عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Dec-2019

ما يريده البرلمان الفرنسي حقا - ديمتري شومسكي

 

هآرتس
 
الدستور- ظاهرة اللاسامية الحالية، يقول البروفيسور دان ميرون في مقاله”الربط ما بين مناوأة الصهيونية وبين اللاسامية هو أمر قائم” (هآرتس 20\12)،تجد تعبيرها الظاهر والواضح في افصاحات من مناوأة الصهيونية الفكرية في العالم الاكاديمي الغربي. وان اساس هذا الموقف المناوئ للصهيونية-حسب ميرون-لايتعلق مطلقا بمعارضة سياسة إسرائيل في المناطق المحتلة بل يتعلق بالانكار المبدئي والمطلق لمجرد وجود دولة إسرائيل، بسبب كونها هي نتيجة الظلم الواضح الذي لا يغتفر تجاه الشعب الفلسطيني.
نظراً لأن محو الوجود المستقل اليهودي،والذي يتمناه لها المثقفون المناؤون للصهيونية هؤلاء، حسب ميرون، تأييد لعملية تاريخية تشبه الكارثة وتستكمل”مشروعها”-ليس هنالك مناص حسب رأيه من اعتبار ناوأة الصهيونية تلك كلاسامية. لهذا، يواصل ميرون، فان تلك البرلمانات الأوروبية-وخاصة وبصورة واضحة البرلمان الفرنسي-والذي اتخذت في الأونة الأخيرة القرارات المبدئية، التي تساوي ما بين مناوأة الصهيونية واللاسامية احسنت الوقوف والتأكيد بصورة دقيقة على العلاقة الوطيدة ما بين هاتين الظاهرتين، ولهذا فانها جديرة بالثناء وليس للتحفظ والادانة.
يصعب عدم الموافقة على الجزء الأول من هذا الادعاء. حيث أن السعي لالغاء وجود دولة إسرائيل بهدف اقامة مكانها دولة لا تطبق حق تقرير المصير للشعب اليهودي يعكس دون شك موقفا لاساميا. من اجل التأكيد على هذا الادعاء ليس هنالك حاجة باستدلالات موهومة بين الابادة الجماعية للشعب اليهودي وبين الغاء السيادة الاسرائيلية. يكفي الاشارة الى ان احد الصفات الاساسية اللاسامية الحديثة يكمن في السعي الى نفي المساواة في الحقوق السياسية لليهود واقصائهم من اسرة شعوب العالم-سواء عن طريق الغاء التحرر المدني لليهود كسعي اللاسامية في الربع الاخير من القرن التاسع عشر او عن طريق الغاء التحرر الذاتي القومي لليهود في دولة اسرائيل،كسعي اللاسامية المناوئة للصهيونية في ايامنا، كما يصفها ميرون.
ولكن، الجزء الآخر في ادعاء ميرون، والذي بمقتضاه، قرار البرلمان الفرنسي استهدف كشف الجوهر اللاسامي الذي يكتنف اساس انكار وجود إسرائيل من جانب المثقفين المناوئين للصهيونية الغربيين-هو باطل من اساسه. هو قائم على قرائة غير دقيقة لصيغة القرار الفرنسي. حيث انه لو اراد المبادرون بهذا القرار، حسب رأي ميرون، ان يتحدوا الموقف المناوئ للصهيونية الانساني المزيف، والذي يحتج على حق تقرير المصير القومي لليهود في اسرائيل، وعرضها في لاساميتها العارية-فانهم كانوا سيعلنون بصورة صريحة بان نضالهم موجه ضد المطالبة بالغاء وجود دولة إسرائيل.
وهكذا، لدى مجيئكم لادانة “معاداة الصهيونية”، والتي هي بالنسبة لهم”احد الصور الحالية لللاسامية”، والتي يتوجب محاربتها دون هوادة، اختار صائغوا القرار الفرنسي اعتباره بصورة مختلفة جوهريا- كـ “انتقاد على مجرد وجود اسرائيل كتجمع معقد من مواطنين يهود”؛ “نقد” وليس انكار-وليس هذا مصادفة بالمرة. وهكذا في حين انه من ناحية المثقفين اللاساميين المناوئين للصهيونية في الاكاديمية الغربية،تعتبر معارضة احتلال مناطق 67، كما يحسن ميرون تشخيصه، ليست هي الاساس-من ناحية المبادرين بالقرار الفرنسين، فان النقد الدولي لمشروع الاحتلال والمستوطنات كنتيجة للسياسة السيادية الواعية للتجمع اليهودي في اسرائيل، هو بالتحديد الذي يقف في مركز الاهتمام والقلق.
أجل، يمكن الافتراض ان مئير حبيب­ -عضو البرلمان الفرنسي من قبل حزب اليمين-وسط، الصديق القديم لبنيامين نتنياهو واحد الشخصيات الاساسية التي تقف خلف قرار البرلمان مدار النقاش-يهم ادوارد سعيد والمفكرون المناؤون للصهيونية رافضو وجود اسرائيل، والذين يتحدث ميرون عنهم، كما يهم الثلج الذي تساقط في السنة الماضية. بالمقابل التحديات التي بدون شك تقلق اكثر مجموعة البيبيين في البرلمان الفرنسي هي، على سبيل المثال، قرار محكمة الاتحاد الاوروبي بالزام شركات الاتحاد بوسم المنتجات الغذائية التي انتجت في المستوطنات؛ وقرار المدعية في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، بانه يوجد اساس لفتح تحقيق في شبهات ارتكاب جرائم حرب من قبل اسرائيل في مناطق 67 (والذي حسب اقوال سيد حبيب من شارع بلفور هو”قرار لاسامي”)؛ وكذلك زيادة الضغط الدولي على اسرائيل, والذي من شأنه ان يصعد الى مستوى جديد في حالة قررت تطبيق حلم الضم المسيحاني لها.
كل هذه الخطوات وكذلك مجمل المعارضة الدولية لسياسة القمع والاستعباد التي تمارسها اسرائيل على الشعب الفلسطيني تقع، بصورة غير صحيحة، تحت عنوان الانتقاد على واقع الوجود القومي اليهودي- الاسرائيلي_وبناءً على ذلك، من الان فصاعداً فسوف يفكرون بالمفاهيم المشوهة بقرار البرلمان الفرنسي، بخصوص التعبيرات اللاسامية. وخلال ذلك فان نزع الشرعية الوحشي عن الاحتجاج ضد الاحتلال سوف يزداد بشكل اشد- وهذا هو بالضبط وليس في الخلاف الفكري مع حفنة من الاكاديميين المعادين للسامية، يكمن الهدف السياسي الاهم لصانعي القرار الفرنسي.
علاوة على ذلك، فان نقداً داخلياً لاساليب الوجود الجماعي لتجمع قومي ما،هو احد الصفات الضرورية والجوهرية لجهاز الرقابة والاصلاح الذاتي لكل شعب يطمح في البقاء. هذا التشخيص كان صحيحاً بصورة واضحة في حالة الصهيونية السياسية في بدايتها. ثيودور هرتسل وقف بشدة ودون وجل ضد ما رآه معيباً وكخلل في السلوك الجماعي لليهود في عصره، وحتى انه لم يتردد في توجيه نقد شديد ومباشر لليهود سماسرة البورصة، والذين بسبب جشعهم الذي لا يعرف الحدود وغياب روادع اخلاقية جذبوا حسب رايه، نيران اللاسامية تجاه الشعب اليهودي كله (مثلما عرض ذلك،على سبيل المثال في مسرحيته ما قبل الصهيونية “الجيتو الجديد”).
ايضاً الان، وكما في ايام هرتسل، هنالك مجال للنقد الداخلي اليهودي الحاد وغير المتهاون تجاه جزء بارز ومعروف جيدا من الشعب اليهودي-يهود إسرائيليون مؤيدون للاحتلال والمستوطنات والذين شهوتهم للسيطرة وللارض لا تعرف الشبع-والذي بغطرسته العمياء يعرض للخطر مستقبل الشعب اليهودي كله، في البلاد وفي العالم. بيد أنه اليوم، وفي اعقاب القرار الفضائحي للبرلمان الفرنسي، فان هذا الانتقاد الحيوي-والذي هدفه ان يرفع عن جبين شعب اسرائيل وصمة العار لشعب محتل، ويساهم بذلك في تقليص ابعاد كراهية اسرائيل في العالم- سيعرض، لشديد اللامعقولية كـ “لاسامية”.