عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-Mar-2020

"إمبراطورية الذعر".. كيف ساهمت الإشاعة في نشر فيروس كورونا؟ - مادلين المشارقة

 

الجزيرة - "فيروس كورونا كغيره من الفيروسات، لا داعي للذعر"، "اللحية تنقل العدوى"، "المطهرات لا تحمي من الإصابة"، "ارتداء القناع لا يحمي من الإصابة"، "لا يوجد أي فيروس من الأصل وكلها مؤامرة للسيطرة على الدول العربية"، والكثير من المقولات المُضادة لبعضها، والتي لو عرضتها جنبا إلى جنب ستنفي الأولى الثانية، وستُؤكد الثالثة ما جاء في الأولى، وهكذا. وعِوض أن تُساعدك هذه المعلومات على التحكم في هذا الموقف أو اجتيازه؛ تُدخلك في فقاعة تتضخم وتتغذى بالهَوَس الذي يدفعك لتتبع معلومات أكثر تُساعدك في بناء تسلسل منطقي لما يجب عليك فعله، ولكنك تفشل، وستجمع معلومات أكثر يتبيّن فيما بعد أنها مختومة بتاريخ صلاحية ينتهي في صباح اليوم التالي الذي سيجيء بمعلومة جديدة تُنفي السابقة، وهلم جرا. 
 
في 11 من فبراير/شباط 2020 نشر أحد الأشخاص على حسابه الشخصي في فيسبوك صورة لطالب من ذوي البشرة السمراء، إلى جانب طبيب صيني، كَتبَ مُوضحا: "في الصورة هُنا طالب كاميروني يدرس في الصين، أُصيب مُؤخرا بفيروس كورونا، شُفي وخرج من المستشفى صباح اليوم"، وأضاف: "أكّد الأطباء الصينيون أنه ظل على قيد الحياة لأنه ببشرة سمراء، حيث إن الأجسام المُضادة للسود أقوى بثلاث مرات من التي يملكها البيض". لم يكتفِ بهذا الجزء المتعلق بالكورونا، بل أضاف: "هذه قصة شاركها معي أحد أصدقائي من سانكوفا. هذا هو السبب في أن القوقازيين دائما في حالة حرب مع بشرتنا السوداء لأنهم يعرفون أن الميلانين هو دفاعنا ضد كل ما يرمونه علينا. هذا يُثبت مرة أخرى أن الرجل الأسود غير قابل للتدمير، أجسادنا مصنوعة من المواد نفسها التي تتكون منها هذه الأرض لأننا أصحاب هذا الكون ولن يمحونا أبدا، وقد أثبت التاريخ ذلك بالفعل".
 
لنتخيل ردة فعل أصحاب البشرة السمراء الآن عند قراءة معلومة تؤكد أنهم بمأمن من خطر يُهدد العالم ويُصيبه بالذعر، ويهدم اقتصاده، ويجبر الكبير والصغير على العزلة لأيام يبتعدون عن أحبائهم، يخافون من كل سطح يُلمس، بل يخافون من لمس وجوههم أيضا، ويُدفن العزيز عليهم دون وداع، تخيل أن بشرتك هي الدرع الواقي، ما الذي ستفعله؟ المُرجح أنك ستخرج في الشوارع وكأنك تحكم هذا الكون. وتخيل أيضا أن تقتنع أنك خصم في مؤامرة ضد لونك، وأن الكُره هو الذي دفع خصمك الأبيض لتصنيع شيء يُدمرك، ولكنك "غير قابل للتدمير". هل من قوة تستطيع أن تهبط بمستوى الأدرينالين خاصتك لتطلب منك التأكد أو التحقق من صحة هذه المعلومة قبل الضغط على زر "نشر"؟ 
 
صديق صديق صديقك ليس مصدرا
لطالما حظيت مواقع التواصل الاجتماعي بشعبية منقطعة النظير، ولكن في الأوقات العصيبة كالتي نعيشها اليوم أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي حجر أساس قلعة المُستجدات التي نبنيها ونحتمي بها، أو نُرعب أنفسنا بأسوارها. لا يستطيع أي أحد اليوم أن يتخلى عنها كأداة يعرف من خلالها مجريات اليوم، أين وصل زحف الكورونا، ما العدد الجديد الذي سُجِّل، هل من أي لُقاح يسقط علينا من مختبر طبي في مكان ما، إضافة إلى الترفيه الذي نحتاج إليه في العزلة، والاطمئنان على الأحباء الذي اغتربوا في أماكن بعيدة يواجهون ما نواجه. على الخط الموازي لكل هذا، تجد المرعب، وغير المثبت، والكثير من الزيف والإشاعات التي تنتشر كالنار في الهشيم "بضغطة زر"، الأمر الذي جعل منظمة الصحة العالمية تُعرب عن قلقها أنه في سبيل مكافحة وباء "COVID-19" يتحتم عليها أيضا مكافحة وباء "infodemic"، والذي يُعرّف على أنه فائض من المعلومات، بعضها دقيق وبعضها الآخر لا، وهذا بدوره يُصعّب على الناس الحصول على معلومات دقيقة أو إرشادات موثوقة عندما يحتاجون إليها وفي وقتها. (1)
 
في مقال بحثي نُشر خلال الشهر الجاري مارس/آذار 2020 في المجلة الطبية "Journal of Travel Medicine" بعنوان "ينتشر الذعر على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أسرع من كوفيد-19"، ناقش المقال سلبيات نشر المعلومات المُضللة خلال الأزمات والتي تلعب دورا كبيرا في تفشي الفيروس (2). وجاء في الدراسة أنه من الممكن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بحكمة؛ بهدف دعم الاستجابة الصحية العامة. الصين، على سبيل المثال، وخلال الحجر الصحي الواسع النطاق والذي فُرض على المجتمع المحلي بشكل خاص، كان من الضروري استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بحيث ترسم ملامح ما يحدث في الوقت الراهن، وتوضّح أسباب الحجر، وتُقدِّم الطمأنينة والمشورة العملية من أجل استباق الشائعات والذعر. جاء في الدراسة أيضا أن تحليل المحادثات العالمية عبر الإنترنت من شأنه أن يكون سببا في انتشار الفيروس، لما لها من تأثير -أي المحادثات- على السلوكيات العامة. 
 
الترجمة: وبالتالي، يبدو أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي لديها أوقات محددة لاستهلاك المحتوى؛ قد تعتمد هذه الأنماط على الاختلاف من حيث آليات الجمهور والتفاعل (الاجتماعي والخوارزمي) بين المنصات(3) (مواقع التواصل)
 
وتلتها دراسة أخرى (4) في العاشر من الشهر الجاري مارس/آذار 2020 تتناول دور مواقع التواصل الاجتماعي في تفشي فيروس "كوفيد-19"، هدف هذه الدراسة هو تحليل البيانات الضخمة الواردة في مواقع التواصل الاجتماعي وفرز الحقيقي منها ومحاربة المضلل فيها. وتوصلت هذه الدراسة إلى أن كل منصة تفاعل يختلف التفاعل فيها بحسب الجمهور، ونوعية الرائج أو الذي سيصبح رائجا ومناسبا لمتطلبات كل منصة. وهذا بدوره يُغيّر في استجابة قطاعات من المجتمع لموضوعات مُعينة وتهميش الأخرى، لنفرض مثلا أنك مستخدم لإنستغرام، إن المعلومات التي تتكثف وتجمعها حول "كوفيد-19" ستختلف قطعا عن مستخدم تويتر، وهذا بالضبط ما يُسهم في تفشي الفيروس، بحيث تجد أن هناك انقسامات عدة في سلوكيات المجتمع ودرجات استجابة متباينة لكل قرار وقائي، فهناك من اعتمد رواية فيسبوك، وهناك من اعتمد رواية تويتر، وهناك مَن يتبع جمهور منصة أخرى الرائج فيها يختلف عن الاثنين السابقين. 
 
إمبراطورية الذعر
في كتاب "إمبراطوريات الذعر" للكاتب روبرت بيكهام، الأستاذ المشارك في قسم التاريخ والمدير لمركز العلوم الإنسانية والطب بجامعة هونغ كونغ، يُقدِّم نظرة ثاقبة وتحذيرية في الوقت نفسه حول كيفية تأجج الأوبئة الحادة المُثيرة للقلق، وكيف تُسهم الكلمات واتصالاتها عبر التقنيات الجديدة في نشر الذعر، وتدفع الحكومة للتدخل، وتُرسخ مفهوم ممارسة القوة العالمية، وهو أول كتاب يستكشف كيف أُنتِج الذعر وعُرِّف وأُدير عبر الإعدادات الاستعمارية والإمبريالية وما بعد الإمبراطورية المختلفة -من أوائل شرق آسيا في القرن التاسع عشر إلى أميركا في القرن الحادي والعشرين-. 
 
الترجمة: الهدف من هذا الكتاب هو إضفاء الطابع التاريخي على عملية التوريق هذه من خلال استكشاف أنواع مختلفة من الذعر الاستعماري وما بعد الاستعمار، وتتبع العلاقة المتبادلة بين الذعر والتشكيلات الإمبراطورية المتغيرة. (مواقع التواصل)
 
يَنظر الكاتب هنا في حالة الذعر وفيما يتعلق بالمخاوف الاستعمارية والشائعات والمقاومة المحلية والأزمات، خاصة فيما يتعلق بالأمراض الوبائية. كيف فهمتها الوكالات الحكومية الغربية، وصانعو السياسات، والمخططون، والسلطات الأخرى، وما الدور الذي لعبته تقنيات الاتصال المتطورة في تضخيم الذعر المحلي وتحويله إلى أحداث عالمية؟ من خلال الانخراط في هذه الأسئلة، يتحدى الكتاب التاريخ التقليدي لإظهار كيف أن عمليات تكثيف جمع المعلومات الاستخبارية لم تعزز الإمبراطورية فحسب، بل ساعدت على إنتاج الشكوك الحرجة أو ما أطلق عليه "التضاريس غير المستوية من الذعر الإمبراطوري".
 
وفي دراسة أعدّها الدكتور ممدوح السيد عبد الهادي شتلة، يُناقش من خلالها أثر الشائعات في مواقع التواصل الاجتماعي، يقول إنه على الرغم من أن شبكات التواصل الاجتماعي ساهمت في ظهور ما يُسمى "المواطن الصحفي"، فإن عدم توثيق الأخبار، وصعوبة التحقق من صحتها، وسلامة مصدرها؛ قد أسهم في جعل شبكات التواصل الاجتماعي أداة فاعلة في نشر الشائعات وسهولة تداولها، ومن ثم تصديقها والاعتقاد بصحتها، وبناء الأفكار والرؤى على أساسها. والواقع أن الشائعات لم تعد مجرد أخبار كاذبة أو معلومات مزيفة يُلقيها شخص ما بهدف الفكاهة أو البلبلة دون هدف، فقد أورد أحد الاستطلاعات نتيجة أكّدت أن 45.4% من العابثين الذين يمارسون ذلك للتسلية وراء انتشار الشائعات، و38.8% لهم أهداف وأجندات خارجية، و15.8% مرضى نفسيون. (5)
 
لعله شيء يجعل الأدوات الكلاسيكية كالتلفاز والصحف أكثر المصادر موثوقية ودقة، حيث إن منصات التواصل الاجتماعي لا يُعتمد عليها في الأوقات العصيبة، وما زالت تُشكِّل نُقطة ضعف اجتماعية وتقنية خطيرة في أوقات الأزمات والارتباك، فبدون إستراتيجيات مدروسة تمنع انتشار المعلومات المغلوطة يُمكن أن يحدث الكثير من الخطأ، خاصة عندما تكون المعلومات شحيحة -كالتي تتعلق بفيروس جديد-.
 
تتاح الفرص أمام المتلاعبين في وسائل التواصل للتداول في الفوضى والخوف والاستفادة من كل هذا حتى لو لم تقتنع أن هناك أناسا يستفيدون فعلا في أوقات الأزمات، إذ يبدو أن عدم اقتناعك لن يُشكِّل أي فارق لأولئك، وكل الإشاعات التي ظهرت منذ بداية أزمة كورونا أدّت إلى انقسام واضح: فريق يُكذِّب كل هذا ويتجه لتفسير المؤامرة، وفريق آخر يعيش مرعوبا ليل نهار، وهذا ما يجعل السيطرة على الفريقين أمرا غاية في الصعوبة، إلا في حال أخذك لنفس عميق قبل الضغط على زر "مشاركة".