عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Feb-2021

في الفعل ورد الفعل* رمزي الغزوي

الدستور -

 
ما معنى أن يكون رد الفعل أقوى من الفعل نفسه؟ ومتى يجوز هذا؟ وكيف؟ وأين ولماذا؟. ففي الطبيعة، وحسب قوانين الفيزياء يجب ألا يكون رد الفعل أكبر من الفعل نفسه أبداً، ولا في أية حال من الأحوال. ربما يكون مساويا مقداراً ومعاكسا اتجاها، أما إن عشنا هذه الحالة فهذا يعني اختلالا في نظام حفظ الطاقة الكوني. 
 
نحن نكسر قوانين الفيزياء، نلوي أعناقها، نجدع أنفها، نجرها من أذنها، ونمسخها مع كثير من انفعالاتنا اليومية. والفزعة الشعبية التي تتلبسنا خير مثال لحالة رد الفعل في حالة كونه أكبر من الفعل نفسه بعشرات المرات. أي أننا نواجه فراشة بطائرة F16، وعصفوراً بقنبلة ذرية، أو ثعلباً ببركان من قنابل هيدروجينية. نحن نعمل الحبة قبة، ونقببها قبباً فوق قبب. نضخم الأشياء بعد أن نلبس على عيوننا عدسات محدّبة تقرّب البعيد وتكبّر الصغير، أو عدسات مقعّرة تقلب الصورة وتضخمها أو تشتتها.
 
لا أعرف مدى قدرة السيدة فيزياء وقوانيها الصارمة على تفسير ظواهر اجتماعية بتنا نعيشها مع ولوجنا الفضاء الأزرق «فيسبوك»، وسطوة مواقع التواصل الأخرى والسيطرة عليها من قبل من لا يمتلكون قدرة على التحكم بانفعالاتهم ووزنها قبل إطلاقها.
 
الحالة مربكة جداً ومتعثرة، ولا أعقتد أن قانونا فيزيائيا أو كيميائيا قادران على بوتقتنا  في بوتقة ما. نحن ازدواجيون انتقائيون مزاجيون، ومتقلبون في كثير من الحالات. فقد نطبق قانون الفعل ورده على حالة سلبية، بينما لا نستخدمه عندما نشهد حالة إيجابية وعلامة مضيئة. وقد يكون رد فعلنا مزلزلا على فعل عادي لا يعدو عن كونه خطأ بسيطا.
 
ثمة قول نسيت قائله، ربما يصلح أن يغدو ميزاناً دقيقاً يقيس انحرافاتنا في الأفعال وردودها. وهو قول: من لا يستحسن الحسن؛ عليه ألا يستقبح القبيح. وهذا يسهل شرحه عبر أمثلة حية عشناها، وأستطيع أن أسردها في عشرات المقالات.
 
فحين نرى شيئا جميلا بديعا نغض الطرف عنه بكل تواطؤ وخبث أحياناً. لا نثني عليه، ولا نعطيه حقه من الإشادة ولا نقف عنده. وهذا يكسر قانون الفعل ورده ايضا. ولكننا إذا لمحنا عيبا أو سقطة؛ فإننا نضخمه، نكبره، ونشيعه ونبني عليه بزيف خيالنا.
 
فكم من شيء جميل لم نرعه في حياتنا. ولم نلتفت إليه. بل طمسناه. وكم من زلة صغيرة جعلناه خطيئة لا تغتفر. نحن ننفعل ونتفاعل بسرعة مع ثاني أكسيد المصائب، ونتصرف كعنصر خامل مع الفضائل وبناتها.
 
وهذا للأسف ما يجعلنا انتقاميين، لا نرحم بعضنا، معبأين لا نغفر، ولا نتصالح حتى مع أنفسنا، متأهبين دوما للانقضاض على شيء ما، حتى ولو كان أرواحنا المتعبة. لا نسامح في أمر وجبت المسامحة فيه، ونسامح حيث لا مجال للسماح أو الرواح.