الجريدة -
هل لا تزال بيروت مدينة النشر الأولى في دنيا العرب؟ قد لا يكون هذا صحيحاً من ناحية الكم، لكنه صحيح من حيث الحريات المتاحة والخبرات المهنية المتراكمة التي اكتسبتها.
سألني الكاتب والزميل عبدالوهاب الحمادي عن دار الكشاف للنشر، هل لا تزال قائمة، وهو السؤال الذي قادني إلى كتاب نقولا زيادة، أستاذ التاريخ بالجامعة الأميركية في بيروت، والذي التحق بها منذ سنة 1949 وظل فيها إلى سنة 1973، وبعنوان «لبنانيات... تاريخ وصور»، وهو عربون محبة لمدينة عشقها وبقي فيها، أهداه لي الصديق حسين الفيلكاوي.
بيروت أعجوبة في دنيا العرب، هكذا وصفها بعد معايشته لها، متأثراً بقول قيصر ألمانيا الإمبراطور غليوم «بيروت درّة في تاج آل عثمان»، فقد زارها سنة 1925 مع صديقه درويش المقدادي، برحلة على الأقدام، انطلقت من صفد شمال فلسطين وانتهت بأنطاكيا، ثم توالت الزيارات فيما بعد ليستقر بأحضانها.
يتذكر بيروت في الخمسينيات والستينيات إلى أن جاءت سنة 1975 ليبدأ لبنان «مسيرة العذاب الطويلة» ويخرج هذا الكتاب سنة 1990، رافضاً مغادرة مدينة أحبَّته فأحبَّها.
يتحدث عن دور الكتاب في لبنان وانتشار المكتبات في بلاد الشام منذ أن وصل الورق من الصين إلى هذه الديار بعد الفتح العربي لأواسط آسيا وتوقفه عند مكتبة آل عمار في طرابلس، وهم مغاربة أصلاً، أقاموا مكتبة فيها أقسام للفلسفة والفقه والتاريخ، كانت المجلدات فيها لا تقل عن مئة ألف مجلد، بنو عمار حكموا طرابلس قبل مجيء الصليبيين (1065م)، جاءها المسيحيون اليعاقبة العرب وجعلوا منها مركزاً لدراسة الطب وتعليمه.
ويذكر مكتبة بكركي ودير المخلص في صيدا، ومكتبة الجامعة الأميركية وجامعة القديس يوسف، ومكتبة الحاج حسين بيهم، ومكتبة الشيخ أحمد عارف الزين، مؤسس مجلة العرفان، وكذلك مكتبة كميل أبو صوان.
ما أفادني في كتابه هذا روايته لمؤسس الجامعة الأميركية في بيروت، وهو دانيال بلس من المبشّرين الأميركيين الذي وصل إلى بيروت عام 1856 وظل فيها إلى تاريخ وفاته سنة 1916، انصرف إلى تولّي رئاسة الجامعة سنة 1866، وكان اسمها الكلية السورية الإنجيلية، واستمر في رئاستها حتى عام 1902.
تدوين المذكرات، وهو عمل أتقنه الأميركان والإنكليز، وإن كان العرب والمسلمون عرفوه منذ زمن، واشتهر به السفراء والرحالة والمستشرقون، ولهذا نالت الوثائق البريطانية شهرة واسعة كأحد المصادر المهمة في كتابة تاريخ المناطق التي استعمروها وبقيت هذه العادة متصلة إلى أيامنا هذه.
كان دانيال بلس وزوجته يكتبان التقارير والرسائل المحفوظة لدى مجلس الأمناء في نيويورك، وقام ابنه الأكبر بتحرير تلك المدونات ليظهر مجلد كامل تحت اسم «ذكريات دانيال بلس» ونشر عام 1920.
فكرة إنشاء الكلية تبلورت بعد الأحداث الطائفية بين الدروز والمسيحيين سنة 1860، وتغيّر اسمها من الكلية السورية الإنجيلية إلى الجامعة الأميركية، وبعد الحرب العالمية الأولى، جمعت التبرعات لتمويلها من إنكلترا وأميركا، وظلت الكلية في أبنية مستأجرة حتى سنة 1873، حين انتقلت إلى بناية الساعة في حرمها الحالي.
أقام Bless صداقات كثيرة، وكان من زوار الجامعة تيودور روزفلت، الذي أصبح رئيساً لأميركا فيما بعد، تعرّف على المهندس البريطاني وليام مكسويل، واتفق الاثنان على الدخول إلى جعيتا واكتشفا المغارة، ونجح الفريق المكون فيما بعد من السير 1280 متراً داخل المغارة.