عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-May-2025

عربة جدعون*إسماعيل الشريف

 الدستور

أما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبقِ منها نسمة. بل تُحرّمها تحريمًا: الحثيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين كما أمرك الرب إلهك- سفر التثنية.
 
تدخل الإبادة الجماعية في غزة مراحلها الأخيرة، إذ أطلق الكيان الصهيوني عمليته البرية الواسعة النطاق لاحتلال غزة، وأطلق عليها اسم عربة جدعون.
 
وهو اسم توراتي يُطلق على جدعون، الملقّب بـ»المدمّر» و»المبيد»، فقد أباد المديانيين بالكامل بعد أن قلّص عدد جنوده من الآلاف إلى ثلاثمئة فقط، مستخدمًا الدهاء والخداع.
 
كانت هذه العملية قد وُضعت منذ اليوم الأول للإبادة، لكنها ظلّت سرية حتى أعلنها مجرم الحرب نتن ياهو، الذي يقدّم نفسه كمنقذ للكيان وأحد أبطال التوراة.
 
لم يَرتَوِ الكيان منذ ثمانية عشر شهرًا من تدمير البنية التحتية والمنازل واستهداف المدنيين، دون أي اكتراث للعواقب القانونية أو الأخلاقية أو الضغوط الدولية. لكنه اليوم يعلن صراحة أنه سيبيد السكان ويطرد من بقي منهم، عبر التجويع أولًا، ثم القصف، وأخيرًا بالاجتياح البري.
 
لكن هذه العملية تصطدم بمقاومة شرسة ألحقت بالعدو خسائر كبيرة، مما يدل على أن كلفة الاجتياح ستكون باهظة جدًا. ومع ذلك، فإن نتن ياهو مستعد لتحمّل هذه الكلفة في سبيل بقائه وبقاء حكومته المتطرفة على سدة الحكم، إذ إن التراجع قد يعني انهيار حكومته وتعريضه لمحاكمات قد تنتهي به خلف القضبان.
 
هذه العملية، على خلاف الاستراتيجية السابقة التي كانت تقوم على اغتيال قيادات حماس واحتلال مناطق محدودة من القطاع ثم الانسحاب منها، إلى جانب الغارات الجوية المكثفة، تهدف إلى احتلال مناطق واسعة من غزة والبقاء فيها، دون أدنى اعتبار لأي كلفة.
 
ويكذب نتن ياهو، كما هي عادته، فيغرد على منصة «إكس» بأن هدف التهجير هو حماية المدنيين، معلنًا عزمه على تكديس الغزيين في منطقة واحدة في الجنوب. وقد بدأ بالفعل بتجريف معظم المباني في رفح، تمهيدًا لإقامة حواجز تفصل المدنيين عن المقاومين، ما سيؤدي إلى احتلال كامل لشمال القطاع، وترك من يبقى في كانتونات معزولة تفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة.
 
ما كانت تُقال في الخفاء أصبحت اليوم سياسة دولة يطرحها علنًا المتطرفون أمثال سموتريتش ووزير الثقافة ميكي زوهر. ومع ذلك، لم تُبدِ أي دولة حتى الآن موافقتها العلنية على استقبال أي من سكان غزة أو تأييدها لخطط اليمين المتطرف.
 
ولكن «عربة جدعون» لا يبدو أنها ستسير كما خُطط لها، إذ تبرز شكوك من داخل المؤسسة العسكرية الصهيونية حول جدوى هذه العملية. فقد صرّح إفرائيم سنيه، نائب وزير الدفاع السابق، بأن هذا الاحتلال لن يحقق أي فائدة، ولا يوجد بديل جاهز لحماس، وبدون وجود حكومة بديلة، ومؤسسات خدمات، وخطة لإعادة الإعمار، فسيكون الاحتلال غير شعبي وسيسهم في تغذية دوامة العنف.
 
والأخطر من ذلك أن ضباطًا بارزين، منهم رئيس هيئة الأركان نفسه، يعترضون على هذه العملية، وقد صرّح بوضوح أن العملية ستؤدي إلى قتل المحتجزين لا القضاء على حماس. في الوقت ذاته، تشير استطلاعات الرأي إلى أن ثلثي الصهاينة يؤيدون وقف المجزرة والدخول في صفقة لتبادل الأسرى.
 
وكانت اللطمة الأكبر التي تلقاها نتن ياهو هي قيام الولايات المتحدة بإجراء مفاوضات مباشرة مع حركة حماس، أسفرت عن إطلاق سراح الجندي الأمريكي الصهيوني عيدان ألكسندر، أهم ورقة تفاوضية بيد حماس، في بادرة حسن نية منها، ما قد يُشير إلى وجود اتفاق مبدئي بين حماس والولايات المتحدة. وفي الوقت ذاته، وصل مبعوث ترامب، ويتكوف، إلى فلسطين المحتلة للضغط على نتن ياهو من أجل التوصل إلى صفقة تنهي الإبادة.
 
وتدور صفقة ويتكوف حول وقفٍ لإطلاق النار لمدة تتراوح بين 50 إلى 70 يومًا، يتبعها تبادل لـ11 أسيرًا صهيونيًا، ثم الشروع في مفاوضات لوقف دائم لإطلاق النار. وهو ما كان نتن ياهو قد رفضه سابقًا، إذ يصرّ على إطلاق نصف الأسرى فورًا مع استمرار الحرب.
 
وفي الوقت الذي يصل فيه ترامب إلى المنطقة، وحتى تنجح جولته، يبدو أن عليه أن يوقف الحرب ويفتح الطريق أمام دخول المساعدات. لكن من غير المقبول أن تكون هذه الخطوة مجرد مناورة لخدمة أهداف الولايات المتحدة من هذه الجولة، فقد بات من الواضح، للأعداء والأصدقاء على حدّ سواء، أن حرب الإبادة فشلت في تحقيق أهدافها، وأن سياسة نتن ياهو وزمرته أصبحت تشكّل خطرًا وجوديًا على الكيان.