الغد
يجادلني البعض بأني أكتب عن ضرورة مواصلة عملية الإصلاح السياسي "رغم كل التحديات الكامنة فيها" بينما الإقليم يشتعل، والشرر المتطاير يلامسنا ونحن في قلب دائرة النار الجهنمية.
شخصيا، أرى أن النار اشتعلت بسهولة في كل الكيانات التي كان مفهوم الدولة فيها ناقصا أو غائبا أو تعرض للتقويض، وما يحمي الأردن هو حضور راسخ لمفهوم الدولة "بالمعنى المؤسساتي الحقيقي" فيها.
وعملية الإصلاح السياسي– والحال كذلك- تصبح ضرورة واجبة وحتمية لمقاومة أي محاولات "وهي حاضرة دوما" لتقويض فكرة الدولة في الأردن مما يجعل الانقضاض "لا سمح الله" أكثر سهولة.
الإصلاح السياسي الجاد والمبني على عملية منهجية تتوازى مع الإصلاح الإداري والاقتصادي لا يجب أن يتوقف لحظة واحدة، بل يجب أن يكون الأولوية القصوى في عقل الدولة التي نمثلها جميعا، وهذا لا يعني أن نتغافل عن دائرة النار الجهنمية التي يتطاير شررها علينا من كل اتجاه، فتلك أولوية أمنية يتصدى لها وضمن مفهوم الدولة نفسه مؤسساتها المعنية من جيش وأجهزة أمنية.
العملية الإصلاحية لدولة دخلت مئويتها الثانية ليست عملية سهلة أيضا، وهذا يمكن إدراكه من حجم الجدل في داخل تلك العملية وصيرورتها اليومية، لكنها مستمرة والأخطاء واردة والعبث الحقيقي هو في تكرار الأخطاء ذاتها "والأخطاء أحيانا تكون على صيغة أشخاص" على أمل أن تتحول إلى صواب.
نعم، المطلوب أن تستمر العملية الإصلاحية وبقوة لا تتوقف، لكنها يجب أن تكون مفتوحة الاتجاهات خاضعة باستمرار للحوار الوطني الجاد بعيدا عن الإنشائيات والمتخصص في محاور الإنتاج الحقيقي وفي كل القطاعات الموجودة، وتقبل الأفكار الجديدة المناسبة، مما يرفد عملية اتخاذ القرارات بما فيها القرارات التشريعية المستحقة وبكثرة.
من هنا يأتي دور الأحزاب الحقيقي، بتقديم الرؤى والبرامج والأفكار الحقيقية في كل تلك القطاعات، والمطلوب منها كما من الحكومة فتح قنوات التواصل المباشر وطرح تلك الرؤى والبرامج على الطاولة المشتركة لمصلحة الدولة لا غير.
أما وقد قلنا كل ذلك فإن الإصلاح ليس مجانيا كذلك، وله تكاليفه المادية كما المعنوية، مما يعني أنه بحاجة إلى دعم إقليمي ودولي في ظل ظرف اقتصادي هو أيضا يخضع للإصلاح كي تنهض الدولة.
وهذا يعني الاستمرار في مواصلة سياسات التفاهم للوصول إلى التكامل والتموضع مع الأصدقاء والحلفاء والجيران من دول راسخة مثل الأردن، التكامل معها يفيدها بالمقابل أيضا، مما يعني أيضا أن مصلحتها تقتضي حضور الدولة الراسخة في الأردن، خصوصا دول الجوار الإقليمي في العمق الخليجي.