عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Aug-2019

قافلة الحج الشامي مروراً بالأردن

 من تاريخ الأيام مع د. رؤوف أبو جابر

 
وليد سليمان
الراي - رجل الاعمال والمفكر المؤرخ الذي كان عميدا للسلك القنصلي الفخري في الاردن الدكتور رؤوف ابو جابر، له بحث قيم عن (تاريخ شرقي الاردن واقتصاده خلال القرن 19 ومنتصف القرن 20 (وقد ورد في كتابه الضخم هذا عن أهمية قافلة الحج الشامي ما يلي:
قد يظن الناس، وقد تيسرت لهم وسائط النقل على جميع انواعها هذه الايام ان هذه القافلة التي كانت تخرج كل عام من دمشق وتسير خلال أربعين يوما او ما يقاربها حتى تصل الى مكة المكرمة، ثم تستغرق نفس المدة او اقل قليلا في رحلة العودة.
وقافلة الحج الشامي السنوية أصبحت أمراً مألوفا لدى الناس في ذلك الزمن بالقرن 19 ..و ظلت تستحوذ على مشاعر الناس، وافكارهم نظرا لاهميتها الروحية وارتباطها بأعز مركزين في العالم الاسلامي مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وانها لذلك كانت تستقطب اهتمام الناس اكثر من نصف السنة.. مع كل ما يتم من اجراءات لتمويلها وتنظيمها وحمايتها من الفساد الداخلي والهجوم المباغت من قبل بعض القبائل البدوية التي كانت تتربص بها على جانبي الطريق الطويل الذي كان يمر من الشام الى بلاد الحجاز.
فقد كانت في الاردن تمر قافلة الحج الشامي في محطات: الرمثا – المفرق – الزرقاء – زيزياء (البلقاء) – القطرانة – الحسا – عنيزة – معان – بطن الغول – المدورة.
وكانت هناك الإنعامات والإكراميات التي تتبعها رواتب شهرية ومخصصات، كانت حلقة في سلسلة الجهود العثمانية للحصول على الامن والنظام أثناء مسير رحلة الحج، وهي بالحقيقة استمرار لنظام الصُرر الذي كان العثمانيون قد استحدثوه بعد احتلالهم لبلاد الشام في القرن السادس عشر.. وذلك في محاولة منهم لضمان وصول قافلة الحاج والعودة بسلام من الديار المقدسة.
ولإعطاء مدى اهمية هذا الترتيب لاهل البلاد من الناحية الاقتصادية، فقد كانت تلك عملية مجزية بالنسبة للبداوة الاردنية.. في الوقت الذي كانت فيه عائدات التجارة في محطات الحاج في اراضي شرقي الاردن عملية مجزية للاهالي المستقرين في المنطقة الممتدة من الرمثا حتى معان.
"كما ان الدولة العثمانية اشرفت اشرافا فعليا على الحج واعتبرت هذا العمل واجبا يقع على عاتقها باعتباره الركن الخامس من اركان الاسلام.. وان عليها تيسير الحج امام الراغبين فيه.. فأنشأت الآبار على طول طريق الحج، واقامت الحصون وشجعت على اقامة الخانات.. واقامت المخافر التي كانت تشرف على قوافل الحج الأربع الرئيسية:
1 (قافلة الحج الشامي وتضم حجاج بلاد الشام والجزيرة وكردستان واذربيجان والقوقاز والقرم والاناضول والبلقان وحجاج استانبول نفسها وكان عددها يتراوح بين ثلاثين وخمسين الفا.
2 (قافلة الحج المصري وتضم حجيج مصر وشمالي افريقيا.
3 (قافلة الحج العراقي وتضم حجاج العراق وفارس.
4 (قافلة الحج اليمني وتضم حجيج اليمن والهند وماليزيا واندونيسيا.
وهذه القوافل كانت تمر من كافة انحاء الدولة العثمانية في مواعيد محددة، وتخصص لكل منها قوة تحرسها يقودها احد كبار العسكريين الذي كان يسمى سردار الحج (سر عسكر بمعنى رئيس الجيش) وكان على رأس كل قافلة اميرا للحج وكثيرا ما كان امير الحج يتولى قيادة الجيش في قافلة الحاج الشامي.
وقافلة الحاج هذه تقليد قديم جداً... فقد رافقها الرحالة ابن بطوطة في القرن 15 ،وجاء في كتاب «مهذب رحلة ابن بطوطة» الذي نشرته وزارة المعارف العمومية بالقاهرة: ان سفره «كان مع طائفة من العرب تدعى العجارمة اميرهم محمد بن رافع كبير القدر في الامراء» وقد ذكر مرورهم بزيزياء والجوف وحصن الكرك.. حيث استراحوا بموقع الثنية ثم ارتحلوا الى معان اخر بلاد الشام ودخلوا الصحراء التي يقال فيها «داخلها مفقود وخارجها مولود»!!.
إلا ان بلاد الشام شهدت تغييرا اساسيا في برامج وترتيبات الحج عندما اصبح السلطان العثماني بدءاً من عام 1708 يعين ولاة دمشق أمراء لقافلة الحاج الشامي، مما اوجب تغيبهم عن المدينة لفترة طويلة!! إذ ان الوالي كان يغادر مع القافلة في النصف الاول من شهر شوال ويعود اليها اذا سارت الامور اثناء الرحلة على ما يرام في النصف الاول من لاصفر!! اي بغياب يقارب الاربعة اشهر يضاف اليها فترة غياب غير محددة قبل ذلك لجمع المال الضروري للانفاق على قالة الحج من الملتزمين في ما عُرف بالدورة.
والاهتمام الكبير الذي كانت تبديه السلطات عموما بقافلة الحاج نظرا لاهميتها الدينية، أظهره كذلك المصريون اثناء وجودهم في سوريا بين 1831 – 1841 ،إذ اتخذوا الاجراءات اللازمة لتسهيل مهمة القافلة وايصال الحجاج بسلام الى بيت االله الحرام.
وقد كانت الوثيقة رقم (18 (بتاريخ 27 صفر 1251) ايار 1835 ،(دليلا على اهتمام السرعسكر المصري الذي أوفد لجنة لمعاينة الطريق وتقديم تقرير «ناطق بالاصلاحات والترميمات اللازمة للقلاع وبرك المياه الموجودة في المراحل والمنازل الواقعة على الطريق بين دمشق الشام ومكة المكرمة».
وقد قدم في حينه الى محمد علي باشا الكبير، فأمر باجراء اللازم لصيانة محطات الرمثا وعين الزرقاء والبلقاء والقطرانة والحسا وظهر العنيزة ومعان وقلعة القصبة والمدورة وقلعة ذات الحاج وبقية المحطات حتى مكة المكرمة.
ويقول المؤرخ د. ابو جابر: ولتقديم صورة وافية عن هذه القافلة وما كان يواكبها من نشاط بالنسبة لسكان شرقي الاردن، رأينا ان نعطي ملخصا لما ورد في مذكرات موظف تركي اسمه «سويله مز اوغلي» من مدينة ارضروم التركية الذي كان في العام 1890 قد قام برحلة في بلاد الشام رافق اثناءها قافلة الحاج، التي غادرت دمشق صباح 19 ايار 1890 ،بعد ان كانت الصره السلطانية والمحمل والسنجق الشريفين، قد عُرضا لاربعة او خمسة ايام أمام الناس في دمشق بمقتضى عادة قديمة قبل ان تتم مسيرة ركب المحمل الشريف بحضور اركان الولاية وكافة الامراء وضباط الجيش وهم بكامل ازيائهم الرسمية متقلدين اوسمتهم بحراسة فوج من الجند السلطاني.
حيث يشاهد خروجه جميع اهل دمشق ويصاحبونه حتى «محلة القدم» حيث تبدأ الرحلة جنوبا الى الحجاز بعد ان يكون قد اكتمل تجمع الحجاج.
وكانت القافلة تلك السنة «تتكون من حوالي 350 ايرانيا و40 - 50 من حجاج الشام والجنود المحافظين و300 - 400 عكاما (الذين يقودون الجمال ويخدمون راكبيها) و700 – 800 من البدو والجمالين المكلفين بنقل امتعة السفر وألفين الى ثلاثة آلاف جمل.
وعند الوصول الى الرمثا وجد الكاتب» سويله مز اوغلي» ان العشيرة التي تتزعم المكان هي عشيرة ابن زبن (من بني صخر) وهي تتكون من ثلاثمائة خيمة وكان دريبي ابن زبن يقيم في الخيام في عين الزرقاء ويبلغ الخامسة والثمانين، وكان يتحلى بالذكاء والشجاعة والحيوية والقوة.. وكان قد دخل في خدمة محمد علي باشا في مصر، وحضر الى المزيريب لمصاحبة القافلة واستلام الأعطية السنوية المخصصة له من الدولة العثمانية، وأصر ان يحضر الجميع طعام الغذاء في منازله بالزرقاء.
وقد سارت القافلة من الرمثا الى الفدين (المفرق) مدة 11 ساعة او ما مسافته 42 كيلومترا..
ارتحلت بعدها عن طريق خربة التمر الى وادي الضليل حتى عين الزرقاء.. فكانت المسافة من خربة التمر الى الزرقاء 18 كيلومترا.
وفي الاول من حزيران تم السير الى قلعة ارميدان مسافة 16 كيلومترا ثم سهل البلقاء والمرور بالمشتى ثم زيزياء، وعند الوصول الى قلعة البلقاء الكائنة على فروع جبل البلقاء تكون المسافة المقطوعة بين الزرقاء وقلعة البلقاء 56 كيلومترا يقابلها 55 كيلومترا للمسافة بين البلقاء والقطرانة.. فمسيرة 9 ساعات او 36 كيلومترا حتى الحسا وبعدها 11 ساعة او 77 كيلومترا الى عنيزة وبعدها 28 كيلومترا تصل القافلة الى معان.
وهناك شاهد اخر على اهمية هذه القافلة وهو الرحالة البريطاني المشهور «داوتي» الذي أكد اثناء رحلته التي بدأت من دمشق يوم 13 تشرين الثاني 1876 ان القافلة كانت مشكلة من اكثر من ستة آلاف شخص وعشرة آلاف دابة بين جمل وحصان وبغل وحمار.. وانها كانت تكلف ولاية الشام ما يعادل الخمسين الف جنيه استرليني.
بينما يذكر آخر: «ان مرور الموكب دام من شروق الشمس حتى الظهر.. وقد قدر عدد المشاركين في هذا الموكب بما لا يقل عن اربعة آلاف انسان».
والتقديرات المختلفة لأعداد الحجاج والمرافقين وهؤلاء الذين يعتنون بشؤون القافلة، ستظل سببا للاختلاف، لان الظاهر انه لم تكن هنالك اية احصاءات او قيود لهذه الارقام!!!.
أما عن الاخبار الرسمية عن علاقات السلطنة العثمانية وامراء الحاج مع شيوخ القبائل البدوية على طريق الحاج ليست كثيرة، إذ انها على ما يظهر كانت تخص مواضيع حساسة تتعلق بالعلاقات الشخصية واوضاع الامن والصُرر التي كانت تدفع للشيوخ، والهدايا التي كانت تصل الى الموظفين والمأمورين، إلا ان خبرا اورده الرحالة «ترسترام» عن زيارته عام 1872 الى مضارب بني صخر مسيرة ساعتين جنوبي مأدبا يعطينا فكرة عن علاقة فندي الفايز شيخ مشايخ بني صخر مع قافلة الحاج السنوية فقد كتب يقول:
«فندي الفايز كان غائبا اذ انه توجه شرقا للسير مع قافلة الحاج السنوية في رحلتها لستة عشر يوما نحو مكة المكرمة إذ ان عليه مسؤولية حماية الحجاج من اطراف حوران حتى مسيرة ستة ايام جنوب الكرك، ولتنفيذ هذه المهمة فهو يجند سبعمائة هجان».
ومن الطبيعي ان كلا من هؤلاء السبعمائة كان له نصيب في الصرة التي كانت تقدم بعد إتمام المرحلة المذكورة جنوب الكرك الى شيخ المشايخ من قبل امير قافلة الحاج».
والجدير بالذكر، هنا انه بالاضافة الى خدمات هؤلاء الهجانة للحراسة، فان قبيلة بني صخر كانت تؤجر عدة مئات من الجمال للمسؤولين عن قافلة الحج، لحمل الاثقال ونقل العلف والتبن والشعير الى المحطات الواقعة جنوب معان وحتى المدينة المنورة التي لم يكن تتوفر فيها مثل تلك المواد.