عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Nov-2021

«وقُتلتُ مرتين».. وصايا المرأة المهمشة

 الراي-سليم النجار (كاتب وناشر أردني)

تصور رواية «قُتلت مرتين» للكاتبة سماهر السيايدة اليأس والموت لشخصيتها الرئيسة «ياسمين» لوناً نبيلاً: «عن أي حياة تتحدثين! أنا إنسانة ميتة.. هل ستعيدين لي الحياة؟» (ص٥٧).
 
ففي أحداث الرواية، لا تفكر ياسمين في الأمل، بل في سرد حياتها من خيوط متشابكة تجمعها المعاناة التي تعرضت لها، فكان الجواب على كل ما تعرضت له أمنية الموت، حيث أصبحت هذه الأمنية سلوكا وطريقا لحياتها التي ما زالت مستمرة رغما عن إرادتها.
 
استطاعت الكاتبة دق باب الزمن لدى المتلقي الذي أربكته الرواية ووضعته في حالة دهشة، فدلالة الخيمة هي عودة للحياة البدائية، وما كان الوطن إلا فكرة غير قابلة للتحقق، والشيء المؤكد أن الخيمة هي الحقيقة الثابتة في حياتنا خاصة إذا عرفنا أن لها دورا كبيرا في تراثنا الشعبي، العودة هنا إلى الأزمة التي يتعرض لها الإنسان العربي، بسؤال دائم: هل فعلاً الخيمة قدر كُتب علينا؟ وحتى تكتمل حشرجة السؤال تسرد البطلة: «أبي، يعني هيك ما راح أشوف أمي أبداً... يعني هيك راح العمر» (ص٢٨).
 
وظفت الكاتبة في هذه الصورة الروائية، دلالة الوالد الذي يعد عماد البيت، واقفة أمام سؤال وجودي: هل ضاع الوطن ما دامت الأم قد غابت؟ وحاولت الكاتبة استدراك خطورة هذا السؤال من خلال تركيب صورة درامية مركبة على السؤال: «طلبت مني الأم شمس أن أقوم بارتداء تلك الملابس الجديدة.. رفضت في بداية الأمر» (ص٧٦).
 
هذه الدوائر الاجتماعية التي رسمتها الكاتبة تتحرك في فضاء السؤال، وانتقال الأنا المعذبة من دائرة إلى أخرى دون وعي حقيقي، وإن حاولت الكاتبة رمي فكرة بين ثنايا السرد ودوائرها التي تتنامى ببطء. مفادها أن البطلة تتعاطى مع كل هذه الظواهر كضحية::لكن طوال الطريق لم تتحدث الأم شمس بكلمة، كان لدي إحساس غريب بأن هناك أمرا ما» (ص٨٢).
 
تزدحم الرواية بالمفارقات المقصودة والموظفة في سرد يتداعى أمام فكرة الخوف، وتحضر فيها شخصيات مرادفة لعلها تساعد البطلة في التخلص من جنونها، ومنها الرجل الذي حاول حل مشكلة عقم زوجته، وتصور أن الحل قد يكون عند الفتاة التي دخلت على حياتهم، فرسم خيوط النجاة عن طريق الكلمات التي أخذت شكلاً شعرياً، وهنا تطرح الروائية سؤالاً أزلياً: «ياسمين ماتت؟ نعم ماتت لكي تعيش أنت» (ص١٥٩).
 
قد يتصور المتلقي أن خيار الموت جاء بقرار من البطلة؛ لكن في حقيقة الأمر هناك تواطؤ من الأم شمس من خلال تصويرها على أنها ساذجة ولم تعرف بحقيقة زوجها، ما دفعها إلى البحث عن عريس لابنتها التي احتضنتها، حتى تكتمل صورة الأمومة. وأيا كان هذا العريس الذي يرفض بثقافته مهما كان مستواه التعليمي الزواج من بنت فقدت رمز الشرف الأزلي، وما مراسم الزواج التي تمت إلا حبر على ورق لا قيمة لها، فالنهاية الطبيعية لكلا الطرفين موت الضحية. والكل يخرح بعد ذلك منتصرا؛ الرجل لم يتخلّ عن قيمه، والضحية مارست دورة البطولة. هذه الصورة ا?درامية الشائعة في حياتنا الاجتماعية التي لا يمكن تغييرها..