد دقيقة صمت. اما في مدينة غدانسك، التي اسهمت المسيرات السلمية التي جابت شوارعها في عقد الثمانينات من القرن الفائت في الاطاحة بالامبراطورية السوفييتية، فقد اكد الشعب على التزامه بالقيم الحضارية المدنية التي تستوجب الانفتاح والتسامح وهي القيم ذاتها التي تبناها المحافظ الذي تولى منصبه لفترة مديدة.
قام دونالد تاسك، رئيس الوزراء السابق الذي يشغل في هذه الاونة منصب رئيس المجلس الاوروبي، بمخاطبة حشد من الناس قائلا: «عزيزي باول، لقد كنت على الدوام مثالا حاضرا على الشجاعة وتقبل اراء الغير، مثلما كنت تقف وقفة صلبة في وجه الاشرار». وقد التقى نائب محافظ مدينة غدانسك، بيوتر كوالتشوك، عائلة المعتدي من اجل تقديم الدعم، اذ صرح قائلا: «نحن في حاجة الى ان نتيقن من انهم لن يقعوا ضحية للكراهية». كما ان الاحتجاج الشعبي اضطر الشرطة الى اعتقال عشرة اشخاص على الاقل ممن عرف عنهم على نطاق واسع التهديد الخطير بالاعتداء على شخصيات عامة. وفي سبيل تعزيز مبدأ مراجعة النفس الذي غالبا ما ينطبق في اعقاب وقوع مثل هذه المآسي، فقد حث الرئيس البولندي اندجي دودا شعب بلاده على التحقق من صحوة الضمير.
ان المنظومة الديمقراطية في بولندا هذه الايام منقسمة اشد الانقسام ما بين يمين ويسار، الامر الذي من شانه ان يخلق توترات اجتماعية وتهديدات تنشر على منصات التواصل الاجتماعي. على الرغم من هذا الامر، فان العديد من المواطنين البولنديين سعوا في اعقاب حادثة الاغتيال الى العثور على ترياق يقيهم خطر الكراهية النابعة من خلافات سياسية. لقد انتشرت الكلمات الاخيرة التي صدرت عن المحافظ الراحل في الفعالية الخيرية انتشارا ساحقا على مواقع التواصل الاجتماعي. اذ صرح بالقول: «غدانسك شيمتها الكرم، انها مدينة تثمن قيمة التكافل عاليا. يا له من توقيت مثالي لكي يعطي فيه المقتدر المحتاج قدر ما يستطيع». وخلال الحداد على مقتله، لا شك في ان الشعب البولندي قد وجد ما يقدمه: التاكيد على مبدأ التحضر اللازم من اجل الحد من موجات الكراهية التي تغزو الحياة العامة.