الغد
رفعت حركة حماس شعارا خلال تسليم الأسرى الإسرائيليين قالت فيه إنها هي اليوم التالي بعد الحرب، وهي تقول علنا إنها لن تتنازل عن سلاحها، ولن تخرج من القطاع، وهذه الرسالة تنزلت قبل بدء المرحلة الثانية من المفاوضات، والتي ستناقش ضمنيا ملفات تخص هذا الأمر.
في الوقت ذاته رفضت قياداتٌ داخل الحركة دخول أي قوات عربية أو دولية، واعتبرت أن أي قوة ستدخل ستكون وكيلة عن الاحتلال، وسوف تتم معاملتها باعتبارها قوة للاحتلال، وهذا جاء أيضا في توقيت ما قبل بدء المرحلة الثانية من المفاوضات، ويرتبط بما قلته أعلاه، من إعادة تأكيد حماس عن أن المقاومة باقية ولن تسلم سلاحها، ولن تسمح باستبدالها بأي قوة، بما يعنيه ذلك من نتائج قد تؤدي إلى عودة الحرب مجددا، داخل قطاع غزة.
الحركة والعواصم العربية والدولية تدرك هذه الأيام أن أهم ملفين مقبلين على الطريق، يتعلقان بهوية الجهة التي ستحكم غزة، والملف الثاني يتعلق بإعادة الإعمار، وشروطه العربية والدولية، وبعض الشروط مرتبط فعليا برغبة هذه الأطراف بتنازل حماس عن السيطرة في القطاع.
وسط هذا التطاحن يتم تهديد القطاع بأمرين أيضا، العودة إلى الحرب بما تعنيه من معاناة مؤلمة جدا، والتلويح بسيناريو التهجير، وكلاهما يستهدف إخراج حماس عمليا من القطاع.
المنطقة تنتظر الوصفة المصرية لإعادة الإعمار، التي تتحدث عن إعادة الإعمار، مع بقاء الغزيين داخل القطاع، مع شرط غير مشهر تماما، يرتبط بتخلي حركة حماس عن السيطرة على القطاع، خصوصا أن المصريين لديهم حسابات حساسة تخص الحركة، وما يرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، وغير ذلك من تفاصيل، فيما التوجه العربي المقبل سيتحدث عن مقاربة شبيهة تقوم على وقف الحرب، وتسليم القطاع لجهة مقبولة، أي السلطة الفلسطينية، وربما دخول قوات عربية ودولية لإدارة القطاع، إضافة إلى ما يتعلق بإعادة الإعمار حيث كل الأطراف تلتقي على نقطة واحدة، تتعلق بالرغبة بإخراج حماس من القطاع.
الحركة تدرك هذه التعقيدات، وتعرف أن الوضع الإنساني في القطاع سيئ، وهي تعرف أن الحاضنات العربية لا يمكن الوثوق بها، مثلما تدرك أن تعزيز العلاقة مع إيران، مثلما جرى في الزيارة الأخيرة، يجلب ردود فعل ساخطة، في ظل مناخات تستعدي إيران أصلا.
ماذا سيحدث الآن. إذا كانت السلطة مرفوضة، ووجود قوات عربية ودولية مرفوض أصلا، وإسرائيل وواشنطن يهددان بالتهجير أو استئناف الحرب، وهذا السؤال حساس.
نستذكر أن هذه الاستعصاءات حدثت في ملفات شبيهة، وأدت في مرحلة ما إلى تفاوض الأميركيين مع طالبان في أفغانستان، ضمن تسوية معينة، وقبول العرب والغزبيين لنسخة معدلة من الإسلام السياسي تتمثل في النظام الحالي من دمشق، برغم معرفتهم أن جذر هذه النسخة يمتد إلى النصرة والقاعدة، بل أدت الاستعصاءات إلى تفاوض إسرائيل مع منظمة التحرير، والوصول إلى صيغة أوسلو، وكل هذه النماذج مع اختلاف تفاصيلها قد تؤدي إلى نسخ ذات الكيمياء، أي اضطرار واشنطن ومن معها للتفاوض مع حماس نفسها، ما دامت أمرا واقعا يسبب كل هذه الارتدادات، ولعل السؤال المتزامن يقول لماذا ستتفاوض واشنطن وتل أبيب مع سلطة أوسلو، وهي الطرف الأضعف، قيد التفكيك، والذي لا يسبب إزعاجا لأحد، خصوصا، أن الواقع هو الذي يفرض نفسه، وليس مجرد الدور الوظيفي للسلطة.
كل هذا يقود إلى سؤال بارز حول ما إذا كانت واشنطن وتل أبيب في توقيت معين، لن تجدا سوى التفاوض السياسي تحديدا، حلا لكل هذا المشهد، مع حماس، بما يعنيه ذلك من إعادة إنتاج لكل المشروع الفلسطيني، ضمن تصور مختلف، وعلينا أن نتذكر أن ذات الحركة التي تؤمن بكون فلسطين عربية من البحر إلى النهر، تبنت سياسيا دولة فلسطينية، ضمن حدود 1967، بما يعني أن قدرتها على إجراء تحول سياسي يرتبط بوجودها، وشكلها، وتأهيلها لشكل سياسي جديد في القطاع والضفة، أمر يعد ممكنا، ضمن شروط مختلفة.
الطريق مسدود، فلا حماس ستتنازل لأحد، ولا التهجير يعد ممكنا، فيما استئناف الحرب يعد خيارا انتحاريا لكل أطراف المنطقة، وقد لا يبقى سوى الاعتراف بحماس ومفاوضتها سياسيا، بما يؤدي إلى شكل سياسي جديد في القطاع والضفة بتوافق مع حماس قبل غيرها.