عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Feb-2025

الربيحات يكتب: الأيادي المعطلة .. مسؤولية من؟
عمون
 
د. صبري ربيحات
 
لا اظن ان في الاردن مشكلة اكثر تعقيدا والحاحا من البطالة. فهي مشكلة مركبة لها تداعيات وتأثير على كافة جوانب الحياة فهي المسؤولة عن الفقر والاحباط والهدر والشكوى والاكتظاظ السكاني والضغط على المواد وارتفاع معدل الاعتمادية وزيادة معدلات الجريمة وتردي نوعية الحياة.

على مدار العقود الثلاثة الماضية عانى الاردن ولا يزال من بطالة عميقة حرمت مئات الالاف من الشباب والشابات من فرص حقيقية للعمل وحالت دون الافادة من مهاراتهم ومعارفهم وطاقاتهم في بناء مجتمعهم وادارة عجلة التنمية التي تعطلت منذ عقود.

في مجتمعنا اليوم هناك ما يقارب النصف مليون عاطل عن العمل في الوقت الذي يعمل في السوق الاردني ما يزيد على مليون عامل مصري وسوري ويمني واسيوي.

المشكلة التي بقيت مادة لحديث الساسة والمشرعين والاعلاميين لم يجري تناولها بجدية وشمول ولم تحدث الحكومات المتعاقبة اية اختراقات جوهرية في المفاهيم والتصورات التي يعيدها كل من يكلف بالتعامل معها.

المؤسف ان مشكلة البطالة المزمنة لا تزال ماثلة بالرغم من ادراجها على اولويات كل حكومة في الثلاثين عاما التي مضت وقد اصبح الوضع الذي خلقته المشكلة مثالا صارخا على مستوى العجز الذي تعاني منه مؤسساتنا في التصدي للمشكلات الاجتماعية الاقتصادية وإيجاد الحلول المبكرة لها.

من وقت لاخر يطل علينا بعض من جرى اصطفاءهم لعلاج هذه المشاكل ليخبرونا بالاعداد والنسب للعاطلين عن العمل والبيانات الخاصة بتعليمهم واعمارهم واماكن سكنهم وكانهم يديرون وحدات احصاء .

حتى اليوم لا احد يقول لنا شيئا عن ما قام به او ما سيعمل لنتجاوز هذا الهدر الكبير في الطاقة والوقت لمئات الالاف من الشباب الذي سدت في وجوههم الطرق التقليدية للعمل ولم تخلق الدولة بدائل جديدة ومبتكرة لاستيعاب طاقاتهم وتوظيفها في برامج عمل وطني خلاقة .

معظم من يتولون المسؤولية يتندرون على هذا الوضع ويمطرونك بامثلة حول اشخاص التحقوا باعمال وتركوها او يشكون من قلة العمل في الوقت الذي يجد فيه غيرهم من العمال العرب فرصا متعددة في نفس السوق الذي قد يبدو مقفرا من حيث فرص العمل الجديدة .

في حديث لاحد المسؤولين في الحكومة حول الظاهرة قال " ان الاردني يطالب بفرصةعمل لكنه لا يريد أن يعمل، واذا ما تحصل على فرصة عمل تتطلب جهدا حقيقا فمن المحتمل ان لا يستمر فيها وقد يتركها بحجج مختلقة .."

حقيقة الامر ان ما قاله الوزير صحيح ، ففي غالب الاحيان يفضل الكثير من شبابنا وشاباتنا الجلوس على مقاعد الشكوى والتذمر على الاستمرار في الاعمال التي تتطلب جهدا بدنيا ومثابرة والتزام .

وبالنسبة لاصحاب العمل فإنهم يفضلون العامل المصري والسوري على الاردني فهناك فرقا واضحا بين الاردنيين والمصريين في الانتاجية والانضباط ومسلكيات العمل . هذا الواقع ينطبق على الاجيال الجديدة من الشباب والشابات فقد كان العامل الاردني مثالا في الجدية والمثابرة والانتاجية وقبل عام ١٩٧٥ كان الاقتصاد الاردني يقوم على الجهد والعمالة الاردنية ولم يكن في اي من قرانا وبلداتنا ومدننا غير العمال والزراع الأردنيين.

المؤسف ان التوسع في التعليم الجامعي والتخلي عن الزراعة كحرفة انتاج اساسية للاسر قد دفع بمئات الالاف من الشباب والشابات الى استكمال التعليم الجامعي املا في الحصول على فرص عمل افضل . جاء ذلك في الوقت الذي تقلصت فيه الوظائف الحكومية والخدمية المتوفرة وتقلصت حاجات أسواق العمل المجاورة للعامل الاردني ومع ذلك تدفق على سوق العمل الاردني مئات الالاف من العمال المصريين والعرب والاسيويين ممن اسهموا في بقاء الأردنيين خارج هذه الأسواق ولم تتدخل ايا من الحكومات لاعادة هيكلة السوق لحساب الشباب والشابات الأردنيين وهيكلة تعليم وتدريب الشباب الاردني لملائمة حاجات السوق .

يشير الكثير ممن يديرون المصانع والمزارع وحتى الخدمات ان العامل المصري اكثر جدية وانتاجية والضباطا من العامل الأردني كما يتحلى العمال غير الأردنيين بروح معنوية أعلى وايجابية تمكنهم من تقدير ما يقومون به من عمل ويقبلون على اداءه برضا وامتنان. ويتفاعلون مع العملاء والمستهلكين بمهنية افضل من نظراءهم الأردنيين.

المتوقع من الدولة ان لا تكتفي بالحديث عن المشكلة وعرض بيانات حولها بل ان تعمل على تفكيكها وفهم أسبابها وإجراء تدريب وهيكلة وادارة وضبط يمكن البلاد من حلها وتجاوز آثارها على العاطلين وعلى الدولة والمجتمع والتنمية والمستقبل.