عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Oct-2025

صراع المبادرات الدولية في الملف الفلسطيني*حسن الدعجة

 الغد

في سياق التطورات السياسية المتسارعة على الساحة الفلسطينية، تبدو مبادرات الإدارة الأميركية بقيادة ترامب وخططها تجاه غزة، مقارنة بالمؤتمر الدولي تحت رعاية فرنسية سعودية حول حل الدولتين، ذات نقاط التقاء واختلاف مهمة، كما أن غياب الدعم الأميركي عن هذا المؤتمر، وتبعات مؤتمر شرم الشيخ، تثير تساؤلات عميقة حول موازين النفوذ والدور الدولي في القضية الفلسطينية.
 
 
أولاً، من حيث الأهداف الكبرى، تختلف مبادرة ترامب جذريا عن الخطة الفرنسية-السعودية في رؤيتهما لمستقبل القضية الفلسطينية. فخطة ترامب لم تتضمن الإشارة إلى حل الدولتين أو الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، بل ركزت على ترتيبات أمنية وسياسية تهدف إلى إنهاء النزاع عبر إجراءات ميدانية، مثل وقف إطلاق النار، والإفراج عن الأسرى، وانسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من بعض المناطق، وتشكيل حكومة انتقالية في غزة تحت إشراف دولي، مع ضمانات أمنية لإسرائيل ودور أميركي مباشر في إدارة المرحلة. في المقابل، جعل المؤتمر الدولي برعاية فرنسية-سعودية من حل الدولتين جوهر رؤيته، مؤكدا على حق الفلسطينيين في دولة مستقلة ذات سيادة، وداعيا المجتمع الدولي إلى الاعتراف بها ودعم مؤسساتها وتمكينها لمواجهة التحديات السياسية والأمنية. ومن هنا، يتضح أن الفارق الجوهري بين الطرفين لا يكمن في الوسائل فحسب، بل في الغاية نفسها: فبينما تسعى خطة ترامب إلى «إدارة الصراع» وفق شروط أمنية، تعمل المبادرة الفرنسية-السعودية على «حل الصراع» من خلال إقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليًا.
لكن الفوارق تكمن في الأسلوب والتنفيذ والامتيازات والضمانات. خطة ترامب تتسم بوجود تفويض كبير للقوة الأميركية والدور المباشر، خصوصًا في غزة، حيث اقترح ترامب سابقا أن تتولى الولايات المتحدة إدارة الأوضاع في القطاع  عبر لجنة دولية خلال فترة انتقالية، مع إعادة إعمار ضخمة وتنسيق أمني دولي ودمج لا مركزي للقطاع في الدولة الفلسطينية لاحقًا
هذا الجانب يعطي الخطة طابعاً تنفيذياً قاسياً مع تدخل كبير في السيادة، وهو ما أثار اعتراضا عربيا على مدار العام 2025. بالمقابل، المؤتمر الفرنسي-السعودي يتبنى لغة أكثر تشاورا وأقل فرضاً خارجيًا، ويركز على التزام الدول بدعم المؤسسات الفلسطينية، والاعتراف بدولة فلسطين كأساس شرعي لحل الدولتين، مع دعوة إلى دور دولي عبر الأمم المتحدة، دون أن يحدد دولة واحدة تفرد دورا تنفيذيا مطلقا.
علاوة على ذلك، خطة ترامب تشترط على حركات مثل حماس نزع سلاحها وتسليم السيطرة إلى السلطة الفلسطينية، وهو شرط صارم في التنفيذ، بينما المؤتمر الفرنسي-السعودي يدعو إلى تفعيل السلطة الفلسطينية وإصلاح مؤسساتها وتمكينها، لكنه لا يقدم خطة مفصلة لذلك، بل يترك الأمر إلى معادلة التفاوض والدعم الدولي.
ثانيًا، من زاوية الشرعية والتأثير الدولي، تميل مبادرة ترامب إلى استثمار نفوذ واشنطن وحدود ارتباطها مع إسرائيل لتقديم رؤيته بديلاً قادراً على التطبيق، لكن هذا يضع الخطة في مواجهة الاعتراض العربي والإقليمي إذا بدا أنها تكرس التفوق الأميركي أو الإسرائيلي على حساب الحقوق الفلسطينية. أما المؤتمر الدولي برعاية فرنسية-سعودية، فيحاول تقديم إطار «مساحة دولية» تشارك فيه الدول العربية والغربية، ويستخدم آليات الأمم المتحدة لتضخيم الشرعية، وهو ما قد يمنحه قبولًا أوسع في المحافل الدولية، لكن مع ضعف في القدرة التنفيذية الفعلية.
أما سؤال غياب الدعم الأميركي عن المؤتمر الدولي، فله أبعاد عديدة. أولها أن الإدارة الأميركية لا تريد أن تُظهر أنها مقيدة بمبادرات دولية قد تتعارض مع خطط ترامب أو توقعات إسرائيل، كما أن واشنطن تفضل أن تطرح مبادراتها بنفسها ولا تخضع لهيمنة محور دولي مواز. ثانيًا، الولايات المتحدة غالبًا ما ترى مثل هذه المؤتمرات بأنها تغلب على الشرعية الأميركية أو قد تُستخدم كمنصة لانتقادات ضد إسرائيل، لذا تفضل الامتناع أو التستر عن المشاركة.
ثالثًا، في حالة مؤتمر الدولتين، هناك احتمال أن تكون شروطه وتوصياته تتضمن قرارات أو التزامات تُعدّ مناقضة لمواقف أميركية أو لإسرائيل، مما يجعل الولايات المتحدة ترفض الانخراط أو تقديم الدعم المباشر. في الواقع، عند انعقاد مؤتمر الدولتين في يوليو 2025 برعاية فرنسية-سعودية، أعلنت واشنطن أنها لن تشارك، بل حذّرت الدول من قرارات من جانب واحد قد تُلحق الضرر بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة.
أما بخصوص مؤتمر شرم الشيخ، فهو في ظاهره يمثل وجهًا دوليًا لرعاية تصالح شامل بعد النزاع في غزة، ويضم الولايات الكبرى، لكنه من زاوية القضية الفلسطينية قد يُصور على أنه تهميش للدور الفرنسي أو الدولي غير الأميركي، إذا كان يُنظر إليه كمحفل يُعطى دورًا مركزياً لجهات معينة (مثل الولايات المتحدة، أو مصر، أو دول عربية معتمدة على الولايات المتحدة). لكن ليست هناك مؤشرات قوية أن الهدف كان استبعاد فرنسا عن الملف الفلسطيني: ففرنسا شاركت في مؤتمر شرم الشيخ بجانب دول أخرى، وهي جزء من المبادرة الدولية الداعمة لخطة ترامب وأفكار المؤتمر الفرنسي-السعودي. ومع ذلك، من الناحية السياسية قد يُنظر إلى أن التأكيد على قمة تقودها واشنطن ومصر قد يقلل من وزن المبادرات التي تقترح أطرًا دولية متعددة وتعددية، وهو ما قد يشكّل توهجًا في المنافسة الدبلوماسية بين الأطراف الفاعلة على قيادة الملف الفلسطيني.
بالتالي، يكمن الاختلاف الجوهري بين الجانبين في الهدف الأساسي ذاته قبل آليات التنفيذ والتفويض الخارجي. فخطة ترامب لم تتضمن إنشاء أو الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، بل ركزت على ترتيبات أمنية وإدارية تضمن الهدوء وتوسع النفوذ الأميركي والإسرائيلي في غزة، مع وعود بإعادة إعمار مشروطة وإشراف مباشر على القطاع. في المقابل، تسعى المبادرة الفرنسية-السعودية إلى ترسيخ حل الدولتين بوصفه الإطار الشرعي الوحيد، وتعمل على بناء إجماع دولي ودعم مؤسسات الدولة الفلسطينية سياسيًا واقتصاديًا.
ومن هنا، يظهر التباين العميق بين رؤية أميركية تركز على السيطرة الميدانية وترتيبات الأمر الواقع، ورؤية فرنسية-سعودية تراهن على الشرعية الدولية والمفاوضات. رفض واشنطن دعم مؤتمر الدولتين يعكس تمسكها بدور القيادة المنفردة للحل وتجنبها الالتزام بقرارات قد تحد من نفوذها أو تُغضب إسرائيل. أما مؤتمر شرم الشيخ، فرغم أنه قد يبدو إعادة تموضع للقوى المؤثرة في الملف الفلسطيني، فإنه لا يشكّل إقصاءً مباشراً لفرنسا بقدر ما يعبر عن تنافس واضح على من يمتلك زمام المبادرة في عملية السلام ويحدد مسارها المستقبلي.