التنظيمات الإرهابية.. البوابة الفكرية للفوضى: إلى أين يقودون الشباب؟*د. محمد كامل القرعان
الراي
في كل مرة يُسفك فيها دم، أو يُفجّر فيها مبنى، أو يُستباح فيها وطن، تقف خلف الكواليس جماعات الفكر الظلامي التي صنعت البذرة الأولى للتطرّف. التي لطالما لبست قناع الدعوة والإصلاح، لكنها كانت، ولا تزال، المصنع الفكري الأوسع إنتاجًا للغلوّ والتكفير والدمار.
فالتنظيمات الإرهابية لا يُمارسون العنف بالضرورة بالسلاح، بل يغذّونه بالفكر، ويشرعنونه بالخطاب الديني المسيس. إنهم يزرعون الشكّ في الأنظمة، ويقوّضون ثقة الشباب بمؤسسات الدولة، ويحملونهم على اعتقاد أن «الحاكمية» لهم وحدهم، وأنهم «جند الله» في مواجهة المجتمع الجاهلي، وفق أدبيات سيد قطب وحسن البنا.
وما بين الدعوة الخادعة و"التمكين»، تنمو في عقول الشباب بذور التطرّف. وحين تأتي لحظة الانفجار، يكون أحدهم في خلية إرهابية، وآخر فجر نفسه في نقطة أمنية، وثالث فرّ إلى تنظيم «داعش» أو «القاعدة»، وجميعهم مرّوا يومًا عبر نادي فكري أو مسجد أو مجموعة «تربوية» تابعة للإخوان.
ما جرى في مصر بعد 2011 يكشف الوجه الحقيقي للإخوان؛ فحين وصلوا إلى الحكم، كشفوا عن مشروعهم الإقصائي، مستبدلين الدولة الوطنية بـ"الدولة الإخوانية»، وعندما رفضهم الشعب، لجأوا إلى العنف، فكان التفجير والاغتيال والتخريب سلاحهم.
وفي سوريا، شكّل بعض أتباعهم فصائل عسكرية متطرّفة ساهمت في تقسيم الساحة المعارضة، وأدخلت الثورة في متاهات دموية. أما في ليبيا، فاختطفوا المسار السياسي، وتحالفوا مع ميليشيات تابعة لتنظيم القاعدة ؛ فأينما وُجدوا، وُجد الانقسام، وُجد التحريض، ووُجدت مشاريع «الإسلام السياسي» التي لا تؤمن بالأوطان، بل بـ"الخلافة». وأخطر ما تقوم به بعض الجماعات هو أنها تستهدف الشباب تحديدًا؛ لا بالسلاح، بل بالوهم. تعدهم بالعدالة، وبالحكم الرشيد، وبالنهضة الإسلامية. لكنهم لا يملكون مشروعًا سوى السلطة. يُفخّخون العقول بأحاديث مبتورة، وشعارات دينية مشوّهة، ويزرعون الكراهية تجاه كل مختلف، ويحوّلون الشاب من فاعل في مجتمعه، إلى مشروع «خليفة» في عالم خيالي، وحين ينكشف الغطاء، يكون قد خسر عائلته، ووطنه، ومستقبله... وربما حياته.
الأردن، الذي خبر فكر الإخوان مبكرًا، لم يغفل يومًا عن خطرهم. الدولة الأردنية تعاملت معهم بالحكمة تارة، وبالقانون تارة أخرى، واحتفظت بموقف حذر من محاولات التغلغل في مؤسسات المجتمع. ومع ذلك، فقد حاولوا استغلال الجامعات، والنقابات، وبعض الجمعيات لبثّ أفكارهم، والتأثير على الشباب.
لكنّ المجتمع الأردني، الواعي بطبيعته، وبتأثير الأسرة والعشيرة والتعليم الديني الوسطي، قاوم هذا الفكر. واليوم، نرى جيلاً جديدًا يرفض المتاجرة بالدين، ويطالب بالدولة المدنية، ويؤمن بالإصلاح الواقعي لا الشعارات الشعبوية.
وهذه الجماعات ليست تيارًا سياسيًا عاديًا، بل حركة عقائدية ذات مشروع خطير، يقوّض الدولة، ويزرع التفرقة، ويختطف الدين لمآرب دنيوية. ومواجهة هذا الفكر لا تكون فقط بالمحاصرة التنظيمية، بل بالمعركة الفكرية والإعلامية والتربوية.
علينا أن نقولها بوضوح: الشباب ليسوا وقودًا لأوهام «التمكين»، بل هم أمل الدولة الحديثة، ولا مكان في مستقبلنا لجماعة تؤمن بالبيعة لا بالدستور، وبالسمع والطاعة لا بالنقاش والنقد.