الدستور
تعطي حالة التوافق على لجان مجلس النواب دون تنافس واصطفاف وانتخابات داخلية، وما يتبعها من عتب و»حرد»، انطباعًا إيجابيًّا عن الحالة الراهنة لأول مجلس نيابي يُنتخب على أسس حزبية وإصلاحات سياسية.
أقول «الحالة الراهنة» لأن أحدًا لا يمكنه التنبؤ بالأداء الكلي ولا التفصيلي للمجلس في دورته العادية الأولى، إن كان سيختلف عما كان.
الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة ستكشف للرأي العام شكل مجلس النواب الجديد، قسماته، ومداولاته، وقدرته على التشريع والرقابة.
سيكون الاختبار الحقيقي للمجلس عمومًا، وللنواب الجدد وأحزابهم خصوصًا، عندما يُقدِّمون أنفسهم للرأي العام في مناسبتين على التوالي: الثقة بالحكومة والموازنة العامة.
ستكون الدورة العادية الأولى اختبارًا حقيقيًّا للحكومة كذلك؛ فكتاب التكليف السامي لرئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان حدَّد قواعد الحوار والتعاون بين السلطتين بشيء من التفصيل:
(وعلى الحكومة العمل مع مجلس النواب لتجذير أسس الديمقراطية ومفاهيمها بما يعزز مؤسساتنا الديمقراطية والدستورية والمشاركة السياسية، وهي بذلك معنية بمحاورة المجلس والتشاور مع لجانه وكتله وأحزابه في الشؤون والقرارات التي تمس حياة المواطنين وفق نهج يُغلِّب المصلحة الوطنية على مصلحة أيّة جهة، ويضمن احترام كل سلطة لدور الأخرى).
سيراقب الأردنيون وغيرهم من المهتمين بالشأن الأردني لغة الخطاب وربما لغة الجسد، والاتهام، وعلو النبرة، وستسفر عن منح الثقة من هذا الفريق وحجبها من ذاك.
سيسمعون ويشاهدون نقدًا للسياسات التي أوصلت المالية العامة إلى هذا المستوى، سيوافق البعض على الموازنة العامة، وسيرفضها آخرون.
من مصلحة الدولة أن تكون مسيرة التحديث السياسي قد أفرزت مجلسًا نيابيًّا قويًّا ومختلفًا.
ومن مصلحة مجلس النواب العشرين أن يدافع عن موقعه الدستوري ويحسّن صورة نمطية انطبعت في أذهان كثيرين.
في كتاب التكليف السامي إيعاز واضح للحكومة بالنزول إلى الميدان والحوار مع المجلس، ومن الواضح أن رئيس الوزراء وفريقه الوزاري، ومن خلال تواصلهم مع النواب وجولاتهم الميدانية، وعقد مجلس الوزراء في المحافظات، عازمون على التعاون مع السلطة التشريعية لإحداث فارق يلمسه المواطنون في الحياة السياسية، لابد أن ينعكس بالضرورة على مسارات التحديث الثلاثة: السياسي، والاقتصادي، والإداري.
في منطقة منكوبة بالأزمات والاضطرابات، وأمام حالة التشظي في العالم العربي، والعدوان الإسرائيلي الهمجي ضد أهلنا في غزة والضفة الغربية ولبنان، وفي ظل غياب العدالة الدولية والاصطفاف الغربي إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي ودعم حربه المدمرة، أمام كل هذه الظروف، فإن مواجهتنا لهذه المخاطر واحتمالاتها المستقبلية تكون في وحدتنا وتماسكنا.
إن استعارة مصطلح «قواعد الاشتباك» من العسكري إلى السياسي والوطني مسألة في غاية الأهمية في حاضرنا ومستقبلنا.
نبهتنا حادثة الرابية إلى أن المخاطر قد تأتي في أي لحظة وفي أي مكان. قواتنا المسلحة في حالة مواجهة حقيقية لحماية حدودنا من مخاطر التسلل والسلاح والمخدرات، ومن أي عدوان قد يستهدفنا، وأجهزتنا الأمنية يقظة ليلًا ونهارًا لمواجهة الخارجين على القانون، ومكافحة الجريمة، وحماية المجتمع.
نبهتنا أيضًا إلى أن تطرف الكلام قد يُفضي إلى تطرف الفعل، وأن وقف المزاودات بات أولوية قصوى في زمن نتعرض فيه كدولة وكمجتمع إلى اتهامات زائفة واستثارات بائسة يائسة.
قوة الأردن وصموده وقدرته على التأثير تأتي من مهارة قيادته وصلابتها في الدفاع عن وطنها وأمتها، ومن تميز شعبه وإيمانه بوطنه وقيادته، ومن رسوخ مؤسساته وسلطاته الدستورية، ومن إيمانه برسالته التي قامت دولته على أساسها.
تماسكنا وتعاضدنا هو عدتنا لمواجهة الظروف القاسية التي تعيشها المنطقة اليوم، والتي قد تواجهها في المستقبل القريب.
الأردن القوي هو القادر على العبور بأمان إلى المستقبل، والقادر على الوقوف إلى جانب أشقائه المظلومين.
قواعد الاشتباك الوطني مع كافة قضايانا وقضايا أمتنا تعني المكاشفة والمصارحة والحوار في مواجهة ظروف اقتصادية صعبة، وتهديدات خطيرة، وأطماع عدوانية إقليميًّا، وعن نذر تقلبات دولية عميقة قد نشهدها خلال الأشهر المقبلة.