عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Dec-2019

كائن يستحق حرباً وأكثر - رمزي الغزوي

 

الدستور- هل هذا الشيء الذي صار نجماً لأحاديثنا، وحبراً سهلاً في مقالاتنا، وشرارة لحراكاتنا واحتجاجاتنا، وعلكة سائغة في فم سهراتنا. هل هو كائن بلحم وشحم وأحاسيس؟!، هل هو من الفقاريات الثدية؟، أم من الرخويات، أو من المفصليات المدرعة؟، أم هو برمائي محرشف؟، أو كضب مراوغ، له أكثر من جحر، وأكثر من مهرب، لا يُصطاد بالتحريش ولا بالخداع؟.
أم أن الفساد هلامي كالأميبا، يغيّر شكله عند أية بادرة مقاومة. فالرأس يغدو ذنباً والذراع قدماً؟، أو هو من ذوات الدم الحار، لا يدخل في سبات أو ثبات؟، وقد يكون كائناً حربائياً يتأقلم مع ألوان الأرضيات ويطير في كل الأجواء؟.
أرجو ألا تأخذكم الدهشة من أسئلتي نصف البريئة، وأن تتركوا إجاباتها المدببة، التي نعرف مسبقاً أنها لا تفضي إلا إلى مزيد من الإبهام، وتتركنا معلقين ببئر من الضبابية. فما أصعب أن نعرّف المُعرف!.
عندما خصصوا يوماً للحب بأحمره ووروده الطازجة، أو البلاستيكية المعطرة، قلنا: يحق لهم أن يحتفلوا بكل الأشياء الآيلة للانقراض، كي تبقى على قيد الذاكرة. فيحق لهم أن يخصصوا يوماً للصدق كذلك، والصداقة والأمانة، ويحق لهم أن يخصصوا يوماً للحمام المسكين، الذي أتعبه غصن الزيتون الثقيل.
ولكنهم حين خصصوا يوماً دولياً لمكافحة الفساد ومحاربته ومصارعته ورشه بالمبيدات الحشرية، وضعت يدي على دفة قلبي، فالظاهر أنهم لم ينفحوه يوماً خوفاً عليه من شبح الانقراض، لا سمح الله. بل لأن السيل بلغ الزبى، وتغلغل الفساد كدودة في أحشاء العالم، وسيسقط كرة الأرض كتفاحة منهكة منخورة.
ولأننا ما زلنا نعيش احتفالية هذا اليوم اليوم الكبير، الذي صدف مروره أول أمس، فيجدر بنا أن نعترف أن الناس لم تعد تحتفي به ولا تأبه بمروره، أو مؤتمراته وبياناته، وتواجهه بالسخرية المرة السوداء.
الناس لم تعد تقنع بالكلام ووعوداته، ففي عرفهم أن (الحكي) لا يقلي بيضاً، ولا يطبخ عدساً. الناس يريدون الفساد مضبوعاً خلف القضبان، مهما كبرت لغاليغه ودسامة جلده، ومساحة الظهر الذي يسنده. وهذا لم يحصل بعد، فكل الكلام كان كالنفخ على البلاط.
فلا النوايا الحسنة، ولا الاحتفالات العامرة بالمحاور والنقاشات وأوراق العمل والندوات. كلها لن تفيد شيئاً دون مرافقة الإرادة الحقيقية للمكافحة والمطاردة وبطول نفس وصبر وجرأة.
إننا أمام كائن حربائي مجنح، وأكثر من أميبيا خبيرة. نحن بصدد كائن مجوقل (محمول جواً)، له جذور مراوغة مداهنة تضرب عميقاً في الأرض. إنه عدو كبير يستحق حرباً أو حروبا.