عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Jun-2019

مفهوم القدر بين الجبر والاختيار - د. محمد الفقيه
 
الدستور - من أكثر المسائل التي تم الخوض فيها مسألة القدر، وللأسف كلما قرأت أكثر في موضوع القدر تعقد الأمر أكثر.
هل يُعقل أن يفرض الله على عباده ركنا من أركان الإيمان، ويكون هذا الركن غير واضح ويكتنفه الكثير من الغموض (حاشا لله) ؟
ليس هذا فقط بل الكثير من خيباتنا وفشلنا نعزوه للقدر، بل والكثير من الجرائم والمصائب نعزوها للقدر، فإذا ما فشلنا في دراستنا نحمل القدر المسؤولية ؛ وإذا ما فشلنا في زواجنا نحمل القدر المسؤولية.
لقد أصبح القدر شماعتنا التي نعلق عليها أخطاءنا وفشلنا.
ومن الأمور التي زادت موضوع القدر تعقيدا، معالجته عند الأقدمين بأسلوب الفلاسفة وعلماء الكلام، والخوض في أمور خارج نطاق الطرح القرآني للموضوع، ومعظم الذين كتبوا حول هذا الموضوع حديثا اعتمدوا في كتاباتهم على ما كتب الأقدمون في هذا الموضوع، علما بأن موضوع القدر يمكن عرضه بأسلوب أكثر فاعلية ويسرا على النحو الآتي:
أولا : أن الله تعالى خلق أقدارا كثيرة في هذا الكون، ومن أمثلة هذه الأقدار، أن النار محرقة مثلا، وأن السكين قاطعة، وأن الأمراض معدية، وأن الاستعداد للدراسة يؤدي إلى النجاح، وأن الأخذ بالأسباب والتوكل على الله يؤدي إلى النصر وهكذا.
ثانيا: أن الإنسان يستطيع أن يتعرف على أقدار الخير، وكذلك التعرف على أقدار الشر من خلال الخبرة الإنسانية وبما أخبرنا به الحق عز وجل.
ثالثا : إذا بمقدور الإنسان أن يختار أقدار الخير ويبتعد عن أقدار الشر، ورحم الله عمر بن الخطاب حين بعث برسالة إلى أبي عبيدة يأمره بها الخروج من المنطقة التي انتشر فيها مرض الطاعون، فكان رد أبو عبيدة أأفر من قدر الله؟ فرد عليه عمر رضي الله عنهما تفر من قدر الله إلى قدر الله. إذا بمقدور الإنسان أن يفر من أقدار الشر إلى أقدار الخير.
رابعا :هناك بعض الأقدار لا خيار للإنسان فيها وهي من الله تعالى، فعليه أن يصبر عليها ويحتسب عند الله، والأقدار التي لا خيار للإنسان فيها لا يحاسب عليها الإنسان عند الله بل له الأجر فيها إن صبر واحتسب.
خامسا : أما فيما يتعلق بعلم الله وعلاقته بالقدر، فعلم الله سابق لما يحصل من أقدار، ولكن هذا العلم لا يؤثر في وقوع الأحداث، بل علمه مجرد كاشف لما سيحصل في المستقبل.
سادسا: لا يحق للإنسان بأي حال من الأحوال الاحتجاج بالقدر، وأن يبرئ نفسه من تحمل المسؤولية، بل الإنسان مسؤول أمام الله وأمام القانون عن الأقدار التي اختارها والتي اقترفها والتي حصلت سواء باختياره أو بسبب تقصير منه.
وفي ضوء ما تم عرضه يتضح مدى سهولة وبساطة مفهوم القدر، وأن هذا الفهم يُحول الإنسان إلى طاقة إيجابية فعالة؛ لأنه يُشعر الإنسان بمسؤوليته عن أعماله، ويدفعه للجد والعمل للوصول إلى أقدار الخير والهروب من أقدار الشر.