عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Apr-2021

خفتت الكورونا.. فانكشف كذب سياسيين وزيفهم*زكي كمال

 الدستور

كالنار التي ترفض ان تنطفئ او كعنقاء تنهض من جديد بعد ان ظن كثيرون في العالم، والجميع في البلاد، انها انتهت عادت الكورونا لتطل برأسها معلنة انها لن ترحل في القريب العاجل وأنها باقية ماثلة امامنا كافة او جائحة صحية وبائية تضرب أوروبا اليوم بأقصى قوة، او كظاهرة صحية شكلت وسيلة وآلة استخدمها سياسيون وزعماء في العالم كل لمصلحته رغم تعدد مصالحهم واختلافها.
 
اكدت هذا الراي مراراً وتكراراً وقلت لمن أراد ان يسمع، ولمن لم يرد ذلك، انها آفة صحية لم تكن مختلفة عما شهده العالم لكنها كانت فرصة سانحة لسياسيين في دول استغلها كل منهم وجيَّرها لمصلحته، وهو ما يؤكده التقرير الذي أصدرته مؤخراً منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع خبراء من الصين، ونشرته وسائل إعلام منها صحيفة « وول ستريت جورنال» وشبكة « إن.بي.سي» وشبكة « أسوشييتد برس» والذي أشار الى عدة أمور هامة ملخصها ان الكورونا كانت وسيلة مطواعة وطائعة لزعماء او مطية ركبوها لأهداف سياسية متناسين ومتجاهلين ابعادها الصحية الحقيقية، والبداية من البلاد هنا حيث انتهت الكورونا بقدرة قادر عشية الانتخابات وزالت او ازيلت كافة القيود والمعيقات كما انقشع خطر الجائحة التي كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد وصفها انها مشابهة للإنفلونزا الاسبانية التي أوقعت قرابة 100 مليون ضحية في العالم ليتم فتح كافة المرافق التجارية وغيرها ،هذا من جهة اما الجهة الأخرى والمناقضة فهي التركيز على قضية التطعيمات ومطالبة المواطنين في البلاد برفع آيات الشكر عليها لرئيس الوزراء ( رغم ان الاهتمام بصحة المواطنين هي أبسط وأول مسؤوليات رئيس الحكومة) لتأتي الجهة الثالثة والمناقضة لسابقتيها وهي الحديث عن ضرورة شراء عشرات ملايين التطعيمات للسنوات القادمة ( نتنياهو فقط يمكنه ذلك!!!!) دون نقاش او بحث معمق ودون حديث عن عدد ضحاياها الذي يضع إسرائيل في مرتبة متقدمة عالميا من حيث عدد الضحايا مقارنة بعدد السكان او من حيث حجم الضائقة الاقتصادية، ما يشكل اعترافاً بان الحديث عن انتهاء الكورونا كان «حديثاً انتخابيا» تماماً كما كان الحديث عن الكورونا وخطرها « حديثاً انتخابياً» استخدمه نتنياهو لإقناع بيني غانتس بالانضمام الى حكومة التناوب التي كانت نهايته السياسية او قربته منها.
 
وبنفس الطريقة عملاً بالقول ان المصيبة الجماعية تخفف وطأة المصيبة الفردية، تصرفت الصين التي حالت السلطات فيها لأكثر من عام دون زيارة وفد منظمة الصحة الدولية لمنطقة ووهان التي انتشر فيها المرض وبالتالي حالت دون التيقن من مصدر المرض باستثناء تكهنات غير مثبتة علمياً انه جاء من خفاش نقل العدوى الى البشر كما حالت دون فحص الإدعاءات حول كونه فيروساً تمت هندسته جينياً داخل مختبرات كما ادعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ليأتي التقرير الحالي وعبر 319 صفحة مؤكداً للفرضية الأولى وهي انتقال العدوى من الخفاش ومنه الى حيوانات أخرى تباع في سوق الحيوانات في ووهان ، دون ان يفند نهائياً الحديث عن « جينات تمت هندستها وصناعتها» وليؤكد ان الصين وحكومتها استغلت الكورونا لمصلحتها ومنعت أي تحقيق علمي موثوق طالما تواجدت الكورونا وسمحت بذلك فقط بعد ان «اعلن قادتها علناً وبشكل إحتفالي ان الكورونا انتهت الى غير رجعة» أي بعد ان جنت القيادة الفائدة السياسية المرجوة من الكورونا ، وهي نفس القيادة التي تواصل حتى اليوم استغلال الكورونا سياسياً وعلى الصعيد العالمي مدعية ان هناك مختبرات للجينات في الولايات المتحدة قد تكون مصدر الفيروس ومن هناك انتقل الى الصين، أي ان القيادة الصينية اجادت استغلال الكورونا وكيفية مواجهتها للحصول على صورة انتصار مبين يعزز سيطرتها داخلياً ويفيدها عالمياً من جهة ويحاول إبعاد التهمة عن مختبرات الفيروسات فيها من جهة أخرى . وبما ان الشيء بالشيء يُذكَر كانت الكورونا مطية انتخابية ركبها دونالد ترامب عبر إنكارها والاستخفاف بها من جهة رغم انها أوقعت مئات آلاف الضحايا واعتبارها مؤامرة صينية ارادت الصين ومنظمة الصحة العالمية التي أوقف ترامب دعم الولايات المتحدة لها، من خلالها ومعهم هيئات أخرى المس باحتمالات فوز ترامب وتنصيب جو بايدن « المسن وغير المناسب بل الخطير والضعيف رئيساً»،على حد قولهم وكل ذلك في محاولة لحشد مؤيديه وحثهم على التصويت له بأعداد هائلة، وهي نفس الكورونا التي استغلها جو بايدن الديمقراطي للتدليل على فشل ترامب ومحاولة تحصيل الدعم لمواقفه وتعهداته بان يعمل على تطعيم مئة مليون أميركي خلال ثلاثة اشهر من توليه المنصب.
 
لم يتوقف الاستغلال السياسي وحتى الحزبي للكورونا عند هذا الحد ولم يكن حصراً على الولايات المتحدة التي تضاعفت فيها تقريباً النزعات العنصرية خاصة في أوساط اليمين المتطرف والحركات المسيحية اليمينية الموالية لترامب ووصلت ذروتها في هجمات متكررة ضد اسيويين كان آخرها قبل اسابيع حين تم إطلاق النار باتجاه اسيويين يعملون في معاهد للتدليك ما أدى الى مقتل 8 إضافة الى هجمات عنصرية أخرى اسفرت عن إصابات آخرها مهاجمة سيدة آسيوية في حي منهاتن في نيويورك، علماً ان عدد الاعتداءات العنصرية ارتفع خلال عام الكورونا بنسبة 149% لتبلغ 3795 إعتداء غذتها مشاعر العداء التي أججها سياسيون في مختلف انحاء العالم لأغراضهم الشخصية والخاصة كما كان عليه الأمر في البلاد خاصة بما يتعلق بتصرفات اليهود المتدينين المتزمتين وعدم التزامهم بالتعليمات بل فتح مدارسهم خلافاً لقرارات وتعليمات وزارة الصحة واستمرار التعليم هناك رغم معرفة الوزارة والشرطة بذلك ، الأمر الذي استغله سياسيون في البلاد لمصالحهم بدءًا بالشركاء الائتلافيين للأحزاب المتزمتة الذين صمتوا طمعاً باستمرار الشراكة والمعارضين الذين صرخوا بأعلى صوتهم كسباً لتعاطف مؤيديهم المناوئين للحريديم، تماماً كما تم استخدامه ضد المواطنين العرب وخاصة التأكيد على « قضية الأعراس» في المجتمع العربي.
 
تقرير منظمة الصحة الدولية المذكور الذي تطرق الى مصدر المرض، والذي تم بالتعاون مع الحكومة الصينية، لم يؤد الى انقشاع الغبار عن الساحة بل اثار من جديد أسئلة عديدة حول « المال والعلم» أي حول مصداقية الأبحاث الطبية والعلمية واخذها كلها « بشكل محدود الضمان» والا كيف يمكن قراءة التقرير الذي كان من المفروض ان يكون موضوعياً وان يبحث الأمور بشكل محايد ونزيه، وكيف يمكن ان نرى التقرير بتفاصيله الكاملة على انه يستحق الثقة التامة اذا كان المشارك فيه وربما الممول له، هو الطرف الذي كان سبب وموقع وموضع انتشار المرض والمتهم الاول بتصديره الى العالم، ما يعيد الى الأذهان حقيقة كون عدد كبير من هذه الأبحاث والدراسات التي أجرتها كليات وجامعات مرموقة عالمياً، ممولة من شركات واحتكارات اقتصادية عالمية كبيرة كشركات التبغ التي مولت أبحاثاً حول امراض السرطان انتهت الى نتائج تستبعد الربط الواضح بين التدخين وامراض السرطان، وشركات صناعية ملوثة موَّلت أبحاثاً حول الاحتباس الحراري انتهت الى نتائج « تبرئ ساحة هذه الشركات»، وكذلك شركات النفط وغيرها، وهذا ما كان مع هذا التقرير الذي تم تأجيل بداية الأبحاث المتعلقة به مرات عديدة بفعل مماطلة الحكومة الصينية وإصرارها على معرفة هوية الباحثين من منظمة الصحة العالمية الذين سيشاركون فيه مع ضمان حق النقض لها ما مكنها بالتالي من « تحديد هوية المشاركين فيه وربما تحديد توصياته النهائية مسبقاً « ناهيك عن أنها قلَّصت صلاحيات لجنة التحقيق وبالتالي من شبه المؤكد ان هذه الخطوات أدت بشكل او بآخر الى نتائج تخدم مواقف ومصالح وسياسة الصين على الصعيدين المحلي والعالمي، وهذا ما دعا بمساعدي جو بايدن وأعضاء بارزين في إدارته لاتهام الصين بانعدام الشفافية وتسييس التقرير، خاصة وان التقرير لم يصل الى استنتاج واضح حول معرفة مصدر الفيروس وحول ما اذا كانت الاغذية المثلجة التي تم تصديرها من الصين الى دول أخرى هي سبب انتقال العدوى عبر الحدود، ناهيك عن ان نتائج التقرير والتي لم تستبعد نهائياً إمكانية انتشار العدوى بسبب فيروس تم انتاجه في مختبر للفيروسات، دفعت بالدكتور روبرت ريدفيلد مدير المعهد الوطني لمراقبة الأمراض والوقاية منها للقول انه استناداً الى الأبحاث المتعلقة بفحص أسباب الأمراض ومصدرها فإن احتمال كون الفيروس قد خرج من مختبر الفيروسات في ووهان هو احتمال كبير للغاية.
 
لا ينكر أحد ان الكورونا كانت خطراً صحياً لكنها خطر تم تضخيمه بشكل مبالغ فيه ومقصود عبر وسائل اعلام وسياسيين وشركات ادوية أدركت كما السياسيين ان الخوف الذي اعترى العالم جراء الكورونا خاصة وان أسبابها ومصدرها لم يكن معروفاً وواضحاً ، ولم يتضح حتى اليوم، يشكل فرصة سانحة لتنفيذ اجندات سياسية وحزبية وشخصية تنوعت وتناقضت وذلك بفعل التناقض الكبير في فهم الكورونا والخلاف حول خطرها من جهة وأسبابها من جهة أخرى، ناهيك عن تناقض التصريحات حتى بين الأطباء وأصحاب الاختصاص حول إمكانية القضاء على الكورونا وابادتها باعتبارها آفة لمرة واحدة «انفجرت فجأة وستختفي فجأة كما ظهرت» ام انها حالة صحية سترافق البشرية سنوات طويلة وربما الى الأبد بتغيرات وتحولات وطفرات جديدة كما الانفلونزا او غيرها من الأمراض والآفات، وبالتالي يجب التأقلم معها او التعايش والعيش معها، فها هي نفس الكورونا ذاتها تخدم متنافسين وأضداداً لكل منهم مصالحه المناقضة كترامب وبايدن ، كما انها تخدم أصحاب نظريات العولمة الذين يقولون ان العالم أصبح قرية واحدة صغيرة ما يحتم مزيداً من التعاون والمشاركة وفي نفس الوقت تخدم أصحاب الأفكار الانعزالية والقومية المنغلقة التي تطالب بإغلاق الحدود وترفض الانفتاح وتقدس مبدا « أولى بك فأولى» وهي توجهات تؤكد ان على كل دولة الاهتمام أولاً بمواطنيها دون غيرهم ، كما ان الكورونا نفسها تخدم أصحاب الفكر الاشتراكي الذين يطالبون بتكافل دولي ومجتمعي يخدم الدول والشعوب الفقيرة كما تخدم الدول الغنية التي اخترعت شركاتها اللقاح وآثرت نفسها على غيرها وقبل غيرها وليذهب التضامن الدولي ، وبضمنه التضامن العربي، إلى الجحيم.
 
لم تنته الكورونا لكن فترة عام من عمرها كانت كافية لكشف عورات سياسيين، وزيف ادعاءاتهم حول اهتمامهم أولاً وقبل كل شيء بمصالح المواطنين دون استثناء وكذب شعاراتهم حول قرارات موضوعية ومهنية تصب في مصلحة الجميع وتأخذ بالحسبان آراء أصحاب الخبرة وتنتهج مبدأ الشفافية والديمقراطية ومنح الشعب حرية الاطلاع على حيثيات القرارات والنقاشات داخل أروقة السلطة خاصة وانها في زمن الكورونا مست الحريات الشخصية والديمقراطية وقيدتها برضى الناس وبدافع ايمانهم ، بفعل الخوف وحالة الطوارئ، انهم يعرفون ما يفعلون ، ليتضح العكس تماما فها هي الحكومة هنا تخفي محاضر جلسات الحكومة او المجلس الوزاري المصغر لثلاثين عاماً مؤكدة بذلك ان لديها ما تخفيه وما تخشاه، وها هي محكمة العدل العليا تؤكد في قرارها مطلع هذا الأسبوع ان الكورونا كانت ذريعة للحكومة ورئيسها لفرض قيود غير قانونية وغير دستورية على المواطنين كان هدفها واحد ووحيد هو منعهم من التظاهر ضد رئيس الحكومة...
 
«لا يصبح الخطأ على وجه حق بسبب تضاعف الانتشار، ولا تصبح الحقيقة خطأ لأن لا أحد يراها».. هذا ما قاله المهاتما غاندي وبالتالي كان من الواضح ان انتشار الاستغلال السياسي للكورونا في كافة نواحي العالم ولكافة الاغراض لا يعني ان يتم تغطية الشمس بغربال او إخفاء الحق ولو الى حين، لتتضح معالم أولية للحقيقة مفادها ان السياسيين لم يفوتوا فرصة استغلال الكورونا خدمة لمآربهم وإعلاء شأنهم حتى لو كان الثمن، وهو ما كان، سحق الملايين اقتصادياً ووقف العملية التعليمية وحتى فقدان الآلاف ارواحهم، متناسين قول مارك توين انه « يستطيع الكذب أن يدور حول الأرض في انتظار أن تلبس الحقيقة حذاءها».. أي ان الحقيقة لا بد ستظهر، فهل يكفي هذا لنفهم ان السياسة هي « فن المصلحة الدائمة « .