عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Sep-2023

‏"مثل 1948": التطهير العرقي الجديد للضفة الغربية (1 - 2)

 الغد-‏أورن زيف – (مجلة 972+) 2023/8/31

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
‏في غضون أشهر فقط، تم طرد مجتمعات فلسطينية بأكملها بين رام الله وأريحا بسبب عنف المستوطنين وسياسات الدولة –مما مهد الطريق لاستيلاء إسرائيلي كامل على آلاف الأفدنة من الأراضي الفلسطينية.‏. في مواجهة عنف المستوطنين المتواصل والقيود الخانقة التي تفرضها السلطات الإسرائيلية، شعر السكان الفلسطينيون في الكثير من التجمعات في المنطقة (ج) بأنه لم يعد أمامهم خيار سوى الفرار. البعضُ حزموا أمتعتهم المتواضعة وآخرون تركوها وراءهم. وباعتبارهم مجتمعات زراعية، فقد انتقلوا إلى مناطق سوف يصعب عليهم فيها كسب لقمة العيش من دون أرض رعوية، لكنهم يتمتعون على الأقل ببعض راحة البال المؤقتة.‏
 
‏لم يبق أي فلسطيني تقريبًا في منطقة شاسعة من الضفة الغربية تمتد شرقا من رام الله وإلى ضواحي أريحا. فقد فرت معظم التجمعات السكانية الفلسطينية التي عاشت في المنطقة –التي تغطي حوالي 150.000 دونم، أو 150 كيلومترا مربعا، من الضفة الغربية المحتلة– من أجل النجاة بحياة أفرادها في الأشهر الأخيرة نتيجة لتكثيف عنف المستوطنين الإسرائيليين وعمليات مصادرة الأراضي، بدعم من الجيش الإسرائيلي ومؤسسات الدولة. ويُظهر الإفراغ شبه الكامل للسكان الفلسطينيين من المنطقة كيف أن عملية التطهير العرقي البطيئة -وإنما الزاحفة تدريجيًا- التي تنفذها إسرائيل مستمرة على قدم وساق، مما يؤدي فعليًا إلى ضم مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة بغية تخصيصها للاستيطان اليهودي الحصري.‏
‏تم إنشاء أكثر من 10 بؤر استيطانية -غير قانونية حتى بموجب القانون الإسرائيلي نفسه، على الرغم من أن الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية تعمل جاهدة لإضفاء الشرعية عليها– في هذه المنطقة على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث سلّح مستوطنوها نشاط الرعي واستخدموه كوسيلة للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وإجبارهم على الخروج. كما أن المجتمعات الفلسطينية الصغيرة القليلة المتبقية في المنطقة قد تُجبَر قريبًا على المغادرة بسبب الخوف الشديد على سلامة أفرادها الجسدية والعقلية. وقد تم في العام الماضي وحده تهجير مئات الفلسطينيين قسرًا بهذه الطريقة.‏
‏وحتى الآن، تم طرد أربعة مجتمعات فلسطينية من هذه المنطقة. في العام 2019، تم إجلاء مجموعتين من العائلات الفلسطينية من الجزء الجنوبي من المنطقة بالقرب من مفترق الطيبة. وفي أيار (مايو) من هذا العام، قام 200 من سكان مجتمع "عين سامية ‏‏بتفكيك" منازلهم‏‏ وفروا في أعقاب تعرضهم لعنف المستوطنين الذي لا هوادة فيه. وفي تموز (يوليو) 2022، حذا مجتمع "رأس التين" البالغ قوامه 100 شخص حذوه. وفي أوائل آب (أغسطس)، أُجبر سكان "القابون" البالغ عددهم 88 شخصا على ترك منازلهم.‏
لم يتبق حاليا سوى ثلاثة تجمعات فلسطينية في المنطقة: "عين الرشاش"، و"جبت"، و"رأس عين العوجا". وجميعها تتعرض لنفس نوع مضايقات المستوطنين التي أجبرت جيرانها السابقين على الفرار.‏
‏بدأت هذه الظاهرة في الامتداد إلى مجتمعات فلسطينية أخرى في المناطق المجاورة. ووفقًا للبيانات التي جمعها "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا)، ومنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم"، فإن 35 من سكان قرية "وادي السيق" القريبة حزموا أمتعتهم وفروا مؤخرًا، في حين تواجه العائلات المتبقية خطرًا متزايدًا من المستوطنين. وفي "البقعة"، فر 43 من السكان -معظمهم من أفراد هذا المتجمع- في تموز (يوليو) في أعقاب إنشاء بؤرة استيطانية جديدة وهجوم قام به المستوطنون لإحراق منزل في القرية.‏
‏ووفقًا لمنظمة "كرم ناڤوت"، وهي منظمة غير حكومية تراقب التطورات على الأرض في الضفة الغربية، فقد استولى المستوطنون الإسرائيليون الآن فعليًا على منطقة واسعة بين "طريق آلون" في الغرب، و"الطريق 90" في الشرق، وطريق "المعرجات" بالقرب من الطيبة في الجنوب، و"شارع 505" بالقرب من "دوما" في الشمال. وتشمل هذه المنطقة "منطقة إطلاق النار 906" –التي قام الجيش بتحديدها على مساحة 88.000 دونم في العام 1967– والتي أقيمت حولها معظم البؤر الاستيطانية وكان البدو الفلسطينيون يستخدمونها بشكل أساسي كمنطقة رعي لمواشيهم. أما الـ60.000 دونم المتبقية، بين "منطقة إطلاق النار" و"طريق آلون"، فهي المكان الذي عاشت فيه هذه التجمعات إلى أن تم تهجيرها منه قسرًا.‏
‏تقع كل هذه الأراضي في المنطقة (ج)، المخصصة للسيطرة المدنية والعسكرية الإسرائيلية بموجب اتفاقات أوسلو، بعضها ملكية خاصة لفلسطينيين، ومنها أجزاء أخرى تعتبرها سلطات الاحتلال الإسرائيلي "أراضي دولة". واليوم، لا يستطيع الفلسطينيون الوصول سوى إلى حوالي 1.000 دونم من هذه الأراضي، وحتى هذه المساحة تظل على الدوام عرضة لمضايقات المستوطنين وهجماتهم.‏
تصاعد عنف المستوطنين‏
‏من الناحية الفنية، لم يكن التطهير العرقي للفلسطينيين من هذه المنطقة عملاً رسميًا من أعمال الترحيل "الترانسفير". لم تصل قوات الجيش الإسرائيلي ولا الإدارة المدنية –الذراع البيروقراطي للاحتلال– بشاحنات وتضع السكان قسرًا في ظهورها وتدمير منازلهم. ‏
لكنهم لم يضطروا إلى ذلك: في مواجهة عنف المستوطنين المتواصل والقيود الخانقة التي تفرضها السلطات الإسرائيلية، شعر السكان الفلسطينيون بأنه لم يعد لديهم خيار سوى الفرار. البعضُ حزموا أمتعتهم المتواضعة وآخرون تركوها وراءهم. وباعتبارهم مجتمعات زراعية، انتقلوا إلى مناطق سوف يصعب عليهم فيها كسب لقمة العيش من دون أرض رعوية، ولكنهم على الأقل يتمتعون ببعض راحة البال المؤقتة.‏
‏وصف فلسطينيون من عدة تجمعات نازحة لـ"مجلة +972" النمط نفسه: يصل المستوطنون الإسرائيليون مع قطعانهم ويمنعون الفلسطينيين من الرعي في الأراضي التي كانوا يرعون فيها مواشيهم منذ عقود. ثم يشرع المستوطنون المسلحون في التحرش بهم ومضايقتهم ليلاً ونهارًا، حتى أنهم يدخلون المنازل من دون أن يتدخل أفراد الجيش أو الشرطة. ووصف الجميع نفس المشاعر الغامرة من الخوف والضيق في ظل هذه الغزوات التي يقوم بها المستوطنون.‏
‏يقول محمد حسين، أحد سكان مجتمع عين سامية –مستحضِرًا عام النكبة وطرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من وطنهم خلال قيام إسرائيل:‏ "إنه مثل العام 1948". 
يقول السكان الفلسطينيون أن الوضع ازداد سوءًا بعد إنشاء ونمو العديد من بؤر الرعي الاستيطانية في المنطقة في السنوات الأخيرة؛ كما تصاعد عنف المستوطنين والمزيد من التوسع الاستيطاني بشكل ملحوظ منذ أن أدت الحكومة الإسرائيلية الحالية، بقيادة الأحزاب اليمينية المتطرفة، اليمين الدستورية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. ووفقا لـ"مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية"، فقد تم تسجيل 14 هجوما نفذها المستوطنون في المنطقة في العام 2019، و13 هجومًا في العام 2020، و14 هجومًا في العام 2021. ثم قفز هذا العدد إلى 40 هجومًا في العام 2022، وهناك 29 هجومًا شنها المستوطنون حتى الآن منذ بداية العام 2023. ومن المرجح أن تكون هذه الأرقام أقل من الواقع، حيث لم يتم توثيق جميع حوادث العنف الذي ارتكبه المستوطنون.‏
‏ثمة تعالُق واضح بين عدد هجمات المستوطنين والطرد التدريجي للفلسطينيين. في عين سامية، على سبيل المثال، تم الإبلاغ عن أربع هجمات شُنت ضد التجمع في العام 2019. وبحلول أيار (مايو) 2023، ارتفع هذا العدد إلى 10 هجمات منذ بداية هذا العام وحده. وحدث الشيء نفسه في رأس التين (تعرِّف الأمم المتحدة رأس التين والقابون كمجتمع واحد). وفي حين وقع هجوم واحد فقط في العام 2021، وقعت أربع هجمات منفصلة في العام 2022، مما أجبر بعض السكان على المغادرة. ومنذ العام 2023، تم الإبلاغ عن وقوع ثلاث هجمات، مما دفع بقية المجتمع إلى المغادرة بالكامل.‏
علاوة على ذلك، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، قُتل فلسطيني وجُرح 132 آخرون بجروح في الفترة بين العام 2019 وشهر آب (أغسطس) من العام 2023 بسبب العنف الذي يمارَس في المنطقة؛ وقد أصيب بعضهم بجروح نتيجة لنشاط الجيش أو الشرطة أثناء هجمات المستوطنين أو بعدها. وخلال الفترة نفسها، قتل جنود أو ضباط شرطة فلسطينيَّين اثنَين وأصابوا 230 آخرين بجروح خلال قمع احتجاجات المجتمعات الفلسطينية المستهدفة ضد المستوطنات المحيطة.‏
‏العديد من العائلات الفلسطينية التي تقيم في المنطقة هي عائلات لاجئة من صحراء النقب داخل ما يعرف اليوم بإسرائيل، كانت قد طُردت في العام 1948 إلى الضفة الغربية، ثم تم منذ العام 1967 طردها مرة أخرى على الأقل. وكان بعض هؤلاء الشكان قد وصلوا هذه المنطقة في أواخر ستينيات القرن العشرين، بعد أن أجبرهم جيش الاحتلال على الخروج من أماكن أخرى، بينما وصل آخرون في الثمانينيات أو التسعينيات. ومعظم الأراضي التي عاشوا عليها هي ملكية خاصة لفلسطينيين من القرى المجاورة، الذين يؤجرون لهم هذه الأملاك. ‏
لعبت السلطات الإسرائيلية، إلى جانب المستوطنين، دورًا مركزيًا في عملية تشريد الفلسطينيين. فقد دأبت مؤسسة الاحتلال منذ سنوات على منع التجمعات الفلسطينية من البناء، وعمدت إلى هدم منازل سكانها وحرمانها من خدمات المياه والكهرباء؛ ومنعها من رصف الطرق. وأصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الأوامر بهدم المدارس التي بنيت هناك بأموال من الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه، تم إنشاء المستوطنات اليهودية في المناطق الفلسطينية والاعتراف بها رسميًا؛ وبطبيعة الحال وقفت سلطات الاحتلال متفرجة على عنف المستوطنين.
‏"الحكومة معهم"
‏كان آخر تجمع فلسطيني طرد من المنطقة هو "القابون"، الذي تأسس في العام 1996. وكان يتألف من 12 عائلة، 86 فردا، 26 منهم قاصرون. وقد انتقل بعض سكانه إلى الغرب من "طريق آلون"، الذي يقسم الضفة الغربية من الشمال إلى الجنوب، ليقيموا في أراض تابعة لقرية "خربة أبو فلاح"، بينما غادر آخرون إلى أجزاء أخرى من الضفة الغربية.‏
‏في شباط (فبراير)، أنشأ المستوطنون بؤرة رعوية جديدة بالقرب من مجتمع القابون. ومنذ ذلك الحين، وصل المستوطنون على ظهور الخيول والجرارات لاستفزاز وتخويف العائلات الفلسطينية، وساروا بين منازلها واستولوا على أراضيها الزراعية ومنعوها من الرعي.‏
في جولة قمتُ بها في موقع القرية بعد حوالي 10 أيام من طرد سكانها، كانت هناك زجاجات أدوية، وأطباق، وخزان مياه، تتناثر كلها على الأرض –بقايا مخيفة لمجتمع مهجور. وكانت المدرسة، التي بنيت بمساعدة أوروبية وتخضع لأمر هدم إسرائيلي، مهجورة أيضًا، وقد حُطمت نوافذها ونُهبت محتوياتها. وما تزال العديد من الملصقات التي صنعها الأطفال معلقة على الجدران.‏
‏يقول علي أبو كباش: "لقد كنا دائمًا تحت الاحتلال، في سجن بنقاط تفتيش، لكننا نعيش الآن في سجن مكون من شاحنة صغيرة. ويجلس أبو كباش، 60 عامًا، في خيمة أقامها في منطقة مفتوحة عبر "طريق آلون". وكان أبو كباش، وهو في الأصل من بلدة السموع بالقرب من الخليل، قد انتقل إلى منطقة رام الله في العام 1980، ثم إلى المنطقة القريبة من "رأس التين" في العام 1995.‏
‏وأضاف: "قبل الانتخابات [الأخيرة]، كان المستوطنون يهربون إذا كان هناك عدد قليل منا [يواجهونهم]. واليوم، أصبحوا يهاجمون لأن الحكومة معهم. الشرطة والجيش والشاباك كلهم معهم".‏
‏وتابع أبو كباش: "طوال 25 عامًا عشنا هنا حياة طبيعية. ثم في السنوات الأخيرة، جاء المستوطنون وأقاموا بؤرتين استيطانيتين [مزرعة ميخا وملاخي هاشالوم]. قطعوا الطريق بيننا وبين "عين الرشاش"، والطريق المؤدي إلى "فصايل". كنا نرعى مواشينا في المنطقة، لكنهم جاءوا إلينا باسم الحكومة والإدارة المدنية وقالوا أن الأرض ملك للمستوطنين. أحضروا الأغنام لتأكل الطعام الذي ‏‏زرعناه نحن‏‏ لأغنامنا... إنهم يدخلون المنازل، أحيانًا بصحبة العديد من الجنود، ويلتقطون الصور، حتى عندما يكون هناك فتيات ونساء ورجال مسنون موجودون".‏
وفقًا لأبو كباش، ازداد العنف بعد عطلة عيد الفطر في أيار (مايو). وقال: "إنهم يوقفون سياراتهم عند مدخل المنازل. بعضهم دون سن 12 عامًا، دون سن المسؤولية الجنائية. يدخلون البيوت، وينظرون في الثلاجات أو في هواتفنا. ماذا يمكننا أن نفعل؟ إنهم يريدون المنطقة (ج) لإسرائيل، من أجل السيطرة على الأرض من خلال المستوطنين، وإنما من دون حرب. ولكن إلى أين سنذهب نحن؟ الاحتلال في كل مكان".‏
‏كما تعرضت قرية راس التين، المجاورة للقابون، لمضايقات مماثلة وعنف شديد من قبل المستوطنين. في اليوم الذي فر فيه سكانها، في تموز (يوليو) 2022، قال أحمد الكعابنة، ‏‏مختار رأس التين –الذي توفي فجأة لاحقًا في أوائل آب (أغسطس) عن عمر ناهز 60 عامًا– لمجموعة من النشطاء: "لقد أرعب المستوطنون النساء والأطفال –الجميع. جاءوا إلى المنازل ليلاً في مجموعات من 10-15 شخصًا... الجيش معهم. وإذا تحدثتُ إليهم وقلت ’ابتعدوا، اخرجوا من هنا‘، فإنهم يتصلون بالجيش أو الشرطة الذين يأتون ويعتقلون الشباب [الفلسطينيين]".‏
فقط في 14 تموز (يوليو) 2021 –قبل عام تقريبا من مغادرة العديد من العائلات، وقبل عامين من تهجيرها بالكامل– احتل الجيش مع ممثلين عن الإدارة المدنية أكثر من 49 مبنى تابعة للتجمع، تاركًا 13 عائلة بلا مأوى. ‏‏وقال السكان لمكتب‏‏ الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن المسؤولين الإسرائيليين أمروهم بالانتقال تحديدًا إلى المنطقة (ب) من الضفة الغربية.‏
‏"الأمر لن ينتهي هنا"‏
‏طُرد سكان "عين سامية" من منازلهم في أيار (مايو)، بعد خمسة أيام متتالية من الهجمات. ومثل سكان القابون، انتقل بعضهم إلى أراض يملكها فلسطينيون في "خربة أبو فلاح"، بينما انتقل آخرون إلى بلدات ومدن قريبة مثل دير جرير، والطيبة، وأريحا.‏
‏وقال حسين في أيار (مايو) بينما كان يحزم أمتعته في عين سامية استعدادًا للرحيل: "نحن نعيش هنا منذ 44 عامًا بإذن من أصحاب الأراضي. منذ سنوات ونحن هنا وحدنا ضد المستوطنين، ولم نحظ بأي حماية. في الأيام الأخيرة جاء مستوطنون ورشقوا المباني بالحجارة. كان الأطفال خائفين جدًا. كان الهدف هو جعلنا نغادر. منذ العام 1948 وحتى اليوم عشنا في نكبة مستمرة. اليوم هي عين سامية، لكن الأمر لن ينتهي هنا".‏
بعد شهرين ونصف من الطرد، ما يزال حسين وعائلته يحاولون إعادة بناء حياتهم. وهم يعيشون الآن في المنطقة (ب)، حيث السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن التخطيط، وحيث من النادر أن تنفذ إسرائيل عمليات هدم.‏
‏وقال حسين: "لقد ولدت في الخليل لكنني نشأت في هذه المنطقة. عشنا في العوجا [في غور الأردن] حتى العام 1967، ثم جاء الجيش بالدبابات وأمهلنا 24 ساعة للإخلاء. انتقلنا كمجموعة كبيرة إلى الطيبة، بالقرب من رام الله، حتى طردونا مرة أخرى ودفعونا إلى هنا في السبعينيات".
‏عاش السكان هناك إلى أن أقام الجيش قاعدة عسكرية قريبة، وتم دفع السكان مرة أخرى إلى "عين سامية" حيث أقاموا حتى وقت سابق من هذا العام. وقد تعرضوا على مر السنين لمضايقات الجيش الذي صادر أغنامهم. ثم ارتدى المستوطنون عباءة الجيش وأصبحوا ينوبون عنه.‏
وقال حسين: "إنهم يأتون ليلاً ويرشقون بيوتنا بالحجارة عندما يكون الأطفال نائمين. على مدى خمس سنوات توسلنا، ولكن لم يسمعنا أحد. كنا نتصل بالشرطة، وكانوا يأتون فيهرب المستوطنون. ثم في السنوات الأخيرة، أصبحت الشرطة تأتي وتخبرنا بأننا نكذب".‏
‏كانت القشة التي قصمت ظهر البعير في أيار (مايو)، عندما وصل مستوطنون مسلحون في جوف الليل وادعوا أن 37 من أغنامهم قد سرقت. قاموا بمداهمة "عين سامية" بحثًا عن أغنامهم، لكنهم لم يجدوها. وفي اليوم التالي، أوقف ضابط شرطة إسرائيلي راعيًا فلسطينيًا من القرية كان يسير بالقرب من الشارع الرئيسي وصادر أغنامه، مدعيًا أنها مسروقة.‏
‏وشرح حسين: "نحن نعيش على تربية الأغنام. الجيش يحمي المستوطنين. وحتى لو كانت العدالة في صفك فسوف يسجنونك لمدة أسبوع أو أسبوعين ويأخذون 10.000 شيكل ككفالة".‏
‏وقال حسين أن السلطات الإسرائيلية والمستوطنين يشتركون في نفس الهدف: "الطرد. إنهم لا يريدون أن يبقى أحد منا هنا. إنهم يريدون طرد جميع الفلسطينيين من البلاد، كما فعلوا في العام 1948. لقد فقدنا كل شيء. وقد انفصلت العائلات وتفرقت. الأطفال لا ينامون هناك بسبب المستوطنين. ثمة أمان هنا، ولكن لا يوجد شيء نكسب عيشنا منه".‏
في 17 آب (أغسطس) وصل ممثلون عن الإدارة المدنية والجيش وشرطة حرس الحدود إلى مدرسة "عين سامية" المهجورة ودمروها وحملوا الأنقاض وغيرها من بقايا الموقع على شاحنات. ويعتقد النشطاء أن الهدم كان يهدف إلى منع الدبلوماسيين والصحفيين من القيام بجولات في المنطقة.‏
‏وتم هدم المدرسة بعد بضعة أيام فقط من هدم بؤرة استيطانية في المنطقة ‏‏ بموافقة من وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش –وهو أيضًا مسؤول وزارة الدفاع المكلف بالإشراف على الأراضي المحتلة– ربما بهدف إظهار "التوازن". وفي أعقاب هدم المدرسة، أصدر سموتريتش ‏‏بيانًا‏‏ قال فيه أن "دولة إسرائيل لن تسمح بالبناء غير القانوني والاستيلاء العربي على المناطق المفتوحة".‏ (يُتبع)
 
*أورين زيف Oren Ziv: مصور صحفي منذ فترة طويلة ومؤسس مجموعة المصورين الصحفيين الحائزة على جوائز، Activestills، والتي ابتكرت اللغة البصرية المرئية والمقنعة لمجلة ‏‏Local Call‏‏ على مر السنين. منذ العام 2003، يقوم زيف بتوثيق القضايا الاجتماعية والسياسية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. انضم إلى فريق ‏‏Local Call‏‏ كمراسل صحفي في العام 2018، حيث غطى قصصًا يومية متعلقة بقضايا حقوق الإنسان والحقوق المدنية، من الاحتلال والإسكان الاستيطاني ميسور التكلفة إلى النضالات الاجتماعية والاقتصادية والاحتجاجات ضد التمييز. نُشرت أعماله في مدونة "‏‏نيويورك تايمز‏‏ لنس"، "‏‏الجزيرة"‏‏، "‏‏فايس"‏‏، ‏‏مجلة "تابلت"‏‏، وغيرها الكثير. حصل على جائزة اختيار القيمين في الشهادة المحلية الإسرائيلية لمتحف أرض إسرائيل خلال الفترة 2011-2014. حاصل على درجة الماجستير في البحث/ هندسة الطب الشرعي، من جامعة غولدسميث في لندن.‏
 
*نشر هذا التحقيق تحت عنوان: ‘It’s like 1948’: Israel cleanses vast West Bank region of nearly all Palestinians