عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Jan-2019

تقرير حالة البلاد وفقه المراجعات - بلال حسن التل

الراي - يتساوق تقرير حالة البلاد، الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مع أحد مبررات قيام جماعة عمّان لحوارات المستقبل، التي أتشرف برئاستها، فقد جاء في كتيب تأسيس الجماعة » أن من مبررات هذا التأسيس حاجتنا لجماعة نقدية تُعمل عقلها في كل مكونات حياتنا الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والتّربوية والعلمية والسّياسية أصبح ضرورة ملحة، لأنه بدون هذا النقد لن نخرج من دائرة التخلف.. فالنقد من أهم أسباب الرقي والتطور والتخلص من العيوب والأخطاء، على أن يرتكز هذا النقد على الوعي، وقدرة من يمارسه على الفحص والتمحيص، وأن يتميز بسعة الاطلاع وعمق الثقافة، وأن تكون لديه الاستطاعة على الجمع بين القدرة على التشخيص، والقدرة على تقديم العلاج، وهذا كله يحتاج إلى تكامل علوم ومعارف لابدَّ له من عمل جماعي، يستطيع المشاركون فيه تقديم دراسات نقدية قائمة على مراجعات علمية لكل مجالات حياتنا، وبذلك نفرز الغث من السّمين، ولا نكرر أخطاءَنا، ولا نقع في أخطاء من سبقونا، ونبدأ السير على درب النهوض الحضاري وطنياً وعلى مستوى الأمة. وهذا ما دفعنا إلى تأسيس ''جماعة عمّان لحوارات المستقبل'' لتكون إطارا جامعا تتفاعل فيه خبرات واختصاصات متنوعة، من خلال عملية تفكير جماعي يكمل بعضه بعضًا، في إطار منسق تنجم عنه رؤية متكاملة لمجمل قضايا ومشكلات مجتمعنا، بغية المساهمة في تقديم حلول علمية متكاملة وجذرية لهذه المشاكل، استنادا الى حرية وموضوعية في التفكير، وثراء في التجربة العملية والخدمة العامة. بعد أن عانينا طويلا من الحلول المجتزأة لهذه المشاكل، أو الحلول المسكّنة لها، بهدف ترحيلها من جيل إلى جيل، أو من خلال العمل المرتجل الذي تعوزه الخبرة، ويفتقر إلى الاختصاص، الأمر الذي كان يُفاقم هذه المشاكل بدلا من أن يحلها».

ما فعله المجلس الاقتصادي والاجتماعي في تقرير حالة البلاد هو بالضبط بعض ما أشارت إليه جماعة عمّان لحوارات المستقبل، وطالبت به وسعت إلى تحقيقه، وكلاهما المجلس والجماعة لم يأتِ بجديد على المستوى الحضاري الإنساني، لكنهما من دون تنسيق بينهما سعيا إلى وضع بلدنا على مسار النهوض الحضاري من خلال ممارسة النقد الذاتي لمسيرة الوطن، وهي حالة صحية وضرورية، لكل مكون بشري"فرد..
أسرة.. دولة» يريد أن ينهض ويتطور، بل لعل النهوض البشري كله قد قام على أساس ممارسة النقد الذاتي، لمسيرة كل مكون من المكونات التي ساهمت في هذا النهوض. وفي هذا الإطار يمكننا فهم ثراء الفقه الإسلامي فهو ثراء ناجم عن عدم التسليم بكل ماقاله الفقهاء المجتهدون،بل اعتباره اجتهادات بشر تحمل الخطأ والصواب، خاصةعندما تخضعها لقواعد النقد، وهو بالضبط مدخلُنا إلى فهم مراجعات الحركات الإسلامية المعاصرة، وهي المراجعات التي ساهمت في كسر حدة الغلو والتّطرف، عندما كسر أصحاب المراجعات قدسية ما قاله أشياخهم وفعلوه، عندما أخضعوا هذه الأقوال والأفعال للمراجعات النقدية.
لا تقتصر المراجعات النقدية على الفكر الإسلامي، فقد دخلت حركة القوميين العرب في سلسلة من المراجعات أيضاً، وأشهر من مراجعات حركة القوميين العرب المراجعات التي شهدتها الأممية الشيوعية،وأبرزها مراجعات الصين بزعامة ماوتسي تونغ لأسس الماركسية اللينينية ومدى ملاءمتها للمجتمع الصيني وثقافته وتركيبته الاجتماعية، التي تحول دون تطبيق اللينينية، مما أدى إلى ظهور الماركسية الماوية التي بنت الصين التي نراها اليوم، بسبب هذه المرجعات، والتي تؤكد أن الدول مثل الأفراد والأحزاب بحاجة إلى مراجعات فلسفتها وأداء مؤسساتها ومكوناتها، وهو ما يمكن أن يجعل من تقرير حالة البلاد مدخلاً إلى هذه المراجعة في بلدنا، خاصة وأن من الأسباب التي تدفع إلى القيام بالمراجعات الإحساس بالخطر أو الإحساس بوجود الخطأ،أو تطور وعي المجتمع،أو تدافع الأجيال، وكلها أسباب قائمة بالأردن، وتعزز حاجتنا إلى المراجعة التي نأمل أن يؤسس لها تقرير حالة البلاد, الذي ينبغي أن يتم التعامل معه على أنه مراجعة وطنية شاملة, وعملية نقد ذاتي تؤسس لحالة نهوض وطني شامل.
Bilal.tall@yahoo.com