عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Feb-2025

القرار الكارثي‏

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

ستيفان مور*‏ - (كونسورتيوم نيوز) 14/2/2025
‏أدت عملية الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين إلى تطهير عرقي جماعي، ولامساواة صارخة، وخوف دائم، وحرب إبادة جماعية.
 
 
أثارت خطط دونالد ترامب الغرائبية وغير الأخلاقية وغير القانونية، بشكل فاضح للاستيلاء على قطاع غزة وطرد سكانه، مشاعر الغضب والذهول في جميع أنحاء العالم. لكن لمناورته الجامحة جذور تعود إلى ثمانية عقود مضت في خطة الأمم المتحدة الكارثية لتقسيم فلسطين -الخطة التي آذنت بأول عملية تطهير عرقي جماعي للشعب الفلسطيني.
في 16 حزيران (يونيو) 1947، وصل أعضاء "لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين" (UNSCOP) الذين يمثلون 11 دولة إلى القدس. وكانت مهمتهم هي‏‏ التحقيق في‏‏ أسباب الصراع الفلسطيني وتقديم توصيات حول مستقبل البلد مع وصول الانتداب البريطاني لفلسطين إلى نهاية.‏
‏ومنذ البداية، كان التحقيق منحازًا بشكل صارخ لصالح الأقلية اليهودية في فلسطين. ‏‏لم يكن هناك ممثلون‏‏ عن الدول العربية في لجنة الأمم المتحدة، ورفضت "الجمعية العامة للأمم المتحدة" بشكل استباقي الدعوات العربية إلى وجود دولة فلسطينية واحدة تضمن الحقوق المدنية والدينية للعرب واليهود.‏
وكما ‏‏يشير‏‏ ‏‏المؤرخ الإسرائيلي إيلان ‏‏بابيه‏‏، فإن العرب ببساطة "طالبوا بمعاملة فلسطين بنفس معاملة جميع الدول العربية المجاورة لها، التي حصلت على استقالها الكامل بمجرد انتهاء انتداباتها [البريطانية]". (‏‏تاريخ قصير جدا للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ‏‏(ص 46)).‏
 
 
‏ولكن، بدلاً من ذلك، استمعت اللجنة إلى 31 من القادة اليهود من 17 منظمة صهيونية مقابل 6 ممثلين فقط من الدول العربية، للنظر في تقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين، يهودية وعربية -وهو شيء لم تكن لدى اللجنة السلطة القانونية لفعله، بموجب المادة 1 (2) من "‏‏ميثاق الأمم‏‏ المتحدة" ‏‏ التي تكرس "مبادئ المساواة في الحقوق وتقرير المصير لجميع الشعوب".‏‏ ‏
كان ذلك قرارًا كارثيًا للعرب واليهود والمنطقة بأسرها -واحدًا كان من شأنه أن يؤدي إلى تطهير عرقي جماعي، وعدم مساواة صارخة، وخوف دائم وحرب إبادة جماعية.‏
عندما وصل أعضاء "لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين" إلى تل أبيب، استقبلهم حشد مبتهج من السكان. كان القادة الصهاينة قد أعلنوا يوم عطلة عامة رسمية، وملأت الجماهير الهاتفة الشوارع المزينة بالزهور وأعلام نجمة داوود، بينما أحاط السكان المحليون الودودون بأعضاء اللجنة. وفي دار البلدية، اصطحبهم عمدة المدينة إلى الشرفة، حيث انفجر الحشد أدناه في الأسفل بترديد النشيد اليهودي، "هتكفا"، الذي يحتفي بالنبوءة التوراتية عن عودة اليهود إلى الأرض المقدسة.
وخلف الكواليس، تمت إدارة كل شيء بعناية. خلال زيارتهم التي استمرت سبعة أيام، جرى اصطحاب أعضاء "لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين" في جولات إلى أماكن الصناعة والتجارة اليهودية، والمستوطنات الزراعية، والمراكز الطبية، والجامعات، والمختبرات، والمعاهد العلمية -كلها برفقة كبار مسؤولي "الوكالة اليهودية" بمن في ذلك نائب رئيس الوزراء ‏‏المستقبلي، أبا إيبان‏‏.
 
 
‏وفي كل موقع، تأكد المخطِّطون من أن يلتقي أعضاء اللجنة "صدفة" بمستوطنين يهود من بلدانهم يمجدون المشروع الصهيوني.‏
لإقناع مسؤولي "لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين" بأن الدولة اليهودية الوليدة يمكن أن تصدّ أي هجوم عربي،‏‏ عُقدت ‏‏اجتماعات سرية‏‏ مع قادة الميليشيات اليهودية السرية. وضمت الاجتماعات جماعة حرب العصابات الصهيونية اليمينية، "‏‏الإرغون‏‏"‏،‏‏ والقيادة العليا لمجموعة "الهاغاناه" شبه العسكرية والاستخباراتية ‏‏الرئيسية.‏
‏تجسس الهاغاناه‏
ما لم يعرفه أعضاء اللجنة هو أن "الهاغاناه" كانت ‏‏تتجسس‏‏ أيضًا على كل محادثاتهم الخاصة.‏ وكما ‏كتب ‏‏الصحفي الاستقصائي الإسرائيلي، رونان بيرغمان، فقد‏ ‏‏"تم وضع ميكروفونات في غرف الفنادق والمؤتمرات. وتم التنصت على جميع المحادثات الهاتفية. وتم استبدال عمال النظافة في المبنى في القدس حيث عقدَت اللجنة جلسات استماع يومية بعاملات يبلِّغن يومًا بيوم عن أنشطتها".‏
‏وزُعم أن اثنين من أعضاء "لجنة الأمم المتحدة الخاصة"، من أوروغواي وغواتيمالا، تلقيا رشوة لتقديم معلومات داخلية عن المداولات السرية للجنة. كما اشتُبه في قيام ممثل غواتيمالا ‏‏بتسريب‏‏ معلومات داخلية إلى مسؤول في "الوكالة اليهودية".
 
 
وفي نهاية كل يوم، تم توزيع الملخصات الاستخباراتية (التي تحمل الاسم الرمزي "تقرير دلفي" مختومة بعبارة "اقرأ ودمِّر") بين المسؤولين اليهود لمساعدتهم في الاستعداد للأسئلة التي قد يتم طرحها عليهم عند الإدلاء بشهادتهم أمام اللجنة.
‏كان من بين أولئك الذين أدلوا ‏‏بشهاداتهم‏‏ أمام اللجنة رئيس الوزراء المستقبلي، ديفيد بن غوريون، الذي استشهد ببلاغة بالاستثنائية اليهودية وحق اليهود التواراتي بالأرض.
وقال بن غوريون: "على الرغم من أن القدر المرير [للشعب اليهودي] كان أن يتجول في المنفى لقرون عدة، إلا أنه ظل دائمًا مرتبطًا بكل قلبه وروحه بوطنه التاريخي. لا يمكن لأي يهودي أن يكون حرًا وآمنًا ونظيرًا مساويًا حقًا في أي مكان في العالم بما أن الشعب اليهودي كشعب لم يتجذر مرة أخرى في بلده كأمة متساوية ومستقلة".‏
وقال الرئيس الإسرائيلي المستقبلي، موشيه شيرتوك، للجنة، إن الهجرة اليهودية إلى فلسطين لم تشرِّد السكان العرب، وبشكل لا يصدق، أنه ‏‏"ليس من السهل العثور على أي مثال في تاريخ الاستعمار حيث تم تنفيذ مخطط استيطاني واسع النطاق مع احترام كبير لمصالح السكان الحاليين".‏
‏‏كتب‏‏ جيريمي ر. هاموند في ‏كتابه "رفض ‏‏تقرير المصير الفلسطيني‏‏": ‏"كانت القضية الصهيونية برمتها شائنة. كانت حججها زائفة ومتحيزة ومنافقة إلى أقصى الحدود. ‏‏ومع ذلك، أخذتها ’لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين‘ بجدية كبيرة. وقبلت الحجة القائلة بأن من شأن السماح بالديمقراطية في فلسطين في الواقع ’تدمير البيت القومي اليهودي‘ -وعلى هذا الأساس رفضت اللجنة صراحة حق الأغلبية العربية في تقرير المصير".‏
في 8 آب (أغسطس) 1947، غادرت "لجنة الأمم المتحدة الخاصة" فلسطين لتقوم بجولة في "مخيمات الأشخاص النازحين" للاجئين اليهود في زمن الحرب في النمسا وألمانيا. ‏وعلى الرغم من اعتراضات عدد قليل من أعضاء اللجنة بأنه "سيكون من غير اللائق ربط النازحين، والمشكلة اليهودية ككل، بمشكلة فلسطين"، تم قضاء وقت في زيارة "مخيمات النازحين" اليهودية أكثر من الوقت الذي أُنفق في زيارة جيران فلسطين العرب.
كان محرر ‏‏صحيفة "نيويورك تايمز"،‏‏ آرثر أوكس سولزبيرغر، وهو يهودي أميركي بارز، ‏‏غاضبًا‏‏ من تسليح الصهاينة لمحنة اللاجئين اليهود في معسكرات النازحين في أوروبا. وقال في خطاب نشرته صحيفته: "يجب علينا في الولايات المتحدة أن نفتح أبوابنا للناس من جميع الأديان والمعتقدات". ‏
 
 
‏وأضاف: "إن فرنسا تبحث عن مواطنين جدد، وهم يقفون عند بابها يطالبون بالدخول. ويمكن لإنجلترا؛ الملجأ التاريخي للمواطنين المضطهدين، أن تأخذ نصيبها منهم أيضًا. مع الاعتراف بأن يهود أوروبا قد عانوا بشكل يفوق الوصف، لماذا بحق الله يجب أن يُختزل مصير كل هؤلاء الناس في مطلب واحد هو إقامة الدولة؟‏".
ولم تلق هذه الاعتراضات آذانا صاغية -إذ سرعان ما تخلت أوروبا والولايات المتحدة عن كل مسؤولية عن لاجئيهما اليهود وتجاهلت مستقبل الأغلبية العربية في فلسطين.‏
‏خطة الدولتين‏
‏في 3 أيلول (سبتمبر) 1947، اقترحت "لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين" ‏‏خطة لتقسيم‏‏ ‏‏فلسطين إلى دولتين مستقلتين -واحدة يهودية وأخرى عربية- مع وضع القدس تحت سيطرة "نظام دولي خاص". وأيدت الخطة سبع دول من الأعضاء الأحد عشر، بينما صوتت إيران والهند ويوغوسلافيا ضدها، وامتنعت أستراليا عن التصويت.‏
وفق أي معيار، كان الاقتراح غير عادل على الإطلاق: حصل اليهود، الذين يشكلون ما يقرب من ثلث إجمالي السكان في فلسطين (630.000 نسمة) على 56 في المائة من الأراضي التي تشمل المناطق الأكثر ملاءمة للزراعة ومعظم الساحل. وحصل الفلسطينيون العرب، الذين يشكلون أغلبية الثلثين تقريبًا (1.324.000 شخص) على 42 في المائة فقط من الأراضي.
‏وسوف يذهب اقتراح "لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين" بعد ذلك إلى تصويت حاسم في "الجمعية العامة للأمم المتحدة"، وهو ما كان الصهاينة يستعدون له عن طريق شن حملة ضغط عالمية ضخمة ‏‏ممولة بمليون‏‏ دولار من "الوكالة اليهودية"، الحكومة اليهودية الفعلية في فلسطين، وفقًا للمؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف في ‏‏كتابه "فلسطين واحدة مكتملة" (ص 496).‏
بدأت حملة الضغط القسرية في البيت الأبيض، حيث أخبر الصهاينة الرئيس الديمقراطي، هاري ترومان، بأنه إذا فشل في دعم خطة التقسيم، فسوف يعاني حزبه، الذي يعتمد على قدر كبير من التبرعات اليهودية، من عواقب وخيمة.
 
 
‏ونُقل عن ترومان في كتاب "‏‏الرؤساء الأميركيونن والشرق الأوسط‏‏"، من تأليف جورج ‏‏لينزوفسكي‏‏ في ‏‏(‏‏ص 157) قوله: "لا أعتقد أنني تعرضت أبدًا لمثل هذا القدر من الضغط والدعاية الموجهة إلى البيت الأبيض كما فعلتُ في هذه الحالة. كان إصرار بعض القادة الصهاينة المتطرفين -مدفوعين بدوافع سياسية ومنخرطين في تهديدات سياسية- شيئًا أقلقني وضايقني".
ولكن، على الرغم من استياء ترومان من اللوبي و"نفوذه غير المبرر ولا المستحق"، انضمت الولايات المتحدة في النهاية إلى المؤيدين. ‏‏وفي 11 تشرين الأول (أكتوبر) 1947، أصدر الأميركيون إعلانًا رسميًا لصالح التقسيم.‏
بعد ذلك، ‏بدأت ‏‏الولايات المتحدة، بناء على طلب الصهاينة، في تجنيد الدول الأصغر بالرشاوى والتهديدات: ‏‏تم ‏‏تحذير‏‏ ليبيريا ونيكاراغوا من أنهما ستواجهان عقوبات شديدة إذا لم تصوتا لصالح التقسيم. و‏‏أرسل ‏‏26 عضوًا في مجلس الشيوخ الأميركي‏‏ يسيطرون على المساعدات الخارجية الأميركية برقية إلى الدول المترددة "يحثونها" فيها على دعم خطة التقسيم.‏‏ و‏‏حذر‏‏ قاضيا المحكمة العليا، فيليكس فرانكفورتر وفرانك مورفي، الرئيس الفلبيني مانويل روكساس من أن التصويت ضد خطة التقسيم سيكون من شأنه أن ينفر ملايين الأميركيين.‏
نهرو‏ يعترض
غاضبًا من هذه التكتيكات، كشف‏‏‏‏ رئيس الوزراء الهندي، ‏‏جواهر لال ‏‏نهرو،‏‏ عن أن الصهاينة حاولوا رشوة بلاده بملايين الدولارات للتصويت لصالح القرار، وأن شقيقته، فيجايا لاكشمي بانديت؛ السفيرة الهندية لدى الأمم المتحدة، تلقت تحذيرات من أن حياتها ستكون في خطر ما لم "تصوت بشكل صحيح".‏
‏في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، طُرحت "خطة التقسيم" ‏‏للتصويت‏ ‏في حجرة الجمعية العامة للأمم المتحدة المكونة من 57 عضوًا، وبدا أنها ستقصر عن كسب أغلبية الثلثين المطلوبة لتمريرها. 
وعندئذٍ، ‏رافضين القبول بالهزيمة، قام الصهاينة بتعطيل الجلسة، وتمكنوا من تأجيل التصويت لثلاثة أيام -وهو وقت كاف لبذل كل الجهود الممكنة لشن حملة ضغط مكثفة أخيرة. ‏
وعندما صوتت "الجمعية العامة" أخيرًا في 29 تشرين الثاني (نوفمبر)، تم تمرير خطة التقسيم (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181) بفارق ضئيل بأغلبية صوتين. ولو كان التصويت قد أُجري في موعده الأصلي، لكانت الخطة ستفشل في المرور على الأغلب، ولكان التاريخ قد اتخذ منعطفًا مختلفًا تمامًا.‏
‏ومع ذلك، من المهم أن ندرك أنه على الرغم من أن تكتيكات الصهاينة المافياوية نجحت في تحقيق التقسيم، فإن القرار 181 كان غير ملزم ولم يكن سوى توصية لم يصادق عليها "مجلس الأمن" أبدًا.‏
‏بالإضافة إلى ذلك، لم تكن لدى "الأمم المتحدة" سلطة بموجب ميثاقها تخولها بتقسيم فلسطين. ‏‏كان القرار 181 مخالفًا مباشرة للمادة 1 (2) والمادة 55 من‏‏ الميثاق‏‏ التي تدعو إلى ‏‏"مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب".
عن القرار ‏كتب‏‏ ‏‏الدبلوماسي المصري نبيل العربي‏‏:‏ "نتيجة لذلك، تحطمت التطلعات المشروعة والآمال الكبيرة للأمة العربية بأسرها عندما رأت بحزن بالغ أن الأمم المتحدة، التي يُفترض أن تكون ضمير البشرية، خلُصت إلى استنتاجات منحازة ألحقت ضررًا جسيمًا بقضية العدالة والأخلاق الدولية. لقد تمت التضحية بقانون الميثاق من أجل خدمة النفعية السياسية".‏
 
 
‏حتى يومنا هذا، ما يزال ثمة اعتقاد خاطئ بأن‏‏ "الأمم المتحدة" أنشأت دولة يهودية، في حين لم تكن لها سلطة إنشائها.
‏بدلاً من ذلك، أعطى القرار 181 الضوء الأخضر للميليشيات شبه العسكرية الصهيونية -الهاغاناه وعصابة شتيرن والإرغون- لادعاء الحق في إنشاء دولة يهودية في فلسطين من خلال شن‏‏ حملة ‏‏تطهير عرقي عنيفة‏‏ أعقبت قرار الأمم المتحدة مباشرة. ‏
كان ما ‏‏حدث بعد ذلك، والذي أُطلق عليه اسم "الخطة داليت" Plan Dalet (D)، هو ما وصفه بابيه، بشكل تقشعر له الأبدان:‏
‏"جاءت الأوامر مصحوبة بوصف مفصل للأساليب التي يجب استخدامها لطرد السكان قسرًا: الترهيب واسع النطاق؛ فرض حصار على القرى والمراكز السكانية وقصفها؛ إشعال النار في المنازل، والممتلكات، والسلع؛ طرد السكان؛ هدم المنازل؛ وأخيرًا زرع الألغام في الأنقاض لمنع السكان المطرودين من العودة...".‏
‏وعندما انتهى الأمر، كان أكثر من 750.000 فلسطيني قد اقتلعوا من ديارهم؛ وكانت 531 قرية قد دُمرت؛ وكانت 70 مذبحة مدنية قد نُفذت وقُتل ما يقدر بما بين 10.000 إلى 15.000 فلسطيني.‏
كتب‏‏ ‏‏بابيه ‏‏في ‏‏كتابه "تاريخ قصير جدًا‏‏" (ص 58): ‏‏"ساهم المجتمع الدولي، الموقع كله على ميثاق ملتزم بسيادة القانون والعدالة والمساواة في الحقوق للأمم، في تمهيد الطريق أمام الكارثة‏‏ -كارثة شاملة جدًا لدرجة أنها أصبحت التجسيد الحقيقي للكلمة العربية: ‏‏النكبة‏‏".‏
‏منذ بدايته كان القرار 181 خطة كارثية ذات عواقب وخيمة على مستقبل الفلسطينيين، واليهود، والمنطقة والعالم. ‏فقد سمح لأوروبا والولايات المتحدة بالتخلي عن لاجئيهما اليهود في أعقاب الهولوكوست. وأعطى الضوء الأخضر للصهاينة لإنشاء دولة فصل عنصري ثيوقراطية على أرض السكان الأصليين في فلسطين. ‏
كما مكن إسرائيل من انتهاك القانون الدولي بشكل فاضح من خلال احتلالها المستمر للأراضي التي تم الاستيلاء عليها في حرب العام 1967، وبناءالمستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية، وارتكاب جرائم الحرب المتعددة، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية في غزة اليوم.‏
‏على الرغم من تاريخها المعروف في الخروج على القانون، يقال لنا باستمرار إن لإسرائيل حقًا مقدسًا في الوجود. ومع ذلك، فإن "فكرة ’الحق الأصيل في الوجود‘ لأي دولة هي فكرة خاطئة"،‏‏ كما كتب‏‏ المسؤول السابق في الأمم المتحدة، منصف خان "من الناحية المفاهيمية أو القانونية، لا يوجد مثل هذا الحق الطبيعي أو القانوني لإسرائيل أو لأي دولة أخرى [بموجب القانون] الدولي".‏
 
 
إن ما يقوله القانون الدولي، كما يقول خان، هو "أن للشعوب حقّا غير قابل للتصرف في تقرير المصير"، وأنه "ليس لقوة احتلال حق أصيل في الدفاع عن النفس ضد الشعب الذي تخضعه، لكنّ للشعب الخاضع للاحتلال حقًا أصيلاً في الدفاع عن النفس ضد محتليهم".‏
‏إن مناورة ترامب المجنونة والإجرامية للاستيلاء على غزة تتعارض مع كل هذه الحقوق، ‏‏وتنتهك‏‏ كل تشريع ومعاهدة دولية رئيسية.
‏إن الترحيل القسري هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية محظورة بموجب "اتفاقية جنيف" و"محكمة نورمبرغ". ويشكل حرمان الفلسطينيين من الحق في العودة إلى أراضيهم انتهاكًا لـ"العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية". والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية هو سرقة أرض بحتة وبسيطة.‏
غني عن القول إن إسرائيل انتهكت كل هذه القوانين منذ زمن النكبة، لكن الفلسطينيين، الذين ضحوا بكل شيء وعانوا بشكل يعز على الوصف والقياس، أوضحوا شيئًا واحدًا: بينما يقومون بمسيرة العودة الطويلة إلى شمال قطاع غزة الذي دمرته آلة الحرب الإسرائيلية والقنابل الأميركية، فإنهم يواصلون مقاومة أي محاولة للاستيلاء على أراضيهم ويُظهرون تصميمهم على عدم التنازل أبدًا عن حقهم غير القابل للتصرف في تقرير المصير. ‏
 
*ستيفان مور Stefan Moore: (مواليد 1944) صانع أفلام وثائقية أميركي أسترالي عمل في الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأستراليا. حصلت أعماله على أربع جوائز إيمي والعديد من الجوائز الأخرى. من أبرز أفلامه الوثائقية: "Tyke Elephant Outlaw"، "Mysteries of the Human Voice"، و"The Cars That Ate China". قبل العام 2005، شغل منصب المنتج التنفيذي للأفلام الوثائقية العلمية في هيئة الإذاعة الأسترالية (ABC)، وكان منتجًا تنفيذيًا في Film Australia، كما شارك في تأسيس TVG Productions في نيويورك، حيث أنتج وأخرج أفلامًا وثائقية مختلفة. يصف مور نفسه بأنه "يهودي علماني"، وكتب عن التاريخ المضطرب لإنشاء الدولة اليهودية، داعيًا إلى التحول نحو "دولة ديمقراطية علمانية تستوعب كلًا من الفلسطينيين والإسرائيليين".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Catastrophic Resolution
المراجع والإحالات:
Pappé, Ilan. A Very Short History of the Israel–Palestine Conflict. London: Oneworld Publications, 2024.
Hammond, Jeremy R. The Rejection of Palestinian Self-Determination. Lulu Press, 2009.
Segev, Tom. One Palestine, Complete: Jews and Arabs Under the British Mandate. New York: Metropolitan Books, 2000.
Lenczowski, George. American Presidents and the Middle East. London: Carlton Press, 1990.
 
**العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية International Covenant on Civil and Political Rights: هو معاهدة دولية أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1966، ودخلت حيز التنفيذ في العام 1976. يهدف العهد إلى حماية الحقوق المدنية والسياسية للأفراد، مثل الحق في الحياة، وحرية التعبير، وحرية الفكر والدين، والمحاكمة العادلة، وعدم التعرض للتعذيب أو الاعتقال التعسفي. تُشرف على تنفيذ العهد لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وهو جزء من الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.