الغد
إنّ ما تشهده القضية الفلسطينية من محاولات لتصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وإعادة صياغة الواقع عبر مشاريع لا تستند إلى شرعية دولية حقيقية، يُشكل انتهاكاً صارخاً لمبادئ عدّة منسجمة مع ميثاق الأمم المتحدة ومع القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومن ثمّ ليس من قبيل التهويل أن نقول إنّ هذه المشاريع تُعد «عاراً على الإنسانية». فشعبٌ يُصارع في سبيل تقرير مصيره، تُستباح أرضه وتُمسّ قوانينه الدولية الأساسية، لا يمكن أن تُقبل عليه أيّ تسوية ظرفيّة أو توصية استرشاديّة تُنازل عن حقه في التحرّر من الاحتلال وبناء دولته المستقلة.
فيما يلي أبرز المواد والقرارات الدولية التي يُؤسس عليها الحق الفلسطيني في تقرير مصيره وإنهاء الاحتلال، مع تطبيقها على الحالة الفلسطينية:
أوّلاً، يتعين الإشارة إلى أنّ الميثاق الأممي يضع مبدأ «تقرير الشعوب لمصيرها» ضمن أهدافه: ففي المادة 1 الفقرة 2 من ميثاق الأمم المتحدة يُشار إلى «تطوير علاقات صداقة بين الأمم على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير الشعوب لمصيرها». كذلك فإن المادة 55 تشدّد على ضرورة أن تلبّي الأمم المتحدة «مستوى معيّناً من العيش سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي» بما يتلاءم مع «حقّ الإنسان في أن يعيش حرّاً». بناءً على ذلك، فإن مبدأ تقرير المصير ليس خياراً بل التزام دولي.
ثانياً، اعتماد الجمعية العامة لقرار “إعلان منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمَرة” (A/RES/1514(XV)) والذي نصّ على أن «جميع الشعوب لها الحق في تقرير مصيرها؛ ومن خلال هذا الحق تُحدّد بحرّية ما هو وضعها السياسي وتُباشر بحرّية وضعها الاقتصادي، الاجتماعي والثقافي». كذلك قرار 7420 (VIII) الخاص بالحق في تقرير الشعوب لمصيرها من عام 1952، الذي نصّ على أن «أعضاء الأمم المتحدة يقرّون بمبدأ حق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها».
ثالثاً، فيما يخص الشعب الفلسطيني تحديداً، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة كرّست عدّة قرارات:
قرار A/RES/3236 (XXIX) المعتمد في 22 تشرين الثاني 1974 الذي أدرك أن الشعب الفلسطيني «له الحقّ في تقرير مصيره» و»له الحقّ في الاستقلال والسيادة الوطنيّة.
قرار A/RES/67/158 (26 شباط 2013) بشأن «الحق في تقرير مصير الشعب الفلسطيني.
قرار A/RES/79/163 (19 كانون الأول 2024) الذي يؤكّد أكثر من أي وقت مضى على «حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بما في ذلك حقه في دولة فلسطين المستقلة».
رابعاً، من قرارات مجلس الأمن المهمة:قرار S/RES/242 بتاريخ 22 تشرين الثاني 1967 والذي عبّر عن رفض اكتساب الأراضي بالحرب، ودعا إلى «انسحاب القوات الإسرائيلية من أراضٍ احتلّتها في النزاع الأخير» و»احترام واعتراف بحدود وأمن معترف بهما لكلّ دولة في المنطقة».
قرار S/RES/2334 الصادر عن مجلس الأمن في 23 كانون الأول 2016 والذي شدد على أن سياسة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلّة منذ عام 1967، بما فيها شرق القدس، تُعد انتهاكاً للقانون الدولي وليس لها أي صلاحية قانونية.
إنّ هذه القرارات تُشكّل مرجعية قانونية دولية واضحة: أن حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية، تُعدّ من «الحقوق الثابتة» التي لا يجوز التنازل عنها، وأن أيّ خطة أو اتفاق لا يُمهّد لهذا الطريق فهي مخالفة لمرجعية القانون الدولي.
بناءً عليه، فإن ما يُعرض هذه الأيام من خطط وأطروحات (بما في ذلك ما يُعرف بخطة ترامب لقطاع غزة) يُعدّ خرقاً لهذه التزامات دولية. فحين يُطرح أن تُبقى منطقة تحت وصاية أو احتواء خارجي، أو تُدار من قوى احتلال، من دون تنفيذ الانسحاب الكامل وفقاً لقرار 242 وإنهاء الاستيطان طبقاً لقرار 2334، فهذا يشكّل خضوعاً لواقع الاحتلال وليس إنهاءً له، وبالتالي خيانةً لمبدأ تقرير مصير الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
إن الشعب الفلسطيني لم يناضل عقوداً من أجل أن تُعاد صياغة وجوده تحت وصاية أو أن يُستبدل الاحتلال بأنماط إدارة جديدة له أو لجزء من أرضه. بل ناضل من أجل إنهاء هذا الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، تعيش في حرّية وأمن، إلى جانب دولة إسرائيل، وفقاً لمبدأ «دولتان لشعبين». وهذا ما تؤكّده القرارات الدولية كمرجعية لحل دائم وعادل. وأيّ تسوية لا تضع على جدولها أولاً: الانسحاب الكامل للاحتلال، إزالة الاستيطان، تطبيق حق العودة أو التعويض للاجئين، والاعتراف الكامل بإقامة دولة فلسطين المستقلة، فهي ليست إلا تغيّراً شكلياً للاحتلال، أو محاولة لتشويه الحقّ المشروع.
يمكن القول بأن القانون الدولي – من خلال الميثاق، ومن خلال قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن – يمهّد ويؤكّد أن الشعب الفلسطيني له الحقّ في تقرير مصيره، وأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة يُعدّ انتهاكاً لهذا الحق، وأن تحقّق «دولة فلسطين المستقلة» وفق حدود عام 1967 يشكّل شرطاً أساسياً لأيّ سلام عادل ودائم. ومن ثمّ فإن كلّ محاولة لإقرار حلول بديلة أو تخفيفية من دون معالجة جوهر الاحتلال وانتهاك الحق في تقرير المصير تبقى خروجا على هذه المرجعية والقوانين، وما يجعل الصمت أو المشاركة فيها عاراً على الضمير الإنساني.