الغد
في ظل حروب دامية ومعاناة إنسانية لا تتوقف، وبلحظات يكتنفها الظلام، حيث تغرقنا التوجسات بشأن مستقبل مجهول؛ يأتي معرض الشارقة الدولي للكتاب ليغرس الأمل في نفوسنا من جديد، وينير دربنا في عتمة اليأس. فالثقافة في كل لحظة تظل مفتاحنا نحو عالم أفضل مشرع على أبواب المعرفة وحب الكلمة.
المعرض ليس مجرد حدث سنوي، انما بوابات كثيرة تعانق العالم، تحارب الجهل بالعلم، وتُبدد الظلام بالنور، وتُعيد صياغة الفكر الحر وثراء الكلمة لتكون أداة للإلهام والتغيير نحو الأفضل.
في كل عام، يتجلى سحر الإبداع في المعرض، حيث تتحول الزوايا إلى منصات تحتضن الثقافة، والأدب، والفن بكل تجلياته. وكأن الشارقة تهمس للعالم: نحن هنا، نبني جسورا من العلم والمعرفة، لنقترب أكثر من العوالم الأخرى ونمد يد الحوار بثراء الفكر.
نعم، في الشارقة، وتحت شعار "هكذا نبدأ"، تُرسم ملامح بدايات ثقافية لا تعرف النهاية. هنا، تتجدد الكلمة المكتوبة، تنتقل من جيل إلى آخر، تفتح الآفاق للقراءة واكتشاف عوالم جديدة. وفي هذا المشهد الثقافي، تتصدر الشارقة عالميا للمرة الرابعة على التوالي في بيع وشراء حقوق النشر، مؤكدة مكانتها كمنارة مضيئة للمعرفة والإبداع.
سنوات مضت منذ انطلاق المعرض، وسنوات قادمة تنير درب الإمارة في رحلتها لبناء الإنسان عبر العلم والمعرفة والأدب، بقيادة حاكمها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الذي يؤمن بأن الكتاب هو النبراس الذي يضيء طريق المستقبل المزدهر، والجسر الذي يعبر الشعوب والأمم نحو آفاق أرحب من التواصل وتبادل الأفكار، متجاوزا حدود الزمن.
"هذه الأمة ستظل بخير ما دامت الثقافة بخير"؛ هكذا يؤمن الشيخ القاسمي، الذي يرى في الكتاب سر تطور الأمم ونهضتها. ومن هذا الإيمان الراسخ، لم يدخر جهدا في دعم الثقافة بكل أشكالها، وفي رفع مكانة اللغة العربية، لتظل حاضرة وقوية ومؤثرة في كل أرجاء العالم.
في الدورة الثالثة والأربعين من المعرض، حلت المملكة المغربية ضيف شرف، حاملة إرثا ثقافيا عريقا أضاء أروقة الشارقة. وكما اعتدنا، تختار الإمارة في كل عام وطنا يقدر عظمة الثقافة كجسر يربط الشعوب.
في فضاءات الشارقة للكتاب، لا يدخل زائر إلا ويحمل شغفا بالبحث والقراءة، ولا يخطو خطوة إلا ويلتقي بالإبداع. تتعدد الفعاليات في المعرض ما يجعل الصغير والكبير يتمنيان لو أن ساعات اليوم تمتد لتتيح لهما فرصة أطول في استكشاف هذا التنوع الثقافي الهائل والانغماس في لقاء الحضارات.
لهذا العام؛ اختتمت فعاليات معرض الشارقة بدورته الـ43 بعد 12 يوما من الزخم الثقافي والفكري، في مشهد عكس شغف العالم بالمعرفة. استقطب الحدث 1.82 مليون زائر من أكثر من 200 جنسية، وبمشاركة أكثر من 2.500 ناشر وعارض من 108 دول، كان المعرض منصة تتجاوز الحدود الجغرافية، وتجمع العقول حول شغف واحد وهو: الكتاب.
من قال إننا أمة لا تقرأ؟ في " الشارقة للكتاب"، أثبت الواقع عكس ذلك تماما. حيث التنوع الكبير في قاعدة الزوار والاهتمام المشترك بين الجنسين بالمحتوى الفكري الذي يقدمه المعرض. أما الصغار وطلبة المدارس، فقصتهم مليئة بالشغف والفضول، والانغماس في مغامرات ثقافية تعزز الوعي وتنمي النضوج.
المعرض، شهد إطلاق أكثر من 1000 كتاب جديد، لتضاف هذه الأرقام إلى سجل إنجازات الشارقة الحضارية. واستقبل مليونا وثمانمائة ألف زائر، واستضاف أكثر من 2500 ناشر وعارض من مختلف أنحاء العالم، مؤكدا بذلك مكانته كمحفل عالمي للمعرفة والإبداع.
كنت محظوظة بالتواجد بهذه الدورة الاستثنائية من معرض الكتاب، وعدت هذا العام وأنا أحمل في ذاكرتي مشاهد لا تُنسى، صورا من الإبداع ستظل راسخة في عقلي وقلبي إلى الأبد. على أمل أن يتجدد اللقاء، بحب الكلمة المقروءة في الشارقة، تضيء دروب المعرفة، كما أضاءت في الماضي، وتستمر في فعلها بالحاضر، لتسير بشغف أكبر نحو المستقبل.