عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Mar-2019

جذور مذبحة کرایستشیرش - وجاھات علي
 – (نیویورك تایمز) 
ترجمة: علاء الدین أبو زینة
الغد- بالنسبة للمسلمین، تشبھ صلاة الجمعة قداس الأحد لدى المسیحیین. والجمعة ھو یوم صلاة
الجالیة، حیث نذھب إلى مساجدنا المحلیة، ملاذنا الدیني، وتتجمع عائلاتنا في وقت مبكر من بعد
الظھر للصلاة معاً كمجتمع. ویركض الأطفال في القاعات بینما یتلو الإمام القرآن باللغة العربیة.
ثم نأكل معاً ونختلط في الخارج.
وھذا الأسبوع، بینما یحضر المسلمون منا في الولایات المتحدة صلاة الجمعة، یستعد المسلمون
في كرایستشیرش في نیوزیلندا لإقامة الجنائز.
الیوم، یصلي الناس في كل أنحاء العالم من أجل أرواح الموتى في كرایستشیرش بعد الھجمات
ُ الإرھابیة التي ش َ نت على مسجدین. وتقول السلطات إن أسترالیاً یبلغ من العمر 28 عاماً اقتحم المسجدین ببنادق ھجومیة، وقتل ما لا یقل عن 49 شخصاً. ووصفت رئیسة الوزراء النیوزیلندیة، جاسیندا أردیرن، ھذا الھجوم بأنھ ”عمل عنف استثنائي وغیر مسبوق“.
ٍ لكن الأفكار والصلوات لیست كافیة. وھذه الھجمات لیست سوى آخر تجل لأیدیولوجیة متنامیة
ومعولمة للقومیة البیضاء، والتي ینبغي التعامل معھا عند مصدرھا؛ السیاسیین البارزین وشخصیات الإعلام الذین یرعونھا ویعززونھا ویدافعون عنھا.
ّ إذا كنا لنصدق بیان المسلح الذي جاء في 74 صفحة ومشاركاتھ في وسائط التواصل الاجتماعي، فقد كان المھاجم یستلھم بنیة أیدیولوجیة مزدھرة على الإنترنت، والتي تجند وتدفع إلى التطرف رجالاً یعملون في معظمھم من أجل إنقاذ ”الحضارة الغربیة“ من ”غزو“ أجنبي.
وقد رأینا ھذا من قبل. كانت مبررات المسلح لعملھ الإرھابي مماثلة لتلك التي وردت في البیان
المكون من 500.1 صفحة الذي نشره النرویجي أندرس بریفیك قبل أن یقتل 77 شخصاً في العام 2011 .وقد أراد بریفیك بعملھ معاقبة أوروبا على تعددھا الثقافي وترحیبھا بالمھاجرین المسلمین. ویقال إن بیانھ وھجماتھ قد استلھمت القومي الأبیض كریستوفر ھاسون، الذي قُبض علیھ مؤخراً بتھم حیازة وتخزین الأسلحة مع الرغبة في ارتكاب أعمال من القتل الجماعي، خاصة ضد المسلمین.
إذا كانت فكرة أن المسلمین یشكلون تھدیداً تبدو مألوفة، فإن ھذا یعود جزئیاً إلى أن الرئیس
دونالد ترامب قد استخدمھا للدفاع عن بناء جدار لحمایة أمیركا من ”قافلة“ المھاجرین القادمین
من أمیركا الوسطى والساعین إلى اللجوء في الولایات المتحدة. وأكد الرئیس أن ”الشرق
أوسطیین“ موجودون في القافلة، وھو ادعاء اعترف بأنھ لا یستطیع إثباتھ. وخلال رحلة صیفیة
قام بھا إلى إنجلترا، حذر ترامب من أن بریطانیا تفقد ”ثقافتھا“ وأن الھجرة ”غیرت نسیج أوروبا
وفي معرض دفاعھ عن الحظر الذي فرضھ على السفر إلى الولایات المتحدة، والذي یستھدفوما لم تتصرفوا بسرعة كبیرة، فإنھا لن تعود إلى ما كانت علیھ أبداً“.
الدول ذات الأغلبیات المسلمة، قال الرئیس ترامب: ”أعتقد أن الإسلام یكرھنا“، وكذب بشأن
رؤیة المسلمین وھم یحتفلون بھجمات 11 أیلول (سبتمبر)، وأعاد تغرید مقاطع فیدیو مزیفة
نشرتھا مجموعة مناھضة للمسلمین، والتي تُظھر لاجئین مسلمین یرتكبون أعمال عنف. فلا
عجب إذن أن یكون بیان كرایستشیرش قد امتدح السید ترامب باعتباره ”رمزاً للھویة البیضاء
المتجددة والھدف المشترك“.
من الواضح أن مخاطر القومیة البیضاء لا تقتصر على الولایات المتحدة. وقد جاء ھذا الھجوم
لیكون بمثابة تذكیر بأن ھذه الإیدیولوجیة الخطیرة تھدد أیضاً مجتمعات المھاجرین على اتساع
رقعة العالم، والتي یغذیھا قادة في جمیع أنحاء العالم. ولدى أسترالیا، التي یقال أن المھاجم
المسلح ینحدر منھا، الكثیر من خطابھا الخاص المعادي للمسلمین والمليء برھاب الأجانب.
في العام 2015 ،نظمت حركة تدعى ”استعیدوا أسترالیا“ احتجاجات ضد ”تطبیق الشریعة في
أسترالیا“ و“تعلیم الإسلام في المدارس الحكومیة“. وذكر موقع ”ذا كونفرزیشن“ أن اللافتات
التي عرضتھا المجموعة في تجمع حاشد حملت عبارة ”الإسلام عدو للغرب“. ویتمثل أحد
أھداف السیاسة الرئیسیة للحزب السیاسي الیمیني المتطرف ”تحالف الحریة الأسترالي“ في
”إیقاف أسلمة أسترالیا“. ویحذر الموقع الإلكتروني للحزب من أن ”الإسلام لیس مجرد دیانة، إنھ
أیدیولوجیة شمولیة ذات تطلعات عالمیة“ بینما وصف رئیس الوزراء الأسترالي، سكوت موریسون، المشتبھ بھ في كرایستشیرش بأنھ ”إرھابي متطرف، یمیني، وعنیف“، كانت ردة فعل السناتور الأسترالي فریزر أنینغ على الھجوم ھي إلقاء اللوم على ”برنامج الھجرة الذي سمح للمتعصبین المسلمین بالھجرة إلى نیوزیلندا في المقام الأول“. ویبدو أن السیناتور یتقاسم نفس العواطف مع القتلة الجماعیین.
في بیانھ، كتب المسلح، الذي وصف نفسھ بأنھ ”رجل أبیض عادي“، أنھ یقوم بتنفیذ الھجوم ”لیخفض مباشرة معدلات الھجرة إلى الأراضي الأوروبیة عن طریق تخویف الغزاة أنفسھم وإبعادھم فیزیائیاً“.
یكشف البیان عن ھوس بالتفوقیة البیضاء، وذكر معركة فیینا في العام 1683 ،التي یمجدھا القومیون البیض والقاتل بریفیك باعتبارھا اللحظة الحاسمة التي أوقفت فیھا أوروبا تقدم الإمبراطوریة العثمانیة وحمت نفسھا من الإسلام. ویبدو أن النص المكتوب على أسلحة المسلح یشیر إلى المعارك العسكریة مثل حصار عكا في العام 1189 ،الذي اعتبره انتصاراً للصلیبیین المسیحیین الذین یسعون إلى استعادة القدس من المسلمین. وذكر المھاجم ألكساندر بیسونیت، الذي كان قد أطلق النار وقتل ستة أشخاص في أحد مساجد كیبیك في العام 2017 وكان قومیاً أبیض ینطوي على عواطف كراھیة المھاجرین ومعاداة المسلمین.
كانت أفكاره -ومصادرھا وأنصارھا- مألوفة بالنسبة لي. فبصفتي باحثة في التحقیق الذي أجراه
مركز عمل التقدم الأمیركي في العام 2011 بعنوان ”مؤسسة الخوف: جذور شبكة رھاب الإسلام في أمیركا“، قمت بربط المؤامرات المتطرفة المعادیة للمسلمین -مثل التھدید المختلق لقانون الشریعة في أمیركا- بمصادر التمویل والمراكز الفكریة والشخصیات الإعلامیة والمجموعات الشعبیة والسیاسیین الذین أنشأوھا وروجوا لھا.
لقد عملت ھذه الكیانات معاً في ترویج رسالة تفید بأن المسلمین الأمیركیین متطرفون بطبیعتھم ویشكلون ”قنبلة زمنیة دیموغرافیة“ وسیفوقون السكان البیض عدداً. وكان بریفیك قد استشھد مراراً وتكراراً بھذه المجموعات والأشخاص، والكثیر منھم یرتبطون الآن ارتباطاً وثیقاً بإدارة
ترامب. وعلى الرغم من أنھ لا ینبغي إلقاء اللوم علیھم في عنف بریفیك، إلا أن مارك ساجیمان،
الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزیة الأمیركیة والمستشار في شؤون الإرھاب، قال أن بریفیك ینتمي إلى نفس ھذه الشبكة الأیدیولوجیة.
من بین الدوافع الرئیسیة للقومیین البیض نظریة المؤامرة عن ”الإحلال العظیم“. ویخشى ھؤلاء
القومیون أن یحل الیھود والسود والمسلمون محل البیض ویخضعوھم ویجعلوھم تابعین في نھایة
ُ ما ینظر إلى الیھود على أنھم الرئیس الشیطاني للعصبة ومركزھا العصبي، المطاف. وغالباً والذین یستخدمون ثروتھم وقوتھم اللامتناھیة لاختزال الرجل الأبیض وإضعافھ.
في تشرین الأول (أكتوبر)، دخل روبرت باورز إلى معبد شجرة الحیاة في بیتسبرغ وقتل 11 من المصلین الیھود. ونشر على شبكة التواصل الاجتماعي الیمینیة ”جاب“ أن وكالة إعادة توطین اللاجئین الیھودیة، HIAS“ تحب أن تجلب الغزاة الذین یقتلون شعبنا“، و“لا أستطیع أن أجلس وأشاھد أبناء شعبي وھم یذبحون“. كما أعاد نشر إرسالیة تتحدث عن معاقبة ”الیھود الشریرین القذرین“ على جلبھم ”المسلمین الشریرین القذرین إلى البلاد“. وردد ذلك صدى َّ نظریة مؤامرة معاداة السامیة بالقول بأن الملیاردیر الیھودي جورج سوروس مول ”قافلة“ المھاجرین اللاتینیین – وھي كذبة روج لھا الرئیس ترامب وغیره من الشخصیات البارزة من المحافظین.
سأل النائب ستیف كینج، وھو جمھوري من ولایة أیوا، مؤخراً: ”القومیون البیض، المتفوقون البیض، الحضارة الغربیة – كیف أصبحت ھذه اللغة مسیئة“؟ وغرد على ”تویتر“ ذات مرة: ”لا یمكننا أن نستعید حضارتنا بأولاد الآخرین“، في إشارة إلى أبناء المھاجرین اللاتینیین. وأوصى ستیف بانون، كبیر مستشاري الرئیس ترامب السابق والرئیس السابق لموقع ”بریتبارت نیوز“ الإخباري، بالروایة العنصریة الدستوبیة، ”مخیم القدیسین“، Saints the of Camp التي یغزو فیھا المھاجرون الملونون فرنسا ویستولون علیھا.
بینما كانت أخبار حادثة إطلاق النار في نیوزیلندا تتوالى، قام الرئیس ترامب بتغرید رابط – والذي قام بحذفھ بعد ذلك- على الصفحة الرئیسیة لبریتبارت نیوز، وھو موقع ینشر بانتظام نظریات المؤامرة المعادیة للمسلمین والمھاجرین.
عند سماعھ الأخبار عن المذبحة في كرایستشیرش، أرسل لي صدیق مسلم رسالة نصیة كتب فیھا: ”كیف سنبقي أطفالنا آمنین“؟
ولم تكن لدي إجابة جیدة. لكنني أعرف أن التھدید الذي نواجھھ لا ینحصر فقط في الإرھابیین الأفراد. إنھ یتمثل في الأیدیولوجیة العالمیة للقومیة البیضاء والتفوق الأبیض. وعلینا أن نأخذ الأمر على محمل الجد، وأن نقوم باستنطاق السیاسیین والأكادیمیین والشخصیات الإعلامیة الذین یوفرون منصة لنشر لھذه الأیدیولوجیة تحت ستار استكشاف وجھات نظر الجانبین، وتعزیز النقاش أو تجنب الاعتقاد بالصواب السیاسي.
لا شك في أن التكلفة كبیرة جداً. وما علیك سوى أن تنظر فقط إلى كرایستشیرش والمصلین التسعة والأربعین الذین كان ینبغي أن یعودوا إلى بیوتھم وعائلاتھم ومجتمعھم بدلاً من أن تكون تلك صلاتھم الأخیرة.
*نشر ھذا المقال تحت عنوان: Massacre Christchurch the of Root