عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Jan-2020

في العراق ولبنان المشكلة مستمرة - تسفي برئيل

 

هآرتس
 
“توجد لدينا اربع طائرات اف 14 واربع طائرات سوخوي 25، وهذا كاف للدفاع عن سمائنا”، قال المتحدث بلسان رئيس الاركان في الجيش العراقي، عبد الكريم خلف. الدفاع ممن؟ هذا الأمر لم يتطرق اليه. مشكوك فيه اذا كان المتحدث يعبر عن موقف الحكومة العراقية التي تستمر في اجراء المفاوضات مع ممثلي الإدارة الأميركية حول سحب القوات الأميركية من الدولة. والانسحاب لن يكون في الوقت القريب كما يبدو. الإدارة الأميركية اوضحت بأنه لا توجد لها خطط لسحب قواتها، وعلى الأكثر سيتم نقل عدد من الجنود الى مواقع جديدة.
إذا كانت الحكومة الانتقالية في العراق اعتقدت بأن تصفية قاسم سليماني ستحدث ثورة وستخرج القوات الأميركية من العراق، فقد خاب أملها في الوقت الحالي، حيث أن مشكلتها الاساسية ليس التواجد الأميركي، بل المظاهرات التي تجددت بكامل القوة في بغداد وفي مدن الجنوب مثل البصرة والناصرية. في نهاية الأسبوع الماضي خرج آلاف الناس الى الشوارع في هذه المدن وهم ينادون بالشعارات المعروفة التي أساسها المطالبة بانهاء التواجد الايراني في العراق واخراج القوات الأميركية من الدولة. وقد قتل متظاهران بنار قوات الأمن والمئات اصيبوا والكثيرون اعتقلوا. الاشتعال الذي خفت لبضعة ايام على الفور بعد تصفية سليماني عاد بكامل القوة، ومعه تجددت المطالبة الملحة باجراء انتخابات جديدة وعدم السماح لرئيس الحكومة الانتقالية، عادل عبد المهدي، بالعودة الى الحكم. وبعد شهرين على استقالة رئيس الحكومة، رؤساء الأحزاب الكبيرة لم ينجحوا بعد في الاتفاق على رئيس حكومة جديد أو على الخطوة السياسية القادمة.
الاشتعال يتواصل في لبنان ايضا. مئات المتظاهرين في بيروت وطرابلس في الشمال خرجوا للتظاهر ضد الحكومة وتسببوا باغلاق فرع البنك المركزي في طرابلس واحرقوا اطارات السيارات ورشقوا الحجارة، منادين بتشكيل حكومة جديدة. وحسن نصر الله حذر من أنه اذا لم يتم تشكيل حكومة جديدة فان لبنان سيدمر. وفي المقابل، خصومه في الشارع يشيرون اليه باعتباره المتهم الرئيسي وربما الوحيد في تدمير الدولة واحباط أي حل سياسي.
في هاتين الدولتين يكتشف الشعب مرة اخرى بأنه يمكنه اسقاط حكومات، لكن ليس انظمة. وقبل ثلاثة اشهر تقريبا حظيت هذه المظاهرات بصفة “الربيع العربي الجديد”. وقد اعتبر القتلى شهداء الديمقراطية، وقوات الامن أطلق عليهم اسم “قتلة”، لكن ليس في أي من هاتين الدولتين وحتى ليس في ايران ايضا التي تستمر فيها المظاهرات، نجحت حركات الاحتجاج في تقديم قيادة بديلة. النشطاء في الشبكات الاجتماعية وأصحاب مكبرات الصوت في الميادين وراشقي الحجارة ومشعلي الاطارات هم مجهولون بالنسبة للجمهور الواسع. وعندما سيتم اجراء الانتخابات هم لن يجلسوا في الحكومات التي سيتم تشكيلها بعد ذلك، طالما أن هذه الطريقة تواصل ادارة اجهزة الحكم.
الفرق بين هاتين الدولتين هو أنه في العراق توجد بنية اقتصادية تستند على احتياطي النفط الخامس في العالم، في الوقت الذي لا يوجد فيه للبنان أي مورد يضمن سداد ديونه التي تبلغ 90 مليار دولار والتي تشكل نحو 155 في المائة من الناتج الخام الاجمالي. ولكن ايضا مع مواردها الضخمة، إلا أن العراق غارق بديون كبيرة، ومثل لبنان هو غارق في الفساد العميق الذي يعزز الطبقة الحاكمة. الدول المانحة وعدت لبنان بـ 11 مليار دولار تقريبا. ونظريا هذا المبلغ يمكنه مساعدتها في سداد جزء من ديونه. ولكن لن يتدفق ولا حتى دولار واحد اليها طالما أنه لا توجد حكومة موثوقة يمكنها ضمان أن الاموال ستصل الى الأهداف الصحيحة.
من اجل تغيير “الطريقة” لا يكفي ابعاد حزب الله عن مركز القوة السياسية التي يوجد فيها. ومثلما في العراق، فان التركيبة الطائفية للنظام وتوزيع الغنائم بين الطوائف الكبيرة والاعتقاد بأن الدولة تعود للاوليغاركيين، تُملي التشريع وتوزيع الموارد بين المجموعات القوية. في هاتين الدولتين الكلمة السحرية هي “حكومة تكنوقراط”، أي حكومة لا تعمل كمندوبة للطوائف، بل تضع المصالح الوطنية نصب عينيها. هذا في الحقيقة شعار جميل، لكن مشكوك فيه اذا كانت حكومة كهذه يمكنها حقا أن تقوم. ومن اجل النجاح في هذه المهمة يجب عليها أن تضرب بقوة مصالح ارباب المال. ومشكوك فيه ايضا أن تجد شخص تكنوقراط مستقل لا يكون مقيد باحدى الطوائف أو لا يتم الشك به فورا بالتحيز لطائفته.
الدليل على ذلك يمكن ايجاده في المفهوم الذي اخترعه الرئيس اللبناني ميشيل عون الذي يعارض حكومة تكنوقراط، لكنه يقترح بدلا منها حكومة “تكنوسياسية”، التي تعني حكومة فيها يكون الوزراء سياسيون مع القليل من الخبرة المهنية. حزب الله يرفض تماما هذا الاقتراح، وهو يطالب بحكومة تمثل جميع الشرائح، وعمليا، لن تكون مختلفة عن الحكومة السابقة. رئيس الحكومة المعين، حسن ذياب، يصمم حتى الآن على تعيين حكومة خبراء، لكنه ادرك بأنه لن ينجح في اقناع ذوي المصالح الذين وافقوا على تعيينه في هذا المنصب.
في لبنان وفي العراق فان الطائفية والقبلية تجد تعبيرها بواسطة الاحزاب التي تدير صراعاتها في ساحات مثل البرلمان والحكومة. وخلافا لدول أكثر تمأسسا مثل مصر، فانه في لبنان والعراق البرلمان هو مجلس تشريع حقيقي، فيه توجد للحكومة معارضة فعالة. والاهم من ذلك هو أن الجمهور في الدولتين يدرك قوته وهو يستخدمها. وتوجد فيهما معارضة جماهيرية تستند بالاساس على الجيل الشاب الذي هو على الاقل يشكل نصف عدد السكان. والسؤال هو اذا كان هذا الجيل سينجح في ترجمة طموحاته الى انتصار سياسي.