عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Oct-2022

كيف تختلف الاحتجاجات الإيرانية الحالية عن سابقاتها؟

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 
مهدي خلجي – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 28/9/2022
أظهرت الاضطرابات الجارية في إيران عدم أهمية العديد من الجهات الفاعلة منذ فترة طويلة في البلد، حيث لا يرفض الشباب النظام فحسب، ولكن أيضا رجال الدين والإصلاحيين والسياسيين المنشقين داخل البلاد وخارجها.
منذ اندلاع الموجة الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع الإيرانية في 16 أيلول (سبتمبر)، بدأت تشكل تحديا أمنيا وسياسيا خطيرا للجمهورية الإسلامية، مما وضع قادة النظام في وضع محير إلى حد كبير. ومن الملفت أن المرشد الأعلى، علي خامنئي، لم يعلق على الاضطرابات التي أشعلها موت امرأة شابة، مهسا أميني، بسبب التعذيب، على أيدي شرطة الأخلاق التابعة للنظام (غاشت إرشاد، أو دورية الإرشاد)، بسبب عدم احترامها اللوائح المتعلقة بارتداء الحجاب. ومع ذلك، لا شك أنه ودائرته يشعرون بالقل بشأن الجوانب الجديدة للحركة الاحتجاجية.
ليست الاحتجاجات المناهضة للنظام جديدة في الجمهورية الإسلامية. وكان أكبرها بسبب التزوير واسع النطاق في الانتخابات الرئاسية للعام 2009، الذي أدى إلى نزول الملايين من الناس إلى الشارع إلى أن اتخذت السلطات إجراءات صارمة ضد قائدي الحركة، مير حسين موسوي ومهدي كروبي (ما يزال موسوي قيد الإقامة الجبرية حتى الآن). وحدثت الجولة الأخيرة من الاحتجاجات الكبيرة في العام 2019، بعد قرار الحكومة المفاجئ رفع أسعار البنزين. وفي ذلك الوقت، قتل الحرس الثوري الإسلامي وقوات الشرطة أكثر من 1.500 متظاهر، وهو رقم قياسي مروع حتى بالمعايير القاسية للنظام.
يمكن ملاحظة العديد من السمات الخاصة في الانتفاضة الحالية. على عكس الاحتجاجات السابقة، لم يكن المصدر الرئيسي للاستياء في الحركة قرارا اقتصاديا أو سياسيا معزولا. والشعار الرئيسي الذي يرفعه المتظاهرون حتى الآن هو “المرأة، الحياة، الحرية”، مما يشير إلى معارضة أكثر عمومية وعمقًا للنظام الشمولي بأكمله في الجمهورية الإسلامية. فقد أدت الجهود الشاملة التي يبذلها النظام “لأسلمة” المجتمع الإيراني وهندسة جميع جوانب حياة المواطنين إلى حرمان الناس بشكل مطرد من الحريات في المجالين الخاص والعام. وتعرضت النساء لأسوأ الانتهاكات في حقوق الإنسان، حيث أصبحت أجسادهن نفسها ساحة المعركة السياسية الأكثر أهمية في إيران. ولذلك تكمن الكرامة الإنسانية والحرية في قلب المطالب الحالية للحركة، والتي تركز على الاعتراف بالمرأة باعتبارها الضحية الرئيسية للتقاليد الأبوية للنظام والأيديولوجية الإسلاموية الاستبدادية. ويمكن لهذا الأساس أن يجعل الحركة قوة إنسانية ومساواتية وليبرالية وعلمانية قوية بشكل خاص في إيران، مع إمكانات هائلة لتحفيز التغيير الأساسي.
وليست الحركة الحالية مرتبطة برجال الدين على الإطلاق. لكن هذا لا يعني أنها حركة معادية للدين -في الواقع، تجنب المتظاهرون عمدًا استخدام أي رموز أو خطابات دينية. ومع ذلك، فهي خالية بوضوح أيضاً من رجال الدين. في الماضي، شملت جميع الحركات السياسية المؤثرة في إيران، من الثورة الدستورية في أوائل القرن العشرين إلى الثورة الإسلامية في العام 1979، مشاركة رفيعة المستوى من رجال الدين. وحتى الحركة الخضراء في العام 2009 كان فيهارجل دين، كروبي، كواحد من زعيميها الرئيسيين.
وليس غياب رجال الدين في حركة اليوم من قبيل الصدفة. يرى العديد من المتظاهرين أن جميع رجال الدين الشيعة –ليس مؤيدي النظام الرئيسيين فحسب، ولكن أيضا المنتقدين الصامتين والسلطات المحايدة– هم أساس شرعية النظام، والذي سهل ظهوره أول الأمر ويبرر مبادئه وسياساته وقراراته منذ ذلك الحين. ويمثل رجال الدين الشريعة، وهي في الأساس نظام قانوني قابل لسوء التأويل بحيث يمكن استغلاله لانتهاك حقوق الإنسان، وعلى وجه الخصوص إخضاع النساء. ولذلك، لا يمكن لهذه الطبقة أن تشارك في الأهداف الرئيسية للحركة أو نظرتها إلى العالم. ففي نظر رجال الدين، تعتبر المطالبة بحقوق متساوية للمرأة تهديداً وجودياً نهائياً للشريعة كما يفهمونها، ووضعهم كأوصياء عليها. وحتى رجال الدين الذين قد يعارضون النظام لأسباب أخرى لن يكونوا قادرين على الهتاف علنًا “المرأة، الحياة، الحرية”. وبالتالي، قد تمثل الحركة لحظة فاصلة في انفصال رجال الدين الشيعة تدريجيًا عن القوى الرائدة في المجتمع الإيراني.
كما لا يأتي التركيز على الحجاب من قبيل المصادفة. كنظام شمولي، كانت الجمهورية الإسلامية معادية للنساء منذ نشأتها، وفرض ارتداء الحجاب هو جزء واضح من جهودها للسيطرة عليهن وتهميشهن. لوم يكن رفض تطبيق قانون الحجاب مقتصراً على حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي. ومع ذلك، قبل المظاهرات الحالية، كان كبار منتقدي النظام مترددين في إعطاء الأولوية لرفض “الحجاب الإلزامي” كمطلب سياسي، متجاهلين في كثير من الأحيان الضغط المبرر للناشطات لإدراج الأشكال الفريدة من القمع التي يعاني منها نصف المجتمع.
في كتابها الصادر في العام 2011 بعنوان “الحجاب والمثقفون”، أظهرت الناشطة البارزة نوشين أحمدي خراساني كيف أنه حتى أكثر المنتقدين السياسيين والمعارضين علمانية وليبرالية تجنبوا باستمرار الاعتراف بالقمع المنهجي الذي يمارسه النظام ضد حرية المرأة وكرامتها، مع التركيز على الحجاب الإلزامي كمشكلة أساسية وليست ثانوية. وكشفت حركة اليوم عن تغيير جذري في الطريقة التي ينظر بها العديد من الإيرانيين إلى محنتهم وحلولها المحتملة، حيث يبدو أن المزيد من المواطنين يرون أن حقوق المرأة هي أفضل نقطة انطلاق لنضالهم الديمقراطي ضد الظلامية.
تشير الاحتجاجات إلى أن جماعات وشخصيات المعارضة السياسية القائمة –سواء كانت إصلاحية داخل البلاد أو منشقة في الخارج– ليست ذات صلة. ولعل أحد الجوانب الأكثر إثارة للدهشة في الحركة الحالية هو أنها تتألف في أغلبيتها الساحقة من الشباب والشابات الإيرانيين دون سن الخامسة والعشرين الذين يعرفون أنفسهم على أنهم أكثر من مجرد معارضين للأيديولوجية الإسلاموية -إنهم أيضًا مغتربون بشكل معلن عن عقلية الجيل الأكبر سنًا، بما في ذلك السياسيين المناهضين للنظام. وهذا يدل على أن قوى التغيير الحقيقية يمكن أن تظهر وتنظم نفسها ذاتيًا من دون تدخل من الجماعات أو الشخصيات المنشقة التقليدية. كما أنه يثير التساؤل حول من يدير الحركة، وما إذا كانت ستتمكن من تأسيس قيادة عضوية قبل أن تصبح منهكة أو تنهار تحت ضغط القمع العنيف.
باختصار، تختلف طبيعة الحركة وأسلوبها التنظيمي وقيادتها ومثلها الأساسية اختلافا حادًا عن جميع الاحتجاجات السياسية السابقة في الجمهورية الإسلامية. ويمكن لهذه التجربة الشجاعة أن تحفز المزيد من التطورات المهمة في إيران خلال الأيام والأسابيع المقبلة، على الرغم من أن القليلين فقط يعرفون عن قدرتها على مواجهة التحديات الخطيرة على المدى الطويل.
توصيات السياسة العامة
بشكل عام، تظل تصريحات الحكومات الأجنبية الداعمة والمتعاطفة مع المتظاهرين المناهضين للنظام في إيران أقل فائدة من الإيماءات المماثلة من الكيانات غير الحكومية، بما في ذلك شركات الاتصالات والشركات الرقمية (مثل غوغل وأمازون وآبل)، ومؤسسات حقوق الإنسان، وشخصيات المقاومة المدنية المعروفة، والحركات الديمقراطية الأجنبية، والأكاديميين الأفراد، والشخصيات الأدبية، والفنانين. ومع ذلك، ما يزال بإمكان المسؤولين الأميركيين والأوروبيين لعب دور استثنائي في مساعدة الحركة، أو على الأقل، تجنب الأعمال التي قد تضر بها.
على سبيل المثال، ليس الآن هو الوقت المناسب لتنفيذ الترتيبات المالية التي تخفف الضغط على النظام –بما في ذلك تخفيف العقوبات نتيجة للمحادثات النووية الجارية. يجب تجنب أي عمل يمكن اعتباره لامبالاة غربية تجاه معاناة الإيرانيين طويلة الأمد بوعي. وربما تكون تطلعاتهم الديمقراطية والعلمانية والليبرالية أفضل قوة لتعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط، لأنهم سيكونون المسؤولين عن إنشاء حكومة ملتزمة بهذه المبادئ إذا سقط النظام الحالي.
*مهدي خلجي: زميل “ليبيتسكي فاميلي” في معهد واشنطن.