عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Mar-2019

نحن المواطنون - آفي ساغي
ھآرتس
 
لیس ھناك في المواطنة امتیاز تمنحھ الدولة بسخاء لمن یعیشون فیھا. المواطن قبل دولتھ. ھو
سید الدولة. ھو الذي یعطي لھا ولمؤسساتھا الشرعیة، وھو الذي یحدد حدود تدخلھا في حیاتھ.
لكل مواطن حق انتخاب ومكانة متساویة امام القانون. لا یوجد ولن یكون سلم مدني تراتبي. لم
یكن ھناك تراتبیة كھذه لأنھا كانت ستضعضع شرعیة الدولة التي تسیطر على السید – المواطن.
مبدأ استخدام صلاحیة الدولة یستمد من تعھدھا للجسم الاجتماعي الحقیقي الذي منحھا الصلاحیة. الدیمقراطیة ھي مقاربة نظام ھدفھ الدفاع عن حقوق وحریة الناس الذین یعیشون في
مجال السیادة والعیش والعمل كما یرغبون، من خلال التوازن بین الحریات والحقوق للجمیع.
دولة دیمقراطیة ھي بالضرورة دولة كل مواطنیھا. اذا لم تكن ھكذا فھي لیست دیمقراطیة.
ھذه المفاھیم الاساسیة لم یتم فھمھا في الخطاب السیاسي الإسرائیلي. وفي مقابلھا وضع بدیلین
یناقضان أحدھما الاخر. الاول یدعي أنھ من خلال افتراض أن الدولة ھي دولة كل مواطنیھا، ینبع الاستنتاج بأن علیھا أن تتجاھل تماما ھویة مواطنیھا. الھویة ستقصى إلى فضاء الحیاة الشخصیة.
الثاني یدعي بأن دولة إسرائیل ھي دولة یھودیة، وبناء على ذلك ھي لیست دولة كل مواطنیھا.
الموقف الاول یخلق المتخیل ”مواطن“، نوع من الشيء البسیط غیر المرتبط بالتاریخ، الثقافة، المجتمع، الذاكرة، اللغة ونمط حیاة معین، التي یرید أیضا تحقیقھا في المجال العام. مواطنتھ من
شأنھا أن تصادر ھویتھ. ھذا الموقف جاء كشعار لسلب حق الشعب الیھودي في تقریر مصیره السیاسي. في احیان نادرة، تصاغ كتعبیر عن حیادیة لیبرالیة رادیكالیة.
خطاب الخوف الإسرائیلي ھو الذي أنبت الادعاء المضاد: دولة إسرائیل ھي دولة یھودیة فقط، ولیست دولة كل مواطنیھا. الموقف الاول یرید أن یجرد المواطن من ھویتھ الخاصة والجماعیة، والھدف ھو أن یصادر من الشعب الیھودي حقھ في تجسید سیاسي یھودي. في المقابل، یدعي الموقف الثاني: الحق في ھویة وفي تجسید جماعي معطى للشعب الیھودي فقط.
غیر الیھود یحققون ھویتھم في الفضاء الخاص فقط. القصور في ھذا الموقف شدید. في إطار
سیاسي مدني واحد جزء من المواطنین سیجسدون كامل ھویتھم التاریخیة – الثقافیة (الیھود)،
والجزء الآخر لن یحظى بذلك (العرب)؛ في الفضاء العام سیبقون مواطنین مجردین – بدون ذاكرة، ثقافة، تقالید ولغة، التي تمنح التجسد لھویتھم. إن استخدام معیار مزدوج تجاه المواطنین في مكانة مواطنة متساویة ھو تشویھ لأسس الوجود المدني والاخلاقي.
یقولون لنا اذا اصبحت دولة إسرائیل دولة كل مواطنیھا فھي لا یمكنھا أن تكون دولة یھودیة – لذلك الثمن المقترن بالمعیار المزدوج مبرر رغم كل ذلك. ھذا الادعاء اشكالي: أولا، ھو یفترض أن الامكانیة الوحیدة لتأسیس دولة یھودیة تستند إلى المس العمیق بھویة الناس غیر الیھود. ھذا المس ”یلغي“ وجھ الآخر. ھي تنفي وجوده التاریخي – الثقافي. المواطن غیر الیھودي خلافا للمواطن الیھودي، سیعیش بدون فضاء ذاكرة وبدون فضاء لغوي وبدون أي فضاء غیر حقیقي. ھل وجود دولة من ھذا النوع لھا مبرر اخلاقي. ھذا السؤال خطیر بالنسبة للشعب الیھودي لأنھ عانى من كل ھذه الظواھر: المنع، التغریب، الاقصاء والادانة. تأسیس وجود سیادي لدولة إسرائیل على اساس تحویل غیر الیھود إلى غرباء في دولتھم یبرر العلاقة التي مارستھا أمم العالم تجاه الشعب الیھودي. ھذا الشعب یتعامل مع الآخرین بالطریقة التي عاملوه بھا. فكیف یمكنھ الاحتجاج على علاقة الشعوب الاخرى تجاھھ.
ثانیا، ھذا الموقف یستند إلى الانقسام الزائف الذي یدعي أنھ یوجد فقط بدیلین. دولة كل مواطنیھا
أو دولة یھودیة. مع ذلك، دولة إسرائیل یمكنھا بل ویجب علیھا أن یكون فیھا دولة كل مواطنیھا ودولة یھودیة. دولة إسرائیل ھي دولة كل مواطنیھا، عرب ویھود وغیرھم. لكنھا الدولة الوحیدة التي یعطى فیھا للیھود الحق في تقریر المصیر السیاسي. دولة إسرائیل ھي دولة القومیة الیھودیة، وللأقلیات لیس ھناك حتى الحق في تقریر المصیر السیاسي. لیس ھناك في سلب حق تقریر المصیر السیاسي ما یبرر سلب حقوق الاقلیات في تقریر مصیر اقل من سیاسي.
مسألة تطبیق تقریر المصیر الاقل من سیاسي ھو موضوع لحوار مفتوح، قائم على الاعتراف بالتوترات والصراعات الموجودة في حیاة المجتمع في إسرائیل. الحوار لا یستھدف محوھا، بل ھو القاعدة لوجود مشترك لمجتمعات مختلفة. في اطاره تستطیع كل الاصوات أن تُسمع وأن تجد تعبیرھا، وكذلك رؤیة سیاسیة وقانونیة، لا یمكننا أن نعرف مسبقا كیف سیتم تشكیل الحق في تقریر المصیر الاقل من سیاسي. ھذه ھي اھمیة الحوار الحقیقي: الفضاء للتشكل والتجدد.
ھذا الحوار قائم على الاعتراف بأن المواطنة لیست مجرد مكون رسمي، ھي اساس مؤسس للھویة. الحیاة ھنا تخلق طابع حیاة مشترك، بدون فوارق في الدین والقومیة. ھویة مشتركة لا تلغي الھویة الممیزة، ھویة الناس ھي متعددة العلاقات، ولا تستند اطلاقا في أي یوم على قسم واحد حصري فقط، یھودي، عربي.. الخ.
لسنا بحاجة إلى جسور لاجتیاز الفجوة، التي كما یبدو تفصل بین الیھود وغیر الیھود، في شوارع المدینة نحن نلتقي مع بعض بكامل وجودنا. ھویة مدنیة مشتركة تمكن من علاقات تضامن وتقارب. وھذه تتغلب على عملیات التغریب وتشكیل الحدود. ھویة مدنیة ھي عملیة اساسیة لتشكیل المجتمع في إسرائیل. الدعوة لإقصاء سیاسي- بدون عرب- ھي مس محظور سیاسیا واخلاقیا، الفضاء السیاسي ھو الفضاء المشترك للمواطن السید، العربي والیھودي على
حد سواء. ھذا یمس بإمكانیة العیش المشترك والانفتاح والحضور الكامل في اطار دولة إسرائیل.
على اساس التضامن المدني تؤسس علاقات الھویة الاكثر تمیزا. للأفراد والجماعات التي تشكل الفسیفساء الإسرائیلیة. دولة إسرائیل لا یمكنھا أن تكون دولة یھودیة اذا لم تكن أیضا دولة دیمقراطیة مدنیة. المواطنة والدیمقراطیة قبل الیھودیة. فقط ھكذا ستحظى كل الھویات الیھودیة بالاعتراف. دولة إسرائیل لن تكون دولة مدنیة اذا سلبت حق الاغلبیة أو الاقلیة في تأسیس ھویتھا. سلب الھویات ھو مس بالنسیج الحیوي للحیاة. ھویات متنوعة، متعددة، وذات سیاقات كثیرة تخلق توترات وتناقضات، وھذه یمكنھا أن تكون قوة خصبة ومنتجة. ولكن كلما تقلص الخوف والاغتراب ورفع الاسوار فھكذا ستزدھر الھویات.