الغد-زايد الدخيل
فيما أنهى اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت بين حزب الله وإسرائيل، المواجهة الأعنف منذ سنوات بين الجانبين، تتساءل أوساط سياسية حول ما إذا كان هذا الاتفاق سيؤدي إلى هدنة دائمة، أم سيستأنف الطرفان الحرب، في حين رجح مراقبون الخيار الأول، سيما وأنه سيخضع لإشراف دولي بقيادة الولايات المتحدة.
وبعد 66 يوماً من معارك بين الطرفين، أدت جهود دولية قادتها واشنطن إلى التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، والذي دخل حيز التنفيذ أول من أمس.
وهذا الاتفاق الذي يعد انتصارا نادرا للمساعي الدبلوماسية في المنطقة، بحسب مراقبين، يهدف إلى إنهاء مواجهات عبر الحدود، والتي أسفرت عن استشهاد 3768 شخصا على الأقل في لبنان منذ اندلاعها العام الماضي، بالتزامن مع اشتعال الحرب في غزة، وفقا لوزارة الصحة اللبنانية.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي الدكتور صدام الحجاحجة إن طرفي الحرب ظهرا مستعدين لقبول وقف إطلاق النار استناداً إلى أحكام قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي تم تمريره لإنهاء حرب لبنان عام 2006، وكان من المفترض وقتها أن ينسحب حزب الله من الحدود ليحل محله جنود حفظ السلام التابعون للأمم المتحدة والقوات المسلحة اللّبنانية، ومع بدء انتشار هذه القوات في المناطق القريبة من الحدود، ستنسحب القوات الإسرائيلية تدريجيا.
وأضاف الحجاحجة: "النجاح العسكري هو واحد من عوامل عدة اجتمعت لإقناع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بأن الوقت قد حان لوقف الحرب على الجبهة الشمالية، إذ إن أجندة تل أبيب في لبنان أقل طموحا مقارنة بقطاع غزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهي تهدف إلى دفع حزب الله بعيدا عن حدودها الشمالية، والسماح للمدنيين بالعودة إلى البلدات في شمال البلاد".
وتابع: "إذا قرر حزب الله مهاجمة إسرائيل مجددا، فإن الأخيرة لديها رسالة من الأميركيين مفادها أنه يمكنها اتخاذ إجراءات عسكرية تجاه الحزب"، مرجحا تحول الاتفاق المؤقت إلى هدنة دائما، خاصة أنه سيخضع لإشراف دولي بقيادة الولايات المتحدة.
وزاد: "الاتفاق أنهى حربا تطورت على نحو هائل، بحيث لم يعد حال حزب الله ولا جغرافيا الجنوب اللبناني، وضاحية بيروت الجنوبية، كما كانت من قبل، وهو أمر يعد سببا رئيسيا لضمان تحول اتفاق إطلاق النار المؤقت إلى هدنة دائمة".
من جهته، يقول عميد كلية القانون السابق في جامعة الزيتونة الدكتور محمد فهمي الغزو، يشكل اتفاق الهدنة فرصة لمختلف أطراف الصراع لتقييم موقفها وممارسة الجهود اللازمة من أجل الدفع في اتجاه دوام وقف إطلاق النار.
وتابع: "بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، سيتم تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية لحزب الله، ومصادرة جميع الأسلحة غير المصرح بها التي لا تتوافق مع التزامات الهدنة، وستكون قوات الأمن والجيش اللبناني الرسمية هي الجهات المسلحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو تشغيل القوات في جنوب لبنان، وهو أمر بمثابة ضمان لبناني وتحت إشراف دولي لتنفيذ الاتفاق وتزايد فرصة تحوله لاتفاق دائم".
وبالنسبة لصمود الاتفاق وضمان تحوله إلى سلام دائم، قال الغزو إن نجاح الاتفاق وصموده يعتمدان على عوامل عديدة أهمها توقف إيران عن التدخل في الشأن اللبناني، وإمداد حزب الله بالسلاح، خاصة أن لبنان أمام فرصة للنهوض مجددا، والعودة إلى دوره الريادي في المنطقة والعالم، ما يتطلب انتخاب رئيس جديد للبلاد الذي سيعيد الانتظام لعمل مؤسسات الدولة.
واستكمل: "اتفاق وقف إطلاق النار يمثل أول خطوة رئيسية نحو إنهاء الصراع الذي تشهده المنطقة، بعد اندلاع الحرب على غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي"، مشددا على الأهمية البالغة لوقف التصعيد في المنطقة، وأنه لا توجد أي حلول عسكرية للأزمات في الإقليم وإنما من خلال التفاوض والحوار وإعادة الحقوق لأصحابها، والالتزام بمبادئ القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني والشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، من خلال عملية سياسية جادة وفي إطار زمني محدد يقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني الفلسطيني وإنهاء الاحتلال.
بدوره، يرى الدكتور علاء حمدان الخوالدة، أن إسرائيل استطاعت قطع الارتباط بين قطاع غزة ولبنان، ليصبح تركيزها الآن على ما تسميه "التهديد الإيراني"، فإلحاق الضرر بحزب الله يعني إلحاق الضرر بإيران، إذ إن الحزب تأسس على يد الإيرانيين لخلق تهديد على حدود إسرائيل، وأصبح حزب الله أقوى جماعة في محور المقاومة الإيراني، وهو الاسم الذي أطلقته إيران على شبكة من حلفائها ووكلائها في المنطقة.
وتابع: "إستراتيجية الردع التي تبناها حزب الله وإيران كانت تتماشى مع إستراتيجية الردع الإسرائيلية لنحو 18 عاما بعد نهاية حرب عام 2006، لكن مع التغيرات العميقة التي أحدثها السابع من أكتوبر، قابل عزم إسرائيل على عدم قبول أي قيود على الحروب التي قد تشنها، إخفاق حزب الله وإيران في فهم ما يجري، ولم يدركا كيف تغيرت إسرائيل، بل كانا يسعيان لفرض حرب استنزاف على إسرائيل، ونجحا في ذلك لمدة تقارب العام، غير أن إسرائيل استطاعت الخروج من هذه الحرب في 17 أيلول (سبتمبر) الماضي، حين قامت بتفجير أجهزة الإرسال التي يستخدمها عناصر حزب الله للتواصل فيما بينهم".
وأضاف: "وقتها فقد الحزب توازنه، وقبل أن يتمكن من الرد بأقوى الأسلحة التي تحصل عليها من إيران، قامت إسرائيل باغتيال أمينه العام حسن نصر الله ومعظم قادة الحزب البارزين، ونفذت العديد من الغارات التي دمرت مستودعات الأسلحة للحزب، ثم غزت جنوب لبنان ودمرت قرى الحدود اللبنانية بشكل كامل، بالإضافة إلى أنفاق تابعة لحزب الله كما أعلنت، وهو أمر يعد بالنسبة لتل أبيب ضمانا لهدنة دائمة بعد تدمير البنية العسكرية للحزب، وقطع طرق إمداداته مع طهران".
وأوضح الخوالدة أن وقف الأعمال العدائية لا يعني أن الاتفاق عبارة عن هدنة مؤقتة، فبعد حرب تموز 2006، استمر الهدوء على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية لمدة 18 عاما بموجب القرار 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن وقتها، معتبرا أن الاتفاق الجديد يمكن إدراجه في إطار وقف النار لمدة طويلة دون أن يرقى إلى مستوى وقف كامل للحرب.
واستكمل: "واشنطن تعهدت بضمان التنفيذ الكامل للاتفاق، إذ أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن "واشنطن تعهدت بدعم كامل من فرنسا وحلفائنا الآخرين، بالعمل مع إسرائيل ولبنان لضمان التنفيذ الكامل لهذه الترتيبات - أي تنفيذ الاتفاق بالكامل".
وزاد: "عندما تنتهي مدة الـ60 يوما التي من المفترض أن ينسحب خلالها الجيش الإسرائيلي من لبنان، سيكون الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب قد عاد إلى المكتب البيضاوي، والذي أشار إلى أنه يريد وقف إطلاق نار في لبنان، لكن خططه لم تتضح بعد".