عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Mar-2019

عندما صدق الإخوان أوهامهم* زيد النابلسي
مدونة 
على الرغم من حجم الأهوال والمآسي والدمار الذي تسببت به الثورة الوهابية الصهيونية في سوريا، إلا أنه ومن كلحة السواد وفي خضم الأحزان، لا بد أن نبرز الجوانب المضيئة أيضاً وننظر بقدر المستطاع إلى الزوايا المشرقة بين أكوام الحطام...
 
أحد أهم هذه الآثار الإيجابية في رأيي خلال الثماني سنوات الماضية هي الانكشاف التام لحركات الإسلام السياسي وسقوط ورقة التوت عنها نهائياً...
 
فقد تم فضح هذه الحركات على حقيقتها وتعريتها كلياً أمام شعوب المنطقة بطريقة لم تكن ممكنة أو متخيلة لولا هذه الحرب وتبعاتها على المنطقة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، الرحم الذي أنجب كافة التنظيمات الجهادية الإرهابية كتنظيم القاعدة ومشتقاتها...
 
الأمثلة كثيرة، وسأحاول سرد ما تيسر منها...
 
قبل خمسة عشر عاماً، عندما كنت أهاجم السرطان الوهابي أو أكتب عن غزوه لمجتمعاتنا، كان أغلب الناس في العالم لم يسمعوا كلمة "وهابية" في حياتهم، بل وحتى كان بعضهم يظنني أتحدث عن تأثير الموسيقار والملحن المصري محمد عبد الوهاب!!
 
أما اليوم فلم يبق أحد في هذا الكوكب إلا وتعرف على أصل الداء ومصدر البلاء بالإسم والعنوان والهوية، وهذا بحد ذاته إنجاز عظيم لا يستهان به...
 
في الأردن مثلاً، الانكشاف الأول جاء قبل الحرب على سوريا، في عام 2006 تحديداً، عندما عزّى قادة الإخوان المسلمين بمفجر فنادقنا وأعراسنا أبو مصعب الزرقاوي ووصفوه بالشهيد البطل في تحدي سافر لمشاعر الأردنيين المكلومين بتلك الفاجعة...
 
ولكن مع بداية الحرب على سوريا في 2011 اختلفت الصورة، فعندما صدق الإخوان أوهامهم بأن النظام في دمشق أيامه معدودة، اشتد أزرهم وأفصحوا عما في قلوبهم و"بقّوا البحصة"...
 
 فبينما كان الأردنيون يتداولون مقاطع جز الرؤوس اليومية وذبح الأبرياء على الهوية الطائفية بالسيوف والسواطير، خرج علينا دكتور الشريعة في الجامعة الأردنية ليقول لطلابه مادحاً أعضاء تنظيم القاعدة بأنهم "ربما يُستسقى بهم الغمام"...
 
ثم ازداد طينهم بلة عندما رفض أحد أهم قادة الإخوان المسلمين في مقابلة تلفزيونية إدانة داعش بالإرهاب رغم إلحاحات المذيع المستمرة لانتزاع هذه الإدانة من لسانه...
 
ومع أن إخوان الأردن اضطروا اضطراراً لتعديل هذا الموقف من داعش بعد جريمة حرق الشهيد معاذ الكساسبة، إلا أنهم ظلوا يدعون بالنصر "للمجاهدين في سوريا" في كل خطبة جمعة، ولا زالوا حتى اليوم يؤيدون جبهة تحرير الشام ومسمياتها وتفريخاتها علناً دون مواربة، لدرجة أن الجنسية الأردنية تصدرت أعداد القياديين والمحاربين في هذه التنظيمات الإرهابية...
 
ثم جاءت جريمة اغتيال الشهيد ناهض حتر وما سبقها وما لحقها من تحريض وهستيريا تكفيرية كشفت للكثير من الأردنيين حجم الدعشنة الكامنة لدى أفراد وأتباع هذه الجماعات ومدى حقدها وطائفيتها واستعدادها لتبرير القتل ومباركته من أجل تصفية خصومهم السياسيين...
 
في مصر أيضاً، تمادى الإخوان في غرورهم في تلك السنة اليتيمة التي اعتلوا فيها كرسي الحكم في حزيران 2012، فأفرج رئيسهم المخلوع عن منفذي مجزرة الأقصر التي ذبح فيها 62 سائحاً أوروبياً عام 1997 وعيّن قائد العملية محافظاً للأقصر نفسها، وأفرج كذلك عن قاتل فرج فودة وسمح له بالسفر للجهاد في سوريا حيث أرسله حماة الديار إلى حوريات الجحيم...
 
ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير في مهرجان الإرهاب في استاد القاهرة في حزيران 2013 عندما أعلن مرسي الجهاد في سوريا وقطع العلاقات الديبلوماسية مع رفاق السلاح في الجيش الأول (كما أطلق عبد الناصر ذلك الإسم على الجيش العربي السوري أثناء الوحدة بين البلدين)، ليثور الشعب المصري علي حكم هذه الجماعة بعدها بأيام قليلة في ثورة يونيو المجيدة ويلقي بهم إلى مزبلة التاريخ...
 
بعد سقوط حلم الإخوان في إطباق الكماشة على الأردن عن طريق إخوان مصر من الجنوب وإخوان إردوغان وسوريا من الشمال، توالت الهزائم والخيبات والفضائح على الإسلاميين بشكل أقرب للكوميديا السوداء...
 
فخرج كاهنهم الأكبر ذات خطبة جمعة من الدوحة في تسجيل منتشر يتوسل الأمريكان "وقفة للرجولة، وقفة لله"، ثم طمأن أمريكا بجملته المشهورة:
 
"أمريكا تخاف على إسرائيل؟؟؟ إن الناس تنتصر في سوريا، بعدين يذهبوا إلى إسرائيل؟؟؟ منين جبتم هذا الكلام؟!؟!؟"
 
وهنا كانت الإشارة واضحة لثوار القرضاوي بأن لا يخجلوا وأن يأخذوا راحتهم بالتداوي في مشافي نتنياهو والتقاط الصور التذكارية معه واستلام المال والسلاح من حكومته لقتال العدو النصيري المجوسي في دمشق...
 
ثم لاحقت الفضائح الجنسية رموزهم، فتورط أحمد منصور مذيع الجزيرة الذي استمات في تلميع أبا محمد الجولاني على قناته الإرهابية بدعوى أقامتها عليه سيدة مغربية من حزب العدالة والتنمية الإخواني كان قد احتال عليها بزواجه منها عرفياً في السر وقضاء شهر عسل معها في باريس وإسطنبول ثم هجرها كلياً...
 
واعتقلت السلطات الفرنسية إبن إبنة حسن البنا السويسري طارق رمضان بتهمة اغتصاب فتيات في غرفة فندقه، وواجهته بالأدلة الدامغة مما اضطره للاعتراف بالمواقعة الجنسية ولكن مع الادعاء بأنه جامعهن رضائياً، علماً بأن إحدى الضحايا كانت فتاة مقعدة على كرسي متحرك!!
 
وكذلك فاحت رائحة فضائح جنسية أخرى لهم في المغرب، ليكتشف الناس أن من يحرمون حتى السلام باليد على المرأة لهم معها صولات وجولات وعقد وأمراض مستعصية... 
 
ثم جاءت الخاتمة الجميلة عندما قرر محمد بن سلمان محاربة الوهابية والانقلاب على كهنتهم ومشعوذيهم والانتقال ببلاده إلى عصر ما بعد التخلف الديني، وهنا تسارع الانهيار وانقلبت الموازين وانعكست الفتاوى، وما كان حراماً مستطيراً أصبح سنة مستحبة، فتبين مرة أخرى لعامة الناس كيف أن كل ما قيل لهم عن الحرام والحلال منذ نعومة أظفارهم يمكن قلبه وعكسه بجرة قلم بأمر من السلطان، حتى أن العريفي نفسه الذي أقسم أنه رأى الملائكة على خيول بيضاء تحارب مع الثوار في سوريا تم إخراسه وحصر نشاطاته في دعايات الطناجر والعطور...
 
يتبين لنا بعد هذا العرض بأن الهزائم العسكرية للمتأسلمين في ميادين القتال هي ليست الانتصارات الوحيدة التي تحققت أثناء الحرب على سوريا، بل أن الانهيار الحقيقي حصل خارج أرض المعركة؛ في وعي الجماهير وعقولهم، ومن خلال اكتشاف عدد كبير منهم زيف هذه الحركات الدموية وخطرها على المجتمعات التي تمارس فيها دجلها وتدليسها وخداعها للناس بإسم الدين، ومما ساعد على تسارع هذا الانفضاح كالنار في الهشيم بسرعة الضوء كان ثورة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي على كل هاتف محمول...
 
إذاً أيها الأحباء، ليس كل ما حصل في السنوات الأخيرة كان شراً مطلقاً، بل وعسى أن تكرهوا شيئاً قد يكون خيراً لهذا المشرق وبداية رحلة خلاصه من سطوة الوباء الوهابي الخبيث...
٤:٣١ م